لجأ آلاف السوريين الفارين من النزاع المسلح إلى لبنان، طلبًا للأمان، ليجدوا أنفسهم متهمين من قبل السلطات اللبنانية بالإرهاب والانتساب إلى جماعات مسلحة في سوريا، ما نتج عنه تعرض المئات من الرجال والنساء والأطفال للاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والمحاكمة غير العادلة.
سلطت منظمة العفو الدولية في تقريرها المعنوَن بـ”كم تمنيت أن أموت” الضوء على انتهاكات “مروعة” صادرة عن السلطات اللبنانية بحق اللاجئين السوريين المعتقلين، بشكل تعسفي في أغلب الحالات، بتهم تتعلق بالإرهاب، “مستخدمة بعض أساليب التعذيب المروعة نفسها المستخدمة في أسوأ السجون سمعة في سوريا”.
وصفت الباحثة المعنية بحقوق اللاجئين والمهاجرين في المنظمة ماري فورستيي، التقرير بأنه “لمحة سريعة عن المعاملة القاسية والمسيئة والقائمة على التمييز المجحف التي تمارسها السلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريين المحتجزين، للاشتباه بهم بشأن تهم تتعلق بالإرهاب”.
وتعتقد فورستيي أنه “لا ريب في أن أفراد الجماعات المسلحة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، يجب أن يخضعوا للمساءلة على أفعالهم، لكن الانتهاك الصارخ من جانب السلطات اللبنانية لحق اللاجئين السوريين في الإجراءات القانونية الواجبة قد شكّل استهزاء بالعدالة”.
وبحسب التقرير، ارتكبت مخابرات الجيش اللبناني سلسلة من الانتهاكات ضد 26 محتجزًا سوريًا، من ضمنها انتهاكات المحاكمة العادلة، والتعذيب الذي يتضمن ضربًا بالعصي المعدنية، والكوابل الكهربائية، والأنابيب البلاستيكية.
كما ذكر المحتجزون في سياق التقرير، عمليات تعليق من الأرجل، أو إرغام على اتخاذ أوضاع جسدية مجهدة لفترات طويلة.
ووثق التقرير إساءة معاملة امرأتين تعرضتا للتحرش الجنسي والإساءات اللفظية في الحجز، وأُرغمت إحداهما على مشاهدة عناصر الأمن وهم يعذبون ابنها، وأُرغمت الأخرى على مشاهدة زوجها وهو يتعرض للضرب.
محاكمات تخالف القانون اللبناني
يُحال المشتبه به بارتكاب جرم الإرهاب إلى التحقيق، ويحاكَم أمام محكمة عسكرية، حتى ولو كان مدنيًا، بموجب القانون اللبناني، وهو، بحسب “العفو الدولية”، إجراء ينتهك حقوق الإنسان ولا يكفل محاكمة عادلة.
في عام 2016، قال وزير الخارجية اللبناني السابق، جبران باسيل، إنه لا يمكن الربط “بين النزوح والإرهاب، ولكن دومًا هناك مسببات للإرهاب”، وشدد على صلاحية البلديات التي لديها “شرطة محلية وسلطة في نطاقها المحلي وتستطيع محاربة الإرهاب”، معتبرًا أن “لا أحد يستطيع منع الشعب من الدفاع عن نفسه”.
وانتشار الإرهاب وضرورة محاربته، هي الحجة المحورية التي تبرر من خلالها السلطات اللبنانية رفضها إجراء أي تعديل أساسي على اختصاص المحكمة العسكرية.
إذ ذكر الوفد الرسمي الذي مثّل لبنان أمام “لجنة مناهضة التعذيب” في الأمم المتحدة، في نيسان عام 2017، أن “عدم حل المحكمة العسكرية في لبنان مرتبط بوجود ظروف استثنائية”، واعدًا بـ”حلها فور انتهاء هذه الظروف”، ولكن لا تزال ولاية المحاكم العسكرية قائمة على المدنيين والأطفال.
صدّق لبنان على “اتفاقية مناهضة التعذيب” عام 2000، إلا أن السلطات هناك تمارس التعذيب في وزارة الدفاع بحق لاجئين سوريين، وفق تقرير لـ”هيومن رايتش ووتش”، كما يُجبر الضباط لاجئين على توقيع إفادتهم وهم معصوبو الأعين، وتستخدم هذه الإفادات كدليل ضد أصحابها خلال محاكمتهم بجرائم إرهابية أمام المحكمة العسكرية.
وفق تقرير لموقع “المفكرة القانونية”، استطلع آراء محامين حول محاكمة لاجئين سوريين بتهم الإرهاب في القضاء العسكري، فإن قاضي التحقيق العسكري يتجه بشكل مستمر ومتشدد إلى توجيه تهم الإرهاب.
أما بالنسبة للمحكمة، فالإفلات من التهمة محتمل في بعض الحالات المبالغ بها إلى حد لا يمكن إغفاله، أما المتهمون بالإرهاب على خلفية انتمائهم لـ”الجيش الحر” أو تجارتهم بالسلاح، فتتفاوت الأحكام، بين تبرئتهم أو الاكتفاء بمدة توقيفهم، أو اعتبارهم إرهابيين.
ووفقًا لتقرير “المفكرة القانونية”، لا تكتفي المحكمة العسكرية برفض إبطال التحقيقات الأولية لعلة الادعاء بالتعذيب، بل تعتمد على الاعترافات الواردة في التحقيقات الأولية كدليل حاسم تحكم بموجبه بتجريم المدعى عليه.
وتفرض المحكمة العسكرية في لبنان اختصاصها على الجرائم الواقعة في سوريا بشكل مخالف للقانون، وفق التقرير، فهي تسيء تفسير المواد التي تستند إليها من قانون العقوبات، تحديدًا المادة رقم “19” والمادة رقم “23” أي التي تحدد الصلاحية الذاتية والصلاحية الشاملة للمحاكم اللبنانية تجاه الأجانب.
وتنص هذه المواد على اختصاص المحاكم اللبنانية بالنسبة لكل أجنبي دخل الأراضي اللبنانية، في حال ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة رقم “19” أو أي جريمة أخرى في حال توفر الشروط المنصوص عليها في المادة رقم “23”.
ومن بين هذه الجرائم المحددة في المادة رقم “19”، الجرائم التي تمس أمن الدولة، على أن صلاحية المحاكم اللبنانية تنتفي في حال كان الفعل غير مخالف للقانون الدولي.
والقانون الدولي لا يعاقب على النزاعات المسلحة، فهذه النزاعات تحكمها اتفاقيات “جنيف” التي صّدق عليها لبنان، وبالتالي المحاسبة على حمل السلاح في سوريا، أو حمل سلاح غير مرخص أمر غير قانوني، حتى لو كان النزاع في سوريا غير مصنف نزاعًا مسلحًا دوليًا، فإن المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات “جنيف” تراعي النزاعات المسلحة غير الدولية.
–