عنب بلدي – أمل رنتيسي
مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في مناطق سيطرة النظام السوري، وانخفاض قيمة الليرة السورية التي قاربت حاجز الخمسة آلاف مقابل الدولار الواحد، يحاول النظام إيجاد وسائل جديدة لرفد خزينة الدولة بالأموال، ومن هذه الوسائل الضرائب.
في 25 من آذار الحالي، أقر مجلس الشعب السوري قانون “ضريبة البيوع العقارية”، إذ يعتمد القانون على استيفاء الضريبة على العقارات المباعة بالاعتماد على قيمتها الرائجة، بدلًا من القيمة المعتمدة في السجلات المالية، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وصرّح وزير المالية، كنان ياغي، أن قانون “البيوع العقارية” يعزز دور الدولة في “تحسين المستوى المعيشي” للمواطنين، وذلك من خلال معالجة “التهرب الضريبي” في مجال بيع وشراء وتأجير العقارات، إذ سيؤدي هذا الأمر إلى فوات المنفعة والإيرادات على الخزينة العامة للدولة، على حد تعبيره.
وينص القانون على أن يشكل وزير المالية لجانًا مركزية ورئيسة وفرعية في المحافظات والمدن والمناطق ودوائر الخدمات، لتحديد القيمة الرائجة للمتر المربع الواحد من العقار لكل شريحة وفق المعايير المحددة لذلك، وتحميلها على خرائط إلكترونية مصممة لهذه الغاية.
وأوضح ياغي أن القانون القديم يعتمد على قيم مالية للعقارات موجودة لدى الدوائر المالية منذ ما قبل التسعينيات، وهو “بعيد عن القيم المنطقية الرائجة للعقارات حاليًا”، حسب تعبيره.
وحدد القانون قيمة الضريبة على البيوع العقارية التي ستُفرض على العقارات بالمعدل التالي:
● 1% من القيمة الرائجة للعقارات السكنية والأراضي الواقعة خارج المخطط التنظيمي والأسطح والعقارات السكنية.
● 2% للأراضي الواقعة داخل المخطط التنظيمي المصدّق.
● 3% عن بيع العقارات غير السكنية.
ولا تشمل هذه القيم البيوع الجارية قبل تنفيذ القانون.
وتخضع العقارات غير السكنية المؤجرة للسوريين وغيرهم لضريبة دخل بمعدل 10% من بدل الإيجار السنوي، على ألا تقل ضريبة الدخل عن ستة بالعشرة آلاف من القيمة الرائجة للعقار المؤجر.
أما العقارات السكنية فتخضع لضريبة دخل بمعدل 5% من بدل الإيجار السنوي، على ألا تقل عن ثلاثة بالعشرة آلاف من القيمة الرائجة للعقار المؤجر.
كما يتضمن القانون تحديد معدلات ضريبة البيوع على العقارات التي تؤول هبة أو بموجب الوصية الواجبة بمعدل 15% من المعدلات على البيوع العادية.
وسمح القانون أن يعترض المُكلف على الضريبة خلال 30 يومًا تلي تاريخ تبلغه أمر القبض، لكن بشرط تسديده مبلغ الضريبة وإضافاتها ومتمماتها كاملة قبل تسجيل الاعتراض، وبعد أن يسدد مبلغ تأمين بنسبة 1% من الضريبة المفروضة، ويصبح مبلغ التأمين إيرادًا للخزينة إذا لم يكن محقًا في طلب الاعتراض.
وتحظر مواد مشروع القانون على دوائر السجل العقاري وكتّاب العدل وكل جهة مخولة بتسجيل الحقوق العينية العقارية أن توثق أو تسجل أي حق عيني عقاري، ما لم يبرز أصحاب العلاقة براءة الذمة من الدوائر المالية ذات العلاقة.
كما يعد باطلًا كل توثيق أو تسجيل يتم خلافًا لذلك، ويحظر على المحاكم إصدار الأحكام المتعلقة بتثبيت البيوع العقارية أو حق الإيجار إلا بعد تقديم وثيقة من الدوائر المالية تتضمن إشعارًا بتسديد مبلغ يعادل الضريبة المفروضة على موضوع النزاع بالدعوى.
رفد خزينة الدولة بسرقة المواطن قانونيًا
الباحث والأكاديمي الاقتصادي فراس شعبو قال لعنب بلدي، إن الغاية من إقرار القانون هو زيادة الحصيلة الضريبية من بيوع العقارات التي ستؤدي إلى رفد خزينة الدولة بأرقام خيالية.
وأضاف شعبو أنه قبل عام 2011، إذا أراد الشخص أن يبيع عقاره، كان يدفع ضريبة تقارب وسطيًا 100 دولار، أي 5000 ليرة أو أقل، وذلك بعد الأخذ بعين الاعتبار قيمة ومكان العقار.
أما اليوم، ومع تدهور قيمة الليرة أصبحت الـ5000 دون قيمة، فكان لا بد من إعادة تقييم للعقارات من خلال القيمة الرائجة أي على القيمة البيعية، وهذا الأمر سيضر بالمستهلك أو العميل أو المُكلف، كما يطلق عليه بالعرف المالي، وستستخدم النسب بشكل كبير لرفد خزينة الدولة، حسب شعبو.
وتوقع الباحث إعادة تعديل ضرائب الدخل على بعض المهن، وذلك بحجة انخفاض قيمة الليرة، وأن هذه الضريبة ليست متوافقة مع الدخل الحقيقي لكل شريحة، “فهذا الأسلوب من أساليب جني الأموال وسرقة المواطن بشكل قانوني، ومساعدة النظام في هذه الطريقة المالية على امتصاص دم الشعب بشكل كبير جدًا”، وفق قوله.
ويتفق مع هذا الأمر المحلل الاقتصادي خالد تركاوي، إذ أشار، في حديث لعنب بلدي، إلى أن ارتفاع أسعار العقارات في سوريا يجعل العائد الضريبي لخزينة الدولة مرتفعًا.
كما أن قيمة العقارات وسطيًا الآن، حسب تركاوي، هي مليار ليرة سورية، ولذا ستكون الضريبة السكنية بما يقارب 20 مليونًا، و تقترب التجارية والصناعية من 30 مليونًا.
وعلل اتخاذ النظام السوري هذه الخطوة بأن سوق العقارات رائج جدًا هذه الأيام، فهناك تجار يشترون لمصلحة إيران أو النظام أو تجار كبار.
ويرى تركاوي أن القانون سيفتح المجال للسرقة والرشى من خلال اللجان المشكّلة التي لها حرية التقدير والتقييم، وبالتالي استغلال المواطنين.
كما أنه سيزيد ويضمن التعامل بالليرة السورية، كون البيوع تتم عن طريق البنوك السورية التي لا تقبل الدفع إلا بالليرة.
مخاطر يتضمنها القانون
المحامي السوري أحمد صوان قال لعنب بلدي، إن القانون يعتبر جزءًا من الحرب القانونية الممنهجة التي تشنها الحكومة السورية على الشعب في نطاق مصادرة العقارات والتضييق على المالكين، وذلك من خلال فرض المزيد من الضرائب على التصرفات والمعاملات العقارية.
ومخاطر هذا القانون، حسب صوان، هي:
● تشكيل لجان لتغيير القيمة التخمينية السابقة، وتحديد القيمة الجديدة الرائجة للمتر المربع الواحد من كل عقار في سوريا، هو إجراء يطلق يد هذه اللجان لتضع القيمة دون أي حدود أو ضوابط وفق مصلحة وزارة المالية، التي يهمها فقط ضخامة مبالغ الإيرادات التي تحصّلها من الأفراد، وربما قدّرت قيمة المتر المربع بعشرة أمثال قيمته الحقيقية.
● تحديد معدلات ضريبة البيوع على العقارات التي تؤول هبة أو بموجب الوصية الواجبة بمعدل 15% من المعدلات على البيوع العادية، يتضمن ظلمًا كبيرًا للوالدين اللذين يريدان هبة عقار لأولادهما، فالهبة لا تعتبر صفقة ولا تتضمن دفع الثمن، وكذلك على العقار الذي ينتقل بموجب الوصية الواجبة من الجد إلى الحفيد اليتيم مثلًا، ومع ذلك فرض القانون عليهما ما نسبته 15 ضعفًا زيادة على الضريبة المفروضة على البيوع العادية.
● القانون غير دستوري، لأنه يحظر على المحاكم إصدار الأحكام المتعلقة بتثبيت البيوع العقارية أو حق الإيجار إلا بعد تقديم وثيقة من الدوائر المالية تشعِر بتسديد مبلغ الضريبة المفروضة، وهذا الحظر هو انتهاك خطير لمبدأ استقلالية السلطة القضائية، لأنه يتدخل في عملها ويهدم “المبدأ الدستوري لفصل السلطات”، لأن القاضي سيمتنع عن تحقيق العدالة وتثبيت الحقوق العقارية للمتخاصمين بموجب قانون ظالم.
● عندما كان حق الملكية حقًا جامعًا بما يخوله للمالك من سلطات تمكنه من الاستفادة من العقار، فهو يستعمله ويستغله ويتصرف فيه بالبيع أو غير ذلك، فهذا القانون يجافي المنطق، لأنه يحد من حرية المالك بالتصرف في ملكه، ويفرض عليه ضرائب باهظة عندما يقرر التصرف بملكيته، ما يمنعه من إتمام البيع أو الهبة خوفًا من نسبة الضرائب المرتفعة التي تتربص به.
● القانون يزيد من الأعباء المالية على الأفراد الذين يضطرون لبيع عقاراتهم بسبب الفقر ولتسديد ديونهم وتأمين ضروريات الحياة، كما أنه سيزيد من أسعار العقارات، ويفاقم أزمة السكن في سوريا بعد أن دُمرت ربع مساكن سوريا.
وتتصدر حلب نسبة الأبنية المدمرة في سوريا بأكثر من 35 ألفًا، تليها الغوطة الشرقية بـ34 ألفًا، ثم حمص والرقة وحماة، وبعدها دير الزور، وفق أطلس الدمار الصادر عن معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب، الذي يشمل ثلاثة مستويات في توثيقه لهذه المباني المدمرة (مدمرة بالكامل، ضرر جسيم، ضرر معتدل).