عودة المعارضة إلى الداخل السوري

  • 2021/03/28
  • 11:15 ص

إبراهيم العلوش

مع صدور القرارات التركية الجديدة بشأن المعارضة المصرية الموجودة في تركيا ووسائلها الإعلامية، الذي أدّى إلى توقف كثير من برامجها، لا بد من استباق الأحداث والتفكير بمصير المعارضة السورية في تركيا وفي غيرها، وفي مصير وسائل إعلامها التي ستستيقظ يومًا ما على قرار مشابه يراعي تطورات الأحداث ومصلحة الدولة المضيفة.

ردّ مستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، على المبالغات وعلى إشاعات تسليم المعارضين المصريين، وقال، حسب موقع عنب بلدي، “مستحيل أن تسلم تركيا أي شخص لا لمصر ولا لأي دولة تنفذ عقوبة الإعدام”، ولكن القنوات المصرية التي تبث من تركيا أوقفت عدة برامج سياسية خلال الأسبوع الماضي بعد صدور التعليمات التركية بشأن العلاقة مع مصر. وهناك ثلاث قنوات تتبع للمعارضة المصرية هي “مكملين” و”الشرق” و”وطن”، تتوجه إلى المصريين المعارضين للرئيس السيسي الذي انقلب على الحكومة الإخوانية من جهة، وعلى سائر المعارضة التي تطالب بالديمقراطية من جهة أخرى.

المعارضة السورية بدورها تتركز معظم كوادرها ووسائل إعلامها في تركيا، وكثير من منابرها يلقى التشجيع من قبل الدولة التركية التي تستضيف حوالي أربعة ملايين لاجئ سوري. كثير من الكوادر السياسية والعسكرية المنشقة عن النظام السوري لجأت إلى تركيا، بالإضافة إلى المعارضة السورية الخارجية، مثل قيادات “الإخوان المسلمون”، التي كانت تقيم في بريطانيا وفي ألمانيا، فقد انتقلت كوادرها الرئيسة إلى تركيا بعد تسلّم الرئيس، رجب طيب أردوغان، وحزبه، لتتركز في اسطنبول وفي غازي عينتاب، بالإضافة إلى عدد من الأحزاب الشيوعية والقومية ومنظمات مدنية معارضة لا تزال مشتتة في أنحاء أوروبا.

رفضت الكوادر المعارضة السورية بعد العام الثاني للثورة أن تثبّت وجودها في سوريا لعدة أسباب، أولها وحشية النظام وتصفياته الجماعية لكل معارض مهما كانت طلباته، إذ كانت آلة المخابرات ومعتقلاتها تقوم بأعمال تصفية واسعة النطاق في المعتقلات وعلى الحواجز. وثانيها هو اتهام التنظيمات الدينية المتطرفة لاحقًا الصحفيين والسياسيين بتهم الكفر والردة، واعتبارها أن المطالبة بالديمقراطية خضوع للغرب ومحاربة للإسلام الذي تتبناه هي. وآخرها بسبب مؤتمرات المعارضة الخارجية في تركيا والسعودية وقطر، والتكوينات الخارجية التي أنتجتها، مثل “المؤتمر الوطني” و”الائتلاف” وقيادات “الجيش الحر”، والتي شجعت على استقرار كوادر المعارضة في الخارج.

التاريخ السياسي والإعلامي للمعارضة السورية منذ الستينيات من القرن الماضي كان مبنيًا على اللجوء، وكانت الصحافة اللبنانية هي الملجأ لكل معارض سوري، وهي المنبر الذي يقصده كل سوري يريد أن يتميز في الصحافة أو الأدب والثقافة، فكان النشر في صحيفة “النهار”، أو “الأسبوع العربي”، أو “المستقبل”، أو “السفير”، أو “الحياة”، تعبيرًا عن شهادة إعلامية غير رسمية، وكان النشر في دار “الآداب”، أو “الكلمة”، أو “العودة”، أو “الريّس”، تكريسًا شبه رسمي لولادة أديب سوري جديد.

واليوم، صار الفعل السياسي والإعلامي وحتى الثقافي الأهم للمعارضة السورية يصدر من اسطنبول، فقنوات تلفزيونية ووسائط “ميديا” مثل قناة “سوريا” و”أورينت”، ومواقع دراسات ونشر سياسية مهتمة بالشأن السوري مثل “حرمون” و”عمران” و”العربي الجديد” و”عنب بلدي” وغيرها العشرات، تتركز كوادرها في اسطنبول، بالإضافة إلى أن معظم الكوادر السياسية لـ”الائتلاف” والأحزاب الجديدة تتشكل وتتمركز في تركيا، فهل تبقى هذه الكوادر وهذه المؤسسات في تركيا دائمًا؟

مع نشوء محور تشاوري جديد بين تركيا وروسيا وقطر خلال شباط الماضي، فإن تغيرات مقبلة ستعصف في التكوينات السورية الموجودة في تركيا أو المدعومة من الدوحة، خاصة أن الدوحة وأنقرة تتجهان إلى تسوية خلافاتهما مع الدول الخليجية الأخرى، وقد تتجهان إلى حلول تتناسب مع مصالحهما في الشأن السوري، ما يهدد مستقبل هذه التكوينات ما لم تستشعر التغييرات بشكل مبكر.

مهما كان الوضع الداخلي صعبًا في سوريا فإن البناء فيها أكثر ديمومة، إذ لا يزال الدعم الدولي يشجع على العمل الإعلامي والسياسي من الداخل السوري، وقد يصبح العمل السياسي والإعلامي في الداخل أقل تبعية للآخرين، والكوادر الشابة في سوريا مؤهلة وقادرة على إدارة نفسها في الشمال السوري، سواء في إدلب أو في المناطق الشمالية والشرقية الأخرى، وهي لا تزال محميّة من قبل الجيش التركي، والتحالف الغربي، ومن قبل المنظمات الدولية، وبالتالي فهي قادرة على تجاوز مرحلة التأسيس بسهولة مع دعمها من قبل الكوادر التي نضجت الآن في تركيا وفي أوروبا، وصارت لديها خبرات واسعة في العمل السياسي والإعلامي وفي العلاقات العامة مع الدول والمنظمات الدولية، ما يمهد لهذه المؤسسات الانتقال إلى الداخل السوري بيسر، ويؤهلها لأخذ دور في النقاشات المحلية والدولية التي تدور حول تطبيق القرار “2254”، ولا يعرّضها إلى المصير المفجع الذي وصلت إليه المؤسسات السياسية والإعلامية التي بنتها المعارضة المصرية في تركيا.

قد تتأخر القرارات الدولية أشهرًا، ولكنها لن تتأخر سنوات أخرى، وهي ستكون حاسمة لأن الحلول السورية قد تكون قسرية للمعارضة وللنظام، خاصة مع التقلبات السياسية الداخلية للدول، وعلينا جميعًا أن نساعد السوريين في الداخل على بناء نواة الاستقرار القادمة في الداخل السوري، قبل أن تطيح القرارات الدولية المفاجئة بالجهد السوري الكبير في المؤسسات الإعلامية خاصة، التي صارت تعادل المؤسسات الوطنية للدول المضيفة، وبعضها قد يرتقي إلى أن يكون مصدرًا دوليًا للخبر وللتحليل في الشأن السوري والإقليمي، فهل تستطيع المؤسسات المعارضة السورية العودة التدريجية إلى الداخل، وهل تستطيع أن تتجنب مصير مؤسسات المعارضة المصرية في تركيا؟

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي