بعد سنوات من سيطرة النظام على حلب.. “خطيئة” المعارضة لم تُنسَ في أحيائها الشرقية

  • 2021/03/28
  • 12:01 م

تهجير المدنيين من أحياء حلب الشرقية بعد سيطرة النظام السوري عليها - كانون الأول 2016 (تعديل عنب بلدي)

حلب – صابر الحلبي

انقسمت أحياء مدينة حلب، في شمال غربي سوريا، ما بين سيطرة المعارضة والنظام خلال السنوات الأولى للثورة للسورية، لتعاني الشرقية منها من حصار وحملة عسكرية انتهت بدمار المباني وتهجير السكان.

أربع سنوات وثلاثة أشهر مرت منذ سيطرة النظام وميليشياته على الأحياء الشرقية من محافظة حلب، نهاية عام 2016، تحول خلالها الحصار من إغلاق الطرقات إلى شكل آخر، مع استمرار الاعتقالات والخوف والإهمال الخدمي.

فضّلنا البقاء ولكن..

كانت الأيام الأولى لسيطرة النظام وميليشياته على الأحياء الشرقية والجنوبية في محافظة حلب أشبه بـ”كابوس” عاشه من تبقى في تلك الأحياء ولم يقبل بالتهجير، إذ بدأت الاعتقالات بشكل يومي دون استثناء، حتى للنساء والأطفال، على يد الأفرع الأمنية التي بسطت سيطرتها على المنطقة إلى جانب الميليشيات التابعة لإيران ومنها “كتائب الإمام الرضا”، و”حزب الله” اللبناني، و”لواء الباقر”، و”لواء القدس”، وغيرها.

باشرت الأجهزه الأمنية بحملات اعتقال لمن تبقى من المدنيين الذين لم يستطيعوا مغادرة الأحياء الشرقية لأسباب مختلفة، بعضهم كان عائقهم ماديًا، وآخرون ظنوا أنهم غير مطلوبين للتحقيق أو لن يكونوا عرضة للاعتقال المتكرر.

لم يستطع نزار، أحد سكان حي مساكن هنانو، المغادرة خشية من صعوبة النزوح ولضيق الحال، “كل ما أملكه خلال تلك الفترة ما كان ليكفيني مع عائلتي مصروفًا لخمسة أيام”.

اعتقد نزار أن ابتعاده عن العمل العسكري، وعدم انضمامه لأي فصيل خلال فترة سيطرة المعارضة، سيعفيه من الاعتقال، لكنه تعرض له مرارًا، حسبما قال لعنب بلدي، إضافة إلى ما وصفه بـ”المضايقات”، من قبل عناصر اللجان الشعبية (الشبيحة)، والأفرع الأمنية.

خلال الأيام الأولى، بدأت عمليات “التعفيش” للمنازل التي لم يتمكن أصحابها من حرقها قبل اضطرارهم للمغادرة، وتناوب عناصر قوات النظام على إفراغ وسرقة جميع محتوياتها، “طلبوا ممن تبقى ملازمة المنازل وعدم الخروج بشكل نهائي، ونُهبت المنازل على مرأى ومسمع المدنيين المتبقين، ولكننا لم نستطع فعل شيء”، حسبما قال نزار، مشيرًا إلى خطر “التصفية”.

بداية عام 2017، اعتقلت قوات النظام كل من أوقفته في الطرقات خلال ساعات النهار المحددة للخروج، وكان الاعتقال و”التصفية” أكثر ما يخيف المدنيين.

“حدثت انتهاكات كثيرة وتصفية لأشخاص بسبب تعاملهم مع المعارضة، كانت هناك قوائم بأسماء المطلوبين وأُعدموا أمام ذويهم، كان عناصر النظام يحاولون خلق حالة من الخوف، وحصلوا على ما أرادوه”، كما قال نزار.

محو الماضي الثائر

بعد أن كان ثلثا محافظة حلب بقبضة المعارضة في عام 2012، شن النظام السوري حملات عسكرية، تسببت بتهدم البنى التحتية وسقوط عشرات آلاف القتلى والجرحى قبل فرضها حصارًا في تموز من عام 2016، قيّدت خلاله وصول أكثر من 250 ألف مدني للغذاء والدواء، واستخدمت الأسلحة العنقودية والحارقة المحظورة دوليًا، حسب تقرير من منظمة العفو الدولية، صادر في 13 من تشرين الثاني 2017.

وبدأت قوات النظام عمليتها العسكرية الأخيرة في 15 من تشرين الثاني عام 2016 وانتهت في 22 من كانون الأول من العام نفسه،  وذلك بعد تهجير مئات الآلاف من العائلات التي خرجت من منازلها.

لم تكتفِ قوات النظام بطمس شعارات الثورة وإحراق ما تبقى من آثارها، بل قام بعض عناصر “الشبيحة” والأفرع الأمنية بنبش القبور وتكسير الشواهد في عدة مقابر عشوائية بأحياء صلاح الدين والفردوس والصالحين.

واستفاد النظام من بعض المقرات التي كانت للمعارضة، حيث قام إعلامه بتصويرها والحديث عن بقايا ما سماها بـ”المجموعات الإرهابية”، وبحسب ما قاله معتصم، وهو أحد مقاتلي المعارضة الذين قاموا بـ”تسوية” أوضاعهم، فإن النظام “لم يدمر ما تبقى فورًا”.

وتابع معتصم لعنب بلدي، “صوروا كل شيء من سجون ومقرات، وظهرت آثار حرائق في أماكن التصوير، ولكن بعد الانتهاء أُحرقت جميع المقرات وأُخذت الوثائق والأوراق التي تُركت”.

لم تكن هناك برامج واضحة لفصائل المعارضة المسلحة خلال سيطرتها على الأحياء الشرقية والجنوبية داخل محافظة حلب، إذ لم تنشئ مجالس محلية، وإنما اقتصر التنظيم على مجلس المدينة في حي السكري، الذي كان يسيّر الأمور عبر مندوبين عن الأحياء.

وكان الدور الأكبر للفصائل هو ضبط الأمن والقتال، حسبما قال معتصم، إذ كان لكل فصيل مقر وسجن خاص، وأما الأمور السياسية والاجتماعية فـ”كانت ليست ذات أهمية، وحتى إنه لم يكن هناك اتفاق بين الفصائل بسبب اندلاع الاشتباكات بشكل متكرر”، وبالتالي لم يتبقَّ في المنطقة مؤسسات أو مشاريع للمعارضة.

اقتسام لا اتفاق

وتقاسمت الأفرع الأمنية الأحياء الجنوبية والشرقية، حيث قسمت المنطقة لقطاعات، ونال فرع “المخابرات الجوية” وميليشيا “لواء القدس” الجزء الأكبر من الأحياء الشرقية، ولكن الخلاف ما بين عناصر الأفرع و”الشبيحة” من “الدفاع الوطني” و”اللجان الشعبية” تزايد.

وقال نضال، أحد سكان حي طريق الباب، لعنب بلدي، “أصبحنا ضمن مناطق صراعات بين عناصر الأفرع الأمنية من جهة وبين عناصر اللجان الشعبية، والطرفان كانا يسعيان لفرض السيطرة، وجرت بينهم اشتباكات متعددة خلال عامي 2017 و2018، واستطاع عناصر الأفرع كل مرة السيطرة على زمام الأمور، مع اعتقال عدد من عناصر الشبيحة”.

وبعد عدة اشتباكات، تمكنت الأفرع الأمنية من إخراج عناصر اللجان الشعبية من عدة أحياء، من بينها الحيدرية والصاخور وطريق الباب والشعار والقاطرجي، ومع ذلك لم تتوقف انتهاكات عناصر “الشبيحة” المستمرة حتى تاريخ اليوم، من سرقات للمنازل والمحال في محافظة حلب.

وقل وجود الميليشيات التابعة لإيران في عدد من أحياء حلب، حيث نُقل قسم كبير منهم إلى ريف حلب الشرقي وإلى محيط مطاري “كويرس” العسكري و”حلب” الدولي.

ولا يزال فرع “المخابرات الجوية” يسيطر على أغلب أحياء حلب الشرقية، ويتخذ من أقسام الشرطة في تلك الأحياء مخافر تابعة له، حيث يقوم بإيقاف المطلوبين قبل تحويلهم إلى الفرع الرئيس.

واستطاع فرع “المخابرات الجوية” تجنيد المئات من المدنيين للعمل لمصلحته في الأحياء الشرقية، “الرهبة والخوف عادا مرة أخرى، لا أحد يتجرأ على أن يتكلم، وحتى لا يستطيع إبداء رأيه، لأن عددًا كبيرًا من المدنيين أصبحوا مخبرين لمصلحة الجوية”، حسبما قال نضال، الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لاعتبارات أمنية.

كما لم يقتصر التجنيد على الأفرع الأمنية، إذ سرعان ما عادت “التربية” الحزبية إلى نشاطها بعد استعادة السيطرة على الأحياء الشرقية، منها حزب “الإرادة الشعبية” والحزب “القومي السوري” وحزب “الشباب للبناء والتغيير”، إذ عملت على استقطاب الشبان، من الذكور والإناث، بالتزامن مع عودة نشاط حزب “البعث”.

وبرز تجنيد الشباب عن طريق الأحزاب من خلال مقاتلي “لواء البعث” التابعين لحزب “البعث”، ومقاتلي “نسور الزوبعة”، الذين كانوا يتبعون لـلحزب “القومي السوري”، والذين شُيّع عشرات القتلى منهم في محافظة حلب بعد مقتلهم على يد خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في البادية وفي محافظة دير الزور.

وعود لم تُلبَّ

حين تتجول في مدينة حلب، يسهل عليك تمييز الأحياء التي كانت تحت سيطرة المعارضة عن غيرها، إذ ما زالت أنقاض الدمار والقصف موجودة في جميع الأحياء الشرقية والجنوبية وحتى في ريفها، وحتى الأبنية القائمة بقيت دون ترميم، مهددة سكانها بالوقوع دون إنذار.

لم تقدم الخدمات التي وعد النظام بها لسكان تلك الأحياء، فخطوط الاتصالات ما زالت مقطوعة حتى الآن، على الرغم من المناشدات، والتيار الكهربائي ما زال مقطوعًا، ولم تؤهل جميع محطات الكهرباء، فضلًا عن ترك التمديدات الصحية على حالها من التلف، دون صيانة، ما يسبب انقطاع الماء في معظم أنحاء المنطقة.

ويعتبر سكان الأحياء الشرقية والجنوبية داخل محافظة حلب أن ما يعيشونه من إهمال هو “متعمد”، وقال صقر، أحد سكان المنطقة، لعنب بلدي، “دائمًا نسمع من مختار الحي أو رئيس القطاع أن الأنقاض سترحّل، وسيتم تأهيل شبكة الكهرباء وسوف وسوف… ولم نرَ شيئًا وكله كلام، خلال السنوات الأربع الماضية لم نحصل على مخصصات المازوت حتى، والشكاوى لا استجابة لها”.

وبسبب انقطاع الكهرباء والماء، يلجأ سكان الأحياء الشرقية والجنوبية داخل حلب لاستخدام “الأمبيرات” لتعبئة المياه من الصهاريج، وبعضهم يختارون حلولًا أخرى، وأضاف صقر، “نستخدم الشموع إن توفرت، وأحيانًا الكاز، وما زلنا ننتظر قدوم الكهرباء إلى حي كرم الطراب، على الرغم من أننا قريبون من مطار (النيرب) العسكري والكهرباء موجودة فيه ولكن لا يتم توصيلها لنا”.

وجرى تأهيل عدد من المراكز الصحية التي كانت تنتشر في عدد من أحياء حلب الشرقية، وروج، ولكن الخدمات المجانية وإعفاء المدنيين من دفع رسوم العلاج لم يعد موجودًا، رغم انتشار الفقر وصعوبة تأمين التكاليف، وأشار زكي، وهو أحد سكان حي الصاخور، لعنب بلدي، إلى أن المراكز الصحية التي كانت تقدم خدماتها بالمجان للمدنيين أصبحت تتطلب الدفع، بينما يقدم العلاج لعناصر النظام دون أجر.

اكتفت حكومة النظام بترميم وإعادة تأهيل المنشآت الحكومية التابعة لها، وترميم بعض المدارس في أحياء الجزماتي والفردوس والصالحين، دون القيام بعمليات ترميم للأبنية السكنية والمنازل المتضررة.

وبحسب ما نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، خلال كانون الأول من عام 2020، فإن النظام أعاد تأهيل 52  مركزًا صحيًا ومستشفى، و1620 مدرسة، مع الإعلان عن تنفيذ أكثر من ألف مشروع في قطاع الإدارة المحلية في ذكرى “تحرير” حلب.

مقالات متعلقة

المساكن والأراضي والممتلكات

المزيد من المساكن والأراضي والممتلكات