خمسة مساعٍ للنظام وراء قصف مراكز اقتصاد الشمال السوري
شهد الشمال السوري غارات متعددة للنظام وحليفه الروسي على مرافق اقتصادية وحيوية في سوريا، ارتفعت وتيرتها في الأشهر الماضية وفي آذار الحالي على وجه الخصوص شمال غربي سوريا، على الرغم من اتفاق “موسكو” المُوقع في 5 من آذار 2020، والذي قضى بوقف إطلاق النار.
فبعد قصف قوات النظام، في 21 من آذار الحالي، مستشفى “الأتارب الجراحي” غربي حلب بقذائف مدفعية أسفرت عن ست ضحايا، و17 جريحًا بين مدنيين وعاملين في المستشفى الذي خرج عن الخدمة، قالت شركة “وتد” للبترول، إن صواريخ بعيدة المدى استهدفت محيط مخيم “قاح” ومقرًا للشركة في ريف إدلب الشمالي، دون مزيد من التفاصيل عن الآثار المادية لهذا الاستهداف.
وتداول ناشطون صورًا تُظهر آثار القصف الجوي على كراج الشاحنات قرب معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا شريان دخول المساعدات الأممية الوحيد إلى المواطنين في مناطق الشمال السوري.
لماذا يستهدف النظام المرافق الاقتصادية؟
لفهم الدوافع الحقيقية لهذه الغارات، لا بد من معرفة الظروف الحالية للنظام، فالضغوط الاقتصادية عليه في ذروتها، والليرة السورية تشهد “أسوأ” أيامها منذ بداية النزاع في سوريا.
كما أن نسبة الفقر ترتفع في البلاد، في ظل عجز النظام التام عن إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية، أو القدرة على توفير المتطلبات الرئيسة للمواطنين الموجودين في مناطق سيطرته، بحسب الدكتور السوري والباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر.
وقال السيد عمر، في حديث إلى عنب بلدي، إن مناطق الشمال السوري مستقرة أكثر مقارنة بمناطق سيطرة النظام في ظل الواقع الاقتصادي “السيئ” الذي تشهده، وعدم توفر المحروقات والخبز والكهرباء، على الرغم من أن مناطق الشمال ليست بأفضل حالاتها اقتصاديًا.
وأضاف أن قصف مصافي النفط المحلية في الشمال يستهدف الضغط على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لتوريد النفط إلى مناطق النظام.
ومن جهة أخرى فإن النظام ومن ورائه روسيا يسعى إلى عدم ظهور مناطق الشمال السوري أكثر استقرارًا من مناطق سيطرته، وهذا له دلالات استراتيجية بعيدة المدى.
تصدير أزمة المحروقات إلى الشمال
وكانت روسيا والنظام استهدفا عدة مرات خلال الأسابيع الماضية سوق النفط في معبر الحمران بمدينة جرابلس، و”حراقات” تكرير النفط البدائية في بلدة ترحين، التي تعد المصدر والمغذي الأساسي للحصول على المحروقات في مناطق سيطرة المعارضة، وتعتمد على آليات بدائية لتكرير النفط، كما تعد مصدر رزق لكثير من قاطني المخيمات.
من جانبه، قال وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، الدكتور عبد الحكيم المصري، لعنب بلدي، إن النظام يسعى لتصدير أزماته الاقتصادية التي يعاني منها، كأزمة الوقود، إلى مناطق الشمال، من خلال استهداف “حراقات النفط”، لمنع وصول النفط عن طريق “قسد”.
وأضاف أن النظام لن يستطيع خلق أزمة وقود في الشمال، لكن من الممكن أن ترتفع أسعار النفط بشكل ملحوظ، مع بقائها متوفرة في الأسواق، لأنها تأتي بكميات كبيرة عن طريق تركيا.
وأوضح الوزير أنه لا توجد إجراءات لتجنب القصف لأنه يجري من طائرات وبصواريخ، وحتى لو نُقل مكان “الحراقات” من موقع لآخر من الممكن أن يعود القصف.
ومن الممكن أن يكون الحل الوحيد، بحسب الوزير، وقف استيراد النفط عن طريق “قسد”، لكن ذلك ستكون له انعكاسات على الأسواق في الشمال.
استغلال المساعدات الإنسانية
وبحسب الدكتور يحيى السيد عمر، يسعى النظام وحلفاؤه للتسويق عربيًا ودوليًا بأن مناطق الشمال “بالغة السوء” من ناحية الأمن والخدمات الاقتصادية، كما يسعون للتسويق بأن تلك المناطق مُسيطر عليها من قبل جماعات “إرهابية تكفيرية”، وبالتالي لا يرتجى منها أي استقرار اقتصادي أو أمني.
والهدف من هذا التسويق إقناع المجتمع العربي والدولي بأن النظام هو الجهة الوحيدة التي يمكن التعامل معها اقتصاديًا وسياسيًا.
ولتحقيق هذا الهدف، يسعى النظام وروسيا لضرب أي مرفق اقتصادي حيوي في الشمال، للدفع بهذه المنطقة لتكون أسوأ من مناطق سيطرة النظام أو على أقل تقدير مثلها.
كما يسعى النظام، بحسب الباحث، إلى استغلال المساعدات الإنسانية القادمة إلى مناطق الشمال التي تمر عبر معبر “باب الهوى”، لكي يتم إدخالها عن طريق معابره، الأمر الذي لا يمكن أن يتم إلّا من خلال تعطيل معابر الشمال.
اقرأ أيضًا: المعابر.. عين روسية لخنق الشمال بورقة المساعدات الأممية
دلالات سياسية
وأوضح يحيى السيد عمر، أنه يمكن أن تكون لهذه الغارات دلالات سياسية، فالنظام وحلفاؤه يسعون للضغط على المجتمع الدولي للمضي في حل للقضية السورية وفقًا لرؤيتهم، فقد يكون الضغط على المدنيين في الشمال إحدى وسائل الضغط على المجتمع الدولي.
كما قد يكون تكثيف الغارات وزيادة حدتها دليلًا على فشل المساعي الروسية في تسويق النظام عربيًا، فالنظام وحلفاؤه يسعون لزيادة التوتر في المنطقة كوسيلة ضغط.
وتأتي تلك الاستهدافات المتكررة قبل أيام على اقتراح قدمته روسيا لتركيا بفتح ثلاثة معابر بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا، “لدخول البضائع الإنسانية وخروج اللاجئين”، اعتبارًا من 25 من آذار الحالي، قُوبل برفض شعبي ونفي تركي.
أسباب عسكرية
وبيّن الباحث أنه ليس بإمكان السلطة السياسية والعسكرية في الشمال مواجهة غارات النظام، لا سيما أنها تتم بالطيران الروسي الحديث وصواريخ “باليستية” من بوارج روسية في البحر، أي أن الحل ليس عسكريًا.
وأشار إلى أنه من الممكن أن يكون دفع فصائل المعارضة السورية في الشمال للرد، من أسباب هذه الغارات وبالتالي انهيار الهدنة، إذ إن من مصلحة النظام إعادة المعارك إلى المنطقة بهدف خلط الأوراق من جديد.
وبحسب الباحث، لا بد أن يكون الحل لهذه الغارات سياسيًا، ولا بد أن يكون بمساعٍ من الضامن التركي، من خلال تواصل تركي- روسي لتجنيب الشمال السوري موجات قصف جديدة.
ويواجه السوريون في مناطق سيطرة النظام أزمات اقتصادية ومعيشية، وتتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، إذ يعيش تحت خط الفقر في البلاد 90% من السوريين، بحسب بيانات أممية.
كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا بنسبة 40% اعتبارًا من تموز 2020، وبنسبة 222% على أساس سنوي، وبنسبة 376% منذ تشرين الأول 2019، بحسب بيانات برنامج الغذاء العالمي (WFP).
وترجع تلك الزيادة في الأسعار إلى استمرار انخفاض سعر الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي في السوق غير الرسمية (السوق السوداء)، بالإضافة إلى النقص المستمر في الوقود في جميع أنحاء البلاد، بالتزامن مع انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين.
ويؤدي غياب إجراءات مؤسسات النظام النقدية والمالية لضبط سعر الصرف والأسعار، وتوجهها إلى الإجراءات الأمنية في ذلك، إلى مزيد من التدهور الاقتصادي.
وما تلبث أزمة الطوابير أمام محطات الوقود والأفران أن تتقلص حتى تعود مجددًا في مناطق سيطرة النظام، بسبب انقطاع توريدات النفط ونقص الطحين، وسط عدم القدرة على تأمين المادتين.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :