داعش والأسد، والنظام الدولي
حذام زهور عدي
لن أدخل في جدال حول من أوجد داعش، ومن سمح لها بالتمدد، فتلك أمور قد تُرى احتمالًا، مع أن كثيرًا من الدلائل تجعل الانتقال من الشك إلى شبه اليقين مقبولًا، فالإجابة على سؤال من يستفيد من داعش؟ كفيلة بأن تشير بالأصابع لمن خلْف داعش ومن أمامها وعلى جوانبها، والأهم من صمت طويلًا عنها وجاء الآن ليملأ الدنيا صراخًا، من أجل هذا الفايروس الذي يهدد الإنسانية بجائحةٍ بشرية لا تُبقي ولا تذر.
فقط أريد أن أقارن بين أفعال داعش وأفعال النظام الأسدي، ليصبح السؤال مشروعًا: لماذا صمت العالم ومازال يُمعن في الصمت عن أفعاله، وتضج الدنيا بمثيلتها الأخرى؟ إنه توضيح وليس تبريرًا، فالتوحش لا يحتاج لتبرير بقدر ما يحتاج أصحابه لنزع أثواب الزيف عنهم.
أوائل ثمانينيات القرن الماضي قام شباب (حوالي 150) بتمردٍ مسلح على نظام الأسد الأب بمدينة حماة، أطلقوا على أنفسهم اسم «الطليعة الإسلامية المقاتلة»، فماذا كانت ردود فعله عليها؟ سأذكر بعض ما حدث للمقارنة فقط؛
جمع الجيش السوري النظامي (سواء من سرايا الدفاع أو القوات الخاصة أو من الفرق الأخرى) شبابًا ورجالًا نزعهم من أسرهم، حيث كانوا ينامون مع زوجاتهم، مدنيين مسالمين لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالتمرد، وساقهم أمام زوجاتهم وأولادهم وأخوتهم. لمَّهم عشوائيًا من حي الدباغة، ابن رشد، ثم وضعهم في منشرة خشب وأغلق باب المنشرة عليهم، ثم أشعل النيران فيها وأحرقهم أحياء، وكان عددهم أكبر بعشرات المرات ممن أحرقتهم داعش.
لم يتحدث إعلامي غربي أو شرقي عن تلك الحادثة، وكان عذرهم أنهم لا يعرفون شيئًا، لكن مرور سنواتٍ من الزمن أظهر أنهم كانوا يعرفون من خلال أقمارهم الصناعية كل شيء.
في تلك الفترة أيضًا، وفي مدينة حماة، دَمر الجيش النظامي حي الكيلانية براجمات الصواريخ وقذائف الطائرات والمدافع، والجريمة ليس فقط أنه دُمر فوق رأس ساكنيه وإنما هي تدمير الحي نفسه، فالأهمية التاريخية والأثرية له لا تقل عن معبد «بل» التدمري، وهو مسجل باليونسكو على أنه من الآثار العالمية، ثم سُوي أرضًا وشادوا فوقه فندقًا طمر تحته آثار خمس حضارات تاريخية، ولم تنفع توسلات اليونسكو بالإبقاء على تلك الحضارات.
هذا إذا غضضنا النظر عن الإعدامات الميدانية رشًا بالرصاص وعن مجازر سجن تدمر وعن القتل المتعمد للنخبة المثقفة (الأطباء منهم خاصة)، ومن ينسى ما فعلته شبيحتهم بالدكتور الشيشكلي طبيب العيون، عندما اختطفوه ثم قلعوا عينيه وقتلوه بعد أن مارسوا أنواع التعذيب عليه، أو عندما أحرقوا منزل عمه خضر الشيشكلي، أحد زعماء الكتلة الوطنية التي قادت التحرك ضد الاحتلال الفرنسي وجلبت الاستقلال لسوريا، وكان في المنزل مكتبة تحوي، غير الكتب الثمينة، وثائق هامة عن الكتلة نفسها، احترقت هي الأخرى.
أما تدمير الكنائس والمساجد، فحدث ولا حرج. فمن لغَّم ونسف مساجد حماة جميعها وكنائسها ثم نهب ما فيها من ثريات الكريستال والأيقونات واللوحات التاريخية والكتب الأثرية غير جيش النظام الأسدي! من نسف الجامع الكبير بالمدينة الذي كان معبدًا وثنيًا ثم كنيسًا ثم كنيسة مسيحية إلى أن أصبح من أقدم مساجد المسلمين! وما الفارق بين نهب وتحطيم داعش لكنيسة في الرقة أو القريتين وبين تحطيم ونهب الجيش الأسدي لأقدم كنيسة في الشرق كله كانت في حماة؟
وإذا كانت تلك الأمور قد حدثت أيام الأب، فما حدث أيام الابن لا يقل وحشية، وبخاصة أثناء سنوات الثورة، إن لم يفُقه. فمن لا يذكر مذبحة الحولة التي نحر فيها الشبيحة المتآمرون مع وحدات الجيش المرابطة هناك، أطفال ونساء ورجال الحولة بالسكاكين وهم في منازلهم نائمون، ومذبحة القبير التي لم يبق من أهلها سوى اثنين كانا صدفة خارج القرية! هل هناك فارق بين هذا الذبح النظامي وذاك الداعشي؟ هل موت ألوف الشباب تحت التعذيب أكثر رحمة من موتهم شنقًا على يد داعش؟ وما الفارق بين تدمير سوق حلب الأثري، والجامع الكبير الأموي في حلب والمسجد العمري في درعا وقتل الناس داخله وتمزيق كتبه وهدم جامع خالد بن الوليد في حمص ونبش قبره وقبر ابنه عبد الرحمن ونسف مساجد دير الزور وبين أفاعيل داعش! ما الفارق بين نهب متحف حماة وقصر العظم فيها والقبة الذهبية لقاعته الرئيسة وبين نهب داعش لآثار تدمر؟
بل ما بين سبايا داعش وما يقوم به أفرادها من اغتصاب النساء وبيعهن، وبين آلاف الاغتصابات الجماعية للمعتقلات اليوم في السجون الرسمية لآل الأسد وغير الرسمية، وبيع من خطفهن حزب الله في ساحة مدينة صيدا اللبنانية -وهن الحرَات-، ومن ألجأهم النظام المتوحش إلى بيع أولادهم من شدة الفقر وتعثر الحياة؟ ثم تأتي أجهزة إعلام الدولة التي عليها حمايتهم فتعرض فيديوهات بيعهن بالمزاد العلني شماتة ونكاية بمن طلب الكرامة والحرية.
ما الفارق بين أن يُجبر النظام الأسدي الناس على الخروج بعد كل مجزرة بمسيرات رافعين فيها صور الأسد وبين أن تُجبر داعش أهل الرقة أن يفعلوا ذلك رافعين راياتهم السوداء؟ ما الفارق بين طائفية النظام الأسدي وبين طائفية داعش سوى أن الأولى تتمثل في جميع مفاصل الدولة والمجتمع والثانية مجموعة مارقة خارجة عن القانون؟
من قال إن قتل الناس بإسقاط البراميل المتفجرة العشوائية والصواريخ الفراغية وبالأسلحة الكيماوية تحت لافتة العلمانية لا يعادل وحشية داعش، تحت لافتة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وتحويل العالم أجمع إلى معادين للإسلام! هل التوحش والإرهاب بيد دولة تعترف الأمم المتحدة بها، ولاتزال حائرة بين أن تعطي الشرعية لرئيسها وبين أن تمنعها عنه، يختلف عن التوحش بيد فئة مارقة يستنفر العالم كله شرقًا وغربًا لمقاتلتها ولا تخضع للقانون الدولي؟ هل ستقاتل الجحافل الروسية اليوم القادمة إلى سوريا إرهاب دولة الأسد أم تحميه من أجل محاربة إرهاب داعش؟
بالطبع إن المقارنة هنا ليست لتبرئة داعش ولكن لإدانة ما يُسمى «المجتمع الدولي»، الذي لا يتحرك إلا بعد أن تُحركه وسائل إعلام تُسيطر عليها شركات تجارية تبيع وتشتري بحقوق الشعوب والبشرية، وفق الثمن المدفوع ووفق مصالح من تمثله، ومن أجل توضيح أن النظام الأسدي هو المجرم الأكبر، وهو المعلم، وداعش ليست إلا أحد تلامذته، والشعوب بين هؤلاء وأولئك تفقد وضعها الإنساني وتتحول إلى قطعان تغني وهي في طريقها إلى الذبح، لتكون طعامًا يزيّن موائد أصحاب القرار.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :