الأسد بين حزب الله وموسكو
مواقف الأمين العام لحزب الله من تشكيل الحكومة ، ومن عون والحريري ، التي أعلنها في كلمته الخميس المنصرم ، لا تتفق مع المواقف الروسية المعلنة بشأن هذه المسائل . وعلى الرغم من أن الدعوة الروسية لزيارة وفد من الحزب الى موسكو، قد تم توجيهها في شباط/فبراير المنصرم ، من المشكوك فيه أن كانت لتتم لو كانت مقتصرة فقط على بحث الأزمة اللبنانية في ظل إختلاف المواقف هذا ، بل لا بد أن الوضع السوري وفي المنطقة ككل ، كان الدافع الرئيسي للزيارة . وكما في الزيارة الأولى لوفد من حزب الله إلى موسكو العام 2011 “لفها الكتمان ، حسب BBC يومها ، بقيت طي الكتمان من قبل الطرفين تفاصيل الموضوعات ، التي تناولتها المحادثات ، وتُركت للتخمينات الإعلامية والشائعات حولها. لكن المواقع الإعلامية الروسية القليلة ، التي علقت على الزيارة ، والخبراء الروس ، الذين تناولوها ، يجمعون على أن الأزمة السورية الأم في المنطقة خلال السنوات العشر الماضية ، كانت محور الزيارة ، وأن وفد الحزب إهتم بمعرفة مدى إستعداد روسيا للمضي في دعم الأسد.
صحيفة “NG” الروسية نشرت نصاً حول الزيارة في 15 من الجاري بعنوان ” حزب الله “يسأل موسكو عن مصير الأسد” ، وعنوان ثانوي “وفد حزب الله وصل إلى عاصمة روسيا بعد فاصل زمني طويل”. قالت الصحيفة ، بأن وفد منظمة حزب الله العسكرية السياسية برئاسة النائب محمد رعد ، قام بزيارة موسكو في السنوية العاشرة للأزمة السورية . وعلى الرغم من أن أحد الأهداف المعلنة للزيارة كان مناقشة المأزق السياسي اللبناني ، إلا أن الخبراء يعتقدون ، أنه كان من المهم للغاية لممثلي حزب الله سؤال موسكو ، ما إن كانت قد طرأت تغيرات على موقفها من الرئيس السوري بشار الأسد.
وتنقل عن وكالة مهر الإيرانية قولها ، بأنها قامت عشية زيارة الوفد بالتحدث إلى بعض الساسة اللبنانيين ، الذين أكدوا ، أن وفد حزب الله مهتم بالموضوعات التي جرى تناولها في اللقاء ، الذي تم في الإمارات العربية المتحدة بين لافروف والحريري.
ومن اللافت ، حسب الصحيفة ، أن زيارة وفد حزب الله قد تزامنت تقريباً مع زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي ، الذي وصل الى موسكو في 17 من الجاري بمناسبة السنوية 30 لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وإسرائيل. ونقلت الصحيفة عن الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها، بأن أشكنازي يبحث في موسكو العلاقات الإقتصادية الإسرائيلية الروسية ( قطعها الإتحاد السوفياتي في حزيران/يونيو العام 1967 ، واستعادتها روسيا العام 1991).
لكن الزيارة لا شك بأنها لم تتمحور حول المفاوضات الإقتصادية، بل تأتي في سياق الجهود الدبلوماسية الروسية مع الأطراف الإقليميين المعنيين بالأزمة السورية والنزاع الإيراني الخليجي، والتي بدأت مع زيارة وزير الخارجية السعودي إلى موسكو في كانون الثاني/يناير المنصرم ، وتبعتها بعد أيام زيارة وزير الخارجية الإيراني ، وتكثفت مع جولة لافروف الخليجية وزيارة وفد حزب الله ، ومن ثم أشكنازي.
ينقل الكاتب عن الباحث في معهد واشنطن للشرق الأوسط “MEI” وخبير المجلس الروسي للعلاقات الدولة أنطون مرداسوف ، قوله ، بأن المحادثات مع حزب الله ضرورية لروسيا في الوضع المأزوم الناشئ ، كما كان في الأعوام 2011 ــــــــ2012 ، حين لم تكن روسيا واثقة من مستقبل بشار الأسد . بعد فشل الجولة الأخيرة لمنصة أستانة وإستحالة تصوير اللجنة الدستورية كهيكل إصلاحي جدي ، تبدو زيارة وفد حزب الله ، وكذلك تنشيط منصة “روسيا ، تركيا ، قطر” ، بأنها ليست صدفة . والملف السوري بحاجة إلى “التدقيق والحسم على خلفية الإنتخابات الرئاسية القادمة والحملة الإعلامية حول “إحياء الجنرال طلاس” ، قال مرداسوف في إشارة منه إلى النقاش بشأن ضرورة تشكيل مجلس عسكري في سوريا . وقال، بأن هذه الزيارة تذكره بسابقتها في العام 2011 ، حين جاء وفد حزب الله إلى موسكو (برئاسة محمد رعد أيضاً) ، وكان جلياً ، أنه مهتم بالدرجة الأولى بموقف روسيا من الأسد.
مدير قسم الأبحاث في مركز “حوار الحضارات” ألكسي مالاشنكو، قال في إتصال هاتفي ل”المدن” معه ، بأنه من الطبيعي ، أن يزور حزب الله موسكو لتبادل الآراء ، وهذه ليست المرة الأولى ، بل يتم تبادل الآراء بشكل مستمر بين الطرفين ، وهذا أمر جيد . من حيث الشكل ، الوضع في لبنان كان الدافع للزيارة ، لكن في الواقع ، تناولت المفاوضات ما سيكون عليه موقف روسيا من مصير الأسد ، وما إن كانت ستواصل دعمه. وقال ، بأنه من الطبيعي أن يُطرح هذا الأمر في المحادثات بين الطرفين ، فهما يتعاونان في سوريا ، ومواقع حزب الله موجودة في سوريا ، وهو ما يقلق إسرائيل المستاءة جداً من المفاوضات . وتساءل عما ستكون عليه ردة فعل حزب الله ، إذا ما انفجر الوضع في لبنان ، وهذا متوقع ، وكيف سيكون موقفه من ذلك ومن الكثير من المشاكل ، التي لم تجد حلولاً لها حتى الآن.
صحيفة “Novaia” الليبرالية المعارضة قالت في نص حول الزيارة عنونته بالقول “هل سيتحملون المسؤولية عن سوق الشرق” ، وعنوان ثانوي “حزب الله الشيعي يقبل دعوة موسكو” ، قالت فيه ، بأن حزب الله قبل الدعوة بكل سرور ، إذ حلت بالنسبة له أوقات عصيبة” ، “وليس دون مساهمة روسيا” في هذه الأوقات.
وقالت ، بأنه من الواضح ، أن الزيارة التي تستمر 4 أيام ، سوف تُكرس لمناقشة الوضع الناشئ في سوريا . روسيا “تعبت بشكل ملحوظ” من الحرب السورية، وكان ممثلوها في لقاء منصة أستانة الأخير في سوتشي الشهر المنصرم ، يكررون كالتعويذة القول بوقف الحرب في سوريا وبدء عملية التسوية السياسية السلمية . والخطة المقترحة من روسيا لهذه التسوية ، لا تنال رضى إيران وحزب الله ، فالمصالح الإيرانية في سوريا أصبحت مهددة منذ أن دخلت روسيا بقواتها العسكرية في سوريا. من وجهة نظر تكتيكية، تدعم روسيا وإيران وحزب الله نظام الأسد ، لكن أهدافهم الإستراتيجية تفترق في ما بينها.
تسترسل الصحيفة في وصف”الظروف العصيبة” ، التي يمر بها حزب الله ، خاصة بعد تفجير مرفأ بيروت الصيف الماضي وما يتعرض له من ضغوط داخلية إثر التفجير ، وازدياد منتقديه وتحميله الجزء الأساسي من المسؤولية عن إنهيار الوضع الإقتصادي والمالي والمعيشي في لبنان ، مضافاً إليها ضغوط الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً ، التي يعتبرها معظمها منظمة إرهابية . وتعتبر الصحيفة ، أن حزب الله ، وفي ظل كل هذه الظروف مجتمعة مع تزايد حدة التوتر الكلامي بين إيران والولايات المتحدة ، في التمهيد للمفاوضات المقبلة بينهما بشأن إتفاقية الصفقة النووية ، يجد نفسه مجبراً على أن “يحني راسه ويصغي إلى الإشارات الدبلوماسية ، التي ترسلها روسيا”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :