يومًا بعد آخر، تشطب أسرة عبد الهادي المقيمة في مدينة حلب أصنافًا غذائية جديدة من قائمة مشترياتها، بسبب ارتفاع أسعارها إلى مستويات غير طبيعية، وسط تردي الواقع الاقتصادي والمعيشي.
معاش عبد الهادي الذي يعمل موظفًا حكوميًا في حلب، لا يكفيه وأسرته “لثلاثة أيام”، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
هذا الأمر جعله مضطرًا إلى الاستغناء عن كثير من الوجبات والمواد الغذائية، فما يعد تأمينه سهلًا خارج سوريا، يصبح حلمًا لمحدودي الدخل داخلها.
مائدة خاوية.. الاتكال على المعونات
مائدة عبد الهادي اليوم تتألف من البرغل الأحمر أو الزعتر “بلا زيت” مع الشاي، هذا ما بمقدور معاش الوظيفة الحكومية تأمينه للعامل في الوقت الحالي.
وقابلت عنب بلدي عددًا من أهالي حلب، وأكدوا أن اعتمادهم الأساسي هذه الأيام بات على المساعدات الغذائية الموزعة، التي تنقطع لأيام في بعض الأحيان.
وأشار المواطنون إلى أنهم استغنوا عن شراء الزيوت والأجبان واللحوم بأنواعها، ويعتمدون وأسرهم على المؤونة المنزلية المخزنة من عام 2020.
وبحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا، يعيش 90% من السوريين في بلادهم تحت خط الفقر.
وفي حزيران 2020، كانت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إليزابيث بايرز، حذرت من أزمة غذاء غير مسبوقة في سوريا، بسبب تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
وقالت المسؤولة الأممية، إن تسعة ملايين و300 ألف شخص في سوريا يفتقرون إلى الغذاء الكافي، وأوضحت أن عدد من يفتقر للمواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع مليون و400 ألف خلال الأشهر الستة الأولى من 2020.
وجاءت هذه التحذيرات في وقت كانت قيمة الليرة السورية فيه تعادل 2300 مقابل الدولار الواحد، أي كانت أقوى بقرابة الضعف مما هي عليه اليوم.
جنون الأسعار يخمد ضجة الأسواق
يلاحظ منذر الذي يعمل تاجرًا للمواد الغذائية في مدينة حلب، انخفاضًا كبيرًا بعدد الزبائن في الحي الذي “يترزّق” منه، عازيًا الأمر إلى حالة الفقر وانعدام القدرة الشرائية لدى الموظفين وغيرهم.
هذه الحالة منعت منذر من البيع بالدَّين مع ما بقي من زبائنه، معللًا ذلك بارتفاع سعر السلع مؤخرًا ما يجعل السماح بالدَّين يسبب خسارة للتجار.
وسجلت أسعار المواد الأساسية في حلب ارتفاعًا كبيرًا، بفارق يتراوح بين 500 و4000 ليرة سورية قبل وبعد الغلاء.
تجاهل متعمد للتسعيرات الحكومية
في أيام الغلاء المتصاعد، يرفع التجار أسعار البضائع التي يشترونها حديثًا، بحسب ما أوضحه التاجر لعنب بلدي، مفسرًا ذلك بالقول “البضائع تحسب بسعر صرف الدولار، ولا نستطيع تخفيض الأسعار لأننا اشترينا بالسعر المرتفع”.
وتابع، “لا يمكننا الالتزام بالأسعار حتى ولو كانت صادرة عن حماية المستهلك، لأنها أسعار مؤقتة، وكل ساعة هناك مواد غذائية يرتفع سعرها مع ارتفاع سعر الصرف”، لافتًا إلى أن الارتفاع في الأسعار شمل حليب الأطفال والمكملات الغذائية خاصتهم، إذ “وصل إلى الضعفين”.
وبحسب موقع “الليرة اليوم” الذي يتابع حركة العملة السورية مقابل العملات الأجنبية، سجل سعر صرف الليرة السورية في دمشق مقابل الدولار الواحد اليوم، الاثنين 22 من آذار، 4370 ليرة سورية في دمشق، وفي محافظة حلب 4350 ليرة.
طعام الأثرياء
وفي 8 من آذار الحالي، قال رئيس “جمعية اللحامين في دمشق وريفها”، أدمون قطيش، إن 15% من محال بيع اللحوم أُغلقت لتراجع الطلب عليها، محذرًا من أن الثروة الحيوانية في سوريا “مهددة بالانقراض”.
وأوضح قطيش في لقاء مع إذاعة “شام إف إم” المحلية آنذاك، أن 40% هي نسبة شراء اللحوم بسبب الغلاء، وتقتصر على ميسوري الحال، عازيًا السبب الرئيس خلف ذلك إلى تهريب المواشي باتجاه “لبنان وشمالي سوريا”.
وقال، “تهريب الأغنام والعجول موجود ولم يتوقف، والنسبة الكبرى التي تهرّب منها حاليًا هي من الولادات الجديدة، ويمكن ألا يكون لهذا تأثير خلال الفترة الحالية، لكن هذا الأمر سيؤدي إلى خفض الإنتاج ونسبة التربية خلال السنة المقبلة”.
ورجح رئيس الجمعية ارتفاع أسعار اللحوم أكثر، معللًا ذلك بأن كيلو العلف المدعوم يبلغ 850 ليرة، بينما يصل إلى 1300 ليرة في السوق السوداء، وأضاف، “وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي تدعم الأعلاف بحوالي 50%، ولكن هذا غير كافٍ”.
تضخم وخوف
السبب الأساسي خلف تدهور سعر الصرف هو التضخم بوتيرة أكبر من البلدان الأخرى، الذي يجلب معه حالة نفسية سيئة لدى الناس تؤثر على حركة العملة.
وفي لقاء سابق، أوضح الباحث الاقتصادي كرم شعار، لعنب بلدي، أن ازدياد الفارق بين العملة المحلية والعملات الأجنبية، أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات وانخفاض القوة الشرائية في سوريا، وبالتالي أدى إلى تدهور سعر الصرف بشكل كبير.
وعندما طرحت حكومة النظام السوري فئة الـ5000 من العملة، زعمت أن هذه الخطوة سيتخللها “سحب العملات المكافئة المهترئة”.
لكن الباحث الاقتصادي قال حينها، “لنفرض أنه بالفعل حدث وسحبت الحكومة المكافئ، فبمجرد شعور الناس أن طباعة هذه الفئة هو بسبب تضخمي، سينعكس على سلوكها الشرائي”، مبينًا أن الناس يتصرفون بناء على قناعتهم وليس بناء على الواقع.
وكانت وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، صرحت لإذاعة “المدينة” المحلية، أن طرح عملة الـ5000 “لن يحمل أثرًا سلبيًا كبيرًا في حال ترافق مع سحب الأوراق النقدية القديمة التي فقدت قيمتها بشكل كبير، ولكن المشكلة تكمن في طرحها دون إيجاد حلول لمشكلة التضخم وتدهور القيمة الشرائية”.
–