أيها المارّون.. المارقون
سعد معاذ
يعرّف الخوارج بأنهم أولئك الذين خرجوا على علي رضي الله عنه، بعد قبوله التحكيم مع مقاتلي معاوية بن أبي سفيان في موقعة صفين، ولهم ألقاب أخرى عرفوا بها كالحرورية والشراة والمارقة والمحكمة، وهم يرضون بهذه الألقاب كلها إلا «المارقة»، إذ ينكرون أن يكونوا «مارقين من الدين كما يمرق السهم من الرمية».
وعالج علي بن أبي طالب قضية الخوارج حينها بحكمة ومرونة ثم بحزم وحسم أيضًا، إذ حاول أولًا أن يقنعهم بخطئهم في تصوراتهم ومواقفهم، فناقشهم ووعظهم مع أصحابه كابن عباس وغيره وأقام عليهم الحجة، حتى رجع منهم الألوف وبقي الكثير، فتجهَّز لهم وقاتلهم يوم النهروان (سنة 659 للميلاد) لينتهي أمرهم.
بماذا يعتقدون؟
هذه خلاصة نشأتهم وما زال فكرهم موجودًا إلى يومنا، وعقيدتهم تكفير المسلمين بالذنوب أو بالمعاصي وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وقد أثاروا قضايا ليست ذنوبًا أصلًا في الدين الإسلامي فضلًا عن أن تكون كفرًا، وإنما هي من المسائل الاجتهادية.
كل من خالفهم في عدم تكفير صاحب الكبيرة يعتبرونه كافرًا حلال الدم والمال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم «يأتي في آخر الزمان قومٌ حدثاء الأسنان (صغار الأسنان) سفهاء الأحلام (لا يفهمون نصوص الوحي)، يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجرٌ لمن قتلهم يوم القيامة». (الحديث في صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب).
أمراء في السراديب
وظهرت هذه الفئة في عهد الدول الإسلامية المتعاقبة، منذ أن قرر بعض زعمائهم فكر تكفير المسلمين، فأفتوا المقاتلين بأن الناس كلهم ارتدوا عن الإسلام وأنه لم يبقَ عليه إلا هم، وأخذوا يفتون الشباب المسلم على أنه ليس بينهم وبين الجنة إلا أن يقتلوا فلانًا وعلانًا.
وبينما يفتي الزعماء القابعون في الدهاليز والكهوف، يتلقى المقاتلون الأوامر كالنعام الذي يدسّ رأسه في التراب.
القاعدة وتنظيم «الدولة»
ومن أكثر التنظيمات شبهًا بهؤلاء القاعدة وما يُعرف بتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). ويعتبر تنظيم القاعدة من أكثر التنظيمات الإسلامية إثارة للجدل ومخالفة لمبادئ الشريعة، سواءً من ناحية الفكر أو من زاوية التطبيق.
ويعطي الدكتور ناجح إبراهيم، أحد المؤسسين للجماعة الإسلامية المصرية، رأيًا حول أن القاعدة ابتدعت في الإسلام بدعًا لم تحدث من قبل مثل فتوى القتل بالجنسية أو القتل بالديانة أو تبني مسؤولية المواطن عن سياسة دولته، بل ومحاسبته على سياسة لم يصنعها ولم يشارك فيها، والحجة الباطلة التي استندوا إليها في ذلك هي أن «المواطن يدفع الضرائب للدولة».
فالقاعدة تكفر جميع حكام المسلمين بلا استثناء وكذلك جميع معاونيهم وأتباعهم، فضلًا عن تكفيرهم للشرطة والجيش وأجهزة الاستخبارات بأنواعها المختلفة في كل بلاد المسلمين، وكذلك تكفير أعضاء البرلمان والنيابة والقضاء.
استهداف المدنيين بالقتل
من أهم الأخطاء الشرعية التي وقعت فيها القاعدة ونفّرت منها معظم علماء ودعاة وعوام المسلمين هو تكرار استهدافها للمدنيين بالقتل. بل إن معظم عمليات القاعدة كانت تستهدف المدنيين ليس في بلاد غير المسلمين فحسب بل في بلاد المسلمين أيضًا، وهي مسؤولة عن تفجيرات الرياض والدار البيضاء والجزائر وتفجير عمان وتفجيرات باكستان المتعددة، فضلًا عن تفجيرات لندن ومدريد وبرجي التجارة العالمي. وقد استهدفت هذه العمليات المدنيين مباشرة وقتل خلالها مئات الرجال والنساء والشيوخ والأطفال.
وهذا من أكبر المحرمات في شريعة الإسلام حتى في حالة الحرب، «فسيوف المسلمين لا تضرب في الأرض خبط عشواء، ولكن لها ضوابط وأخلاق أيضًا»، كما قال مصطفى صادق الرافعي، والدليل على ذلك قوله تعالى «وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا».
فروقات بين القاعدة و«الدولة»
لا يخرج تنظيم «الدولة الإسلامية» عن منظومة ما يسمى «الجهاد العالمي»، وتظهر الجدالات الشفوية والمكتوبة بين تنظيم الدولة والقاعدة الاتفاق أكثر من الاختلاف، إنما نلحظ فروقات قد لا تكون كبيرة جدًا لأن جوهر فقه التنظيمين تكفيري يتسم بالعنف والقتل دون التحقق وإرهاب المجتمع والتعدي على حرمات البشر دون استثناء.
التجنيد في القاعدة يُخضع الفرد إلى اختبارات دينية وتدريبات عسكرية قاسية ويجب أن يكون ذو مكانة فكرية معتبرة؛ في حين يُكلف كل متعاطف سريع مع تنظيم الدولة وكل من بايع البغدادي مباشرة بالقتال أو عملية انتحارية.
الوحشية، إن جاز لنا أن نقارنها، قد تختلف ولكن ليس بشكل جذري، فعند القاعدة قتل وعمليات انتحارية واغتيالات أما عند الدولة فقطع روؤس وانحراف بلغ مداه، من تصوير للإعدامات وتنويع في طرقها وإجرامها وإدخال الأطفال في عمليات الإعدام وبثها.
وبالنسبة لفكرة الدولة المستقلة فلا نية للقاعدة لاحتلال أراض أو التمدد فيها، في حين أراد تنظيم الدولة التشبه بالدول بإنشاء مؤسسات صحية واقتصادية وتربوية وصك العملات.
آخر الفروقات بين التنظيمين تكمن في وسائل التواصل الاجتماعي، فالقاعدة استفادتها بسيطة تُختصر ببعض المنتديات وبعض النوافذ المحدودة، أما تنظيم الدولة فيُحسن استغلال ثورات المعلوماتية في شبكات التجنيد ونشر أعماله وفكره على نطاق واسع ممتد.
يدرك أغلب المسلمين أن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم ومن وراءهم، فعلى من يُؤخذ بكلامهم وشعاراتهم وفتاويهم ألا يقع في تصديقهم ومناصرتهم والتعاطف معهم، فالمؤمن يستفتي قلبه وعينيه وبصيرته ولو أفتاه الناس.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :