“الكيصر” العالمي
نبيل محمد
يعود المغني السوري الذائع الصيت عمر سليمان الملقب بـ”القيصر” وبلهجة الشمال الشرقي “الكيصر”، للحضور عالميًا، وهذه المرة على لسان المنتج والكاتب والموسيقي الأمريكي إيان برينان الحائز على جائزة “غرامي” 2012، وكثير الحديث عن أسرار الشهرة والنجاح، والذي وجد بعمر سليمان نموذجًا لأعظم أنواع الموسيقى في العالم، خلال لقاء أجرته “الجارديان” مع برينان مؤخرًا.
ما يلقاه عمر سليمان من إقبال في الخارج، وتقييمات مختلفة، بل وشراكات فنية، لم يلقه يومًا في بلاده أو في الدول الناطقة بالعربية، وهذا لا يعود إلى قلة اهتمام المؤسسات الرسمية بالمواهب، أو النجوم، بقدر ما هو اختلاف تصنيفه عربيًا عما هو فيه عالميًا، فسليمان ما زال حتى اليوم بالنسبة لقطاع كبير من الجمهور العربي، ممن يعرفه وسمع أغانيه، نموذجًا للغناء الشعبي المحلي، لا يختلف كثيرًا عن أبناء جلدته الذين اشتهرت أغانيهم محليًا في مهرجانات محدودة أو حتى في أعراس. يلقى سليمان حتى اليوم رفضًا كبيرًا من قطاع واسع يجد أن الشهرة التي يحققها، تصب بشكل سلبي في قيمة الفن العربي في الخارج، وتسوّق ما هو غثّ وعابر بدلًا من الأصيل والتراثي.
قد يكون تعاون “القيصر” مع “AC/DC” الأسترالية، أو مع العالمية بيورك، أو إحياؤه حفل توزيع جائزة “نوبل” للسلام، أو حتى حديث برينان عنه، حلمًا صعب المنال لكبار المغنين العرب، ذوي المشاريع الفنية الأصيلة، وخبراء الموسيقى الأكاديميين، إلا أن ذلك كان متاحًا لعمر سليمان، بجهد لم يتعدَّ الحفاظ على “ستايله” وطريقته في الأداء، واستخدام موسيقى “التكنو” ببعض أغانيه، والحضور في صالات عالمية مزوّدة بأنظمة صوت وإضاءة قادرة على تحويل سليمان وموسيقاه إلى ما هو أشبه بفيلم غريب، حيث الرجل الذي يلبس الزي الشعبي البدوي والنظارة الشمسية، يرمي كلماته بلا مبالاة ولا اهتمام، أمام جمهور متنوع من مختلف الجنسيات يكاد لا يصدّق أنه يرقص على أنغام “القيصر”. شكل استثنائي من أشكال البهجة يخلقها حضور “القيصر” أمام جمهور أوروبي أو أمريكي أو حتى تركي، شكل لا يشعر بوقعه المختلف هذا متابعوه من السوريين، الذين غالبًا ما تجدهم مسرورين لردود فعل الجمهور في حفلات سليمان أكثر من سرورهم لأنهم يحضرونه، ببساطة لديهم نماذج كثيرة مشابهة، لم تستطع تحقيق ما حققه “القيصر”.
حبك أو عدم حبك لعمر سليمان، هو قضية نقاشية يمكن أن تحضر بمجرد طرح اسم “القيصر”، بعد كل شهرة عالمية جديدة يحققها، أو حضوره في مسرح ما في إحدى عواصم الفن والثقافة في الخارج، فأن تقول إنه لا يختلف كثيرًا عن أي مطرب أعراس أو حتى عن وفيق حبيب أو علي الديك، قد يعرّضك لهجمة كبيرة من جمهوره الذي يجد في ذلك فوقية، ورفضًا لقدرة هذا الفن الشعبي المحلي على أن يكون عالميًا، وحبّك لعمر سليمان أيضًا سيعرضك لهجوم منتقديه خاصة من أولئك ذوي الذائقة الرفيعة في الاستماع، أو الأكاديميين الموسيقيين، إذ يرون أنك تشجع ظاهرة تسوّق فن بلادك الرديء، وأنك تتغاضى أيضًا عن مواقفه السياسية الرمادية، بل والرافضة للثورة ضد الأسد، فقد رفض سليمان الحرية مقابل العودة إلى البلاد في إحدى حفلاته باسطنبول حين قال، “أريد أرجع للوطن بس ما أريد الحرية”.
جدلية وخلافية هي هذه الشخصية، جذّابة وكوميدية بحضورها غير المفهوم على منصات عالمية كبرى، تأخذ معنى سياسيًا أحيانًا فيجدها البعض دمية من صحراء الشرق يتسلّى الغرب باللهو بها، ويرقص على أنغامها الآلاف ممن يفهمون معنى الكلمات القليلة المرافقة للموسيقى وممن لا يفهمون أي كلمة. موسيقى “التكنو” أيضًا لها دورها، فهي كفيلة بأن تحوّل مقالًا صحفيًا متكلّفًا في صحيفة قديمة إلى أغنية قادرة على ملء الجو بالحماسة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :