“الفرق بسيط بين لحظة العثور على نبتة الكمأة، وبين التعثر بلغم، فعند رؤية المزارعين تربة حيوية ومختلفة اللون عن محيطها، فهناك احتمالان: إما الحصول على بضعة غرامات من فطر الكمأة، وإما مصادفة لغم أرضي، ولا يوجد سوى طريقة واحدة للتأكد من الاحتمالين السابقين، هي تحريك التراب”، بهذه العبارة يصف بسام (30 عامًا)، وهو مزارع من سكان البادية السورية، خبرته في جمع الكمأة.
وشهدت قرية السعن شرقي حماة اليوم، الثلاثاء 6 من نيسان، مقتل أحد المزارعين وفقدان نحو 70 آخرين، في يوم واحد بالقرب من مدينة سلمية.
وعلى الرغم من عدم تبني أي جهة خطف المزارعين أو إخفاءهم وقتل أحدهم بالقرب من قرية السعن شمالي شرق سلمية، اتهمت صفحة “سلمية مباشر” المحلية في موقع “فيس بوك” تنظيم “الدولة” الذي انسحب من المنطقة عام 2017 بخطفهم.
استمرار المزارعين باعتماد نبتة الكمأة كمصدر دخل صار يعتبر إحدى المهن الخطرة، التي من الممكن أن تكلّف المزارع حياته.
وتكررت حالات انفجار الألغام التي خلفتها المعارك بين قوات النظام وتنظيم “الدولة الإسلامية” في منطقة البادية، والتي أودت بحياة العشرات منذ بداية العام الحالي، وعمليات الخطف التي طالت “جامعي الكمأة”.
وكان آخر حوادث الألغام التي فتكت بأرواح جامعي الكمأة في البادية هو انفجار لغمين بسيارتين في منطقة وادي العزيب، في 7 من آذار الماضي، ما أسفر عن مقتل 18 مزارعًا كانوا متجهين إلى أعمالهم عبر مجموعتين، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
ونقلت شبكة “عين الفرات“، المهتمة بنشر أخبار المنطقة الشرقية من سوريا عن مراسلها في ريف حمص الشرقي، أنَّ قيادة كل من “الفرقة الرابعة” في “الجيش السوري”، و”الفيلق الخامس” المدعوم روسيًا، أبلغا الحواجز في تدمر والسخنة بضرورة ضبط إقبال الأهالي على جمع الكمأة ضمن أوقات تمتد من الثامنة صباحًا حتى الرابعة عصرًا.
ويشمل القرار، المعمم في منتصف شباط الماضي، مناطق خوينيكة، البديع، دلهوز، مليكة جنوبي تدمر، أبو الفوارس، عذية، العباسية، الصفاني، الفري، قصر الحير، الشريفي، بيوض، السكان في الريف الغربي.
ورغم محاولات قوات النظام ضبط وتنظيم عمليات جمع الكمأة، لم ينخفض إقبال المزارعين رغم مخاطر انتشار الألغام، والوعيد الذي أصدرته قوات النظام لجامعي الكمأة في غير الأوقات المعلَن عنها.
رغم المخاطر.. لماذا الكمأة بالتحديد
المزارع بسام، الذي قابلته عنب بلدي، وتحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، قال إن فطر الكمأة هو أحد النباتات المرتفعة السعر في سوريا، وتتفاوت أسعار هذا الفطر مع اختلاف التصنيفات التي يطلقها السوريون عليه.
فمثلًا، يعتبر أغلى أنواع الكمأة ما يسمى بـ”الزبيدي”، الذي يصل سعره إلى 85 ألف ليرة سورية للكيلوغرام الواحد (نحو 23 دولارًا)، بينما تعتبر الكمأة الحمراء أرخصها، والتي يبلغ سعر الكيلو منها قرابة الـ25 ألف ليرة (سبعة دولارات).
وترجع أسباب ارتفاع سعر فطر الكمأة إلى عدم إمكانية زراعته بالطرق التقليدية، إذ ينمو هذا النوع من الفطر بعد الأمطار في المناطق الصحراوية.
وعادة، يبدأ موسم جمع الكمأة في سوريا في منتصف آذار، لكن مع غزارة الأمطار، جاء هذا الموسم مبكرًا.
ومع أن وزن حبة الكمأة العادية يتراوح بين 30 و300 غرام، سجلت هذا الموسم أوزانًا أكبر، وصلت في بعض المحافظات إلى كيلوغرام واحد، بحسب المزارع بسام.
ويلاحق المزارعون فطر الكمأة على وجه الخصوص كونه الأسرع ربحًا، وخاصة المزارعين الذين كانوا يعملون في القطاف أو الزراعة، وتوقفت أعمالهم خلال السنوات الأخيرة التي شهدت فيها البادية معارك بين تنظيم “الدولة” وقوات النظام.
بالإضافة إلى عدم وجود بديل أو عمل آخر لهؤلاء المزارعين كمصدر رزق ثابت، في بلد يعيش 90% من سكانه تحت خط الفقر بحسب “الأمم المتحدة“.
محمد، مزارع من سكان قرية عقارب شرقي محافظة حماة، قال لعنب بلدي، إن الكمأة تشهد ارتفاعًا بأسعارها خلال بداية موسم القطاف، لكنها تشهد انخفاضًا حادًا في الأسعار بعد مرور عدة أسابيع على توفرها في الأسواق.
وبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الكمأة في محافظة حماة مع بداية موسمها في نهاية شباط الماضي أكثر من 100 ألف ليرة سورية (27 دولارًا)، بينما يبلغ سعر الكيلو الواحد حاليًا 35 ألفًا (عشرة دولارات) لأفضل أنواع الكمأة.
ولا تزال أعمال البحث عن الكمأة مستمرة على شكل مجموعات من المزارعين الذين ينتشرون في المناطق الصحراوية بحثًا عنها.
وقال المزارع محمد، إن متابعة العمل بهذا المجال يعتبر بمثابة “انتحار” بالنسبة له، ولذلك لم يعمل هذا العام ببيع الكمأة، مع أنه يعمل بهذا المجال منذ أكثر من عشر سنوات دون انقطاع.
أضرار تضرب قطاع الزراعة
وقال وزير الزراعة الأسبق في حكومة النظام، أحمد القادري، خلال لقاء مع وكالة “سبوتنيك“، إن “القطاع الزراعي من أهم القطاعات المتضررة”.
وبلغت قيمة الأضرار في الفترة بين 2011 و2016 قرابة 16 مليار دولار، بحسب الوزير، دون حساب الأضرار التي لحقت بمشاريع الري الحكومية وقنوات الإنتاج في قطاعات التجارة الخارجية والتصنيع الزراعي.
وأرجع القادري الأسباب التي أدت إلى هذه الأضرار بشكل رئيس إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، والتي أدت إلى تراجع حجم الصادرات، بحسب قوله، كما أكد أن العقوبات أثرت بشكل سلبي على استيراد مستلزمات الإنتاج الزراعي، ما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعارها، بحسب “سبوتنيك”.
وأصدرت منظمة الأمم المتحدة تقريرًا، في تموز 2019، قالت فيه إن مخلفات الحرب والألغام في سوريا تهدد حياة عشرة ملايين سوري.
وأشارت المنظمة إلى أن جهود إزالة الألغام لا تزال قليلة، ودعت أطراف النزاع السوري إلى السماح للمختصين الدوليين بإزالة مخلفات الحرب والقيام بأنشطة توعوية لمخاطر الألغام، وضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني.
–