أحمد الشامي
يعتبر البعض أن «داعش» هي القوة «السنية» اﻷقدر على مواجهة أعداء السنة الكثر، ويصلون إلى استنتاج أن «داعش» هي الضمان لمستقبل السنة في المنطقة. بحسب رأي هؤلاء، على القوى السنية الاصطفاف إلى جانب»داعش» هذا إن لم تبايع «البغدادي»!
هذا الخطاب يعتبر، ضمنًا، أن كتائب اﻹسلام الجهادي كلها هي، في التقييم اﻷخير، «داعشية» الهوى فكلهم يريد «دولة تحكم بالشرع على منهاج النبوة..» وكلهم يعتبرون الديمقراطية «كفرًا بواحًا» ويريدون تطبيق الحدود وإقامة «حكم الله» وفرض طريقة تفكيرهم ولباسهم على الجميع فما الفرق بينهم وبين «داعش»؟
بالفعل، تختلف فصائل اﻹسلام الجهادي في التفاصيل وتتفق في المنهاج العام، في رفض الدولة الحديثة لكل مواطنيها وفي اعتبار الآخر «ذميًا» أو «جاهلًا» أو «مرتدًا». كلهم ينهلون من ذات المنبع السلفي وكلهم يستقي من فكر «ابن تيمية» و»محمد بن عبد الوهاب» بشكل أو بآخر. حتى «جيش اﻹسلام» من الممكن تصنيفه في هذه الخانة.
لا يبدو أن أيًا من منظري الإسلام الجهادي قد اطلع على الفلسفة أو الفكر المعاصر، فهذا «كفر وزندقة» ولاهم أضاعوا وقتهم في قراءة كتب «ابن رشد» الذي بنى الغرب حضارته على أساسها، فالرجل، أعني «ابن رشد» هو «كافر» لمجرد أنه أطلق العنان لفكره الحر والمستنير.
على الضفة اﻷخرى، بالنسبة للغرب، لا يوجد «إسلام جهادي» جيد وآخر سيئ، فكلهم في نظر الغرب «دواعش» رغم الفروق الشاسعة ما بين القاعدة التي أدمت «أمريكا» و»البغدادي» الذي «يكف شرّه» عن الغرب وإيران ويحصر اهتمامه بالسنة «المرتدين». أيضًا، لا مجال للمقارنة بين «أحرار الشام» التي تقاتل النظام وإيران وتكف يدها عن السوريين المسالمين و»داعش» التي تتلقى الدعم غير المباشر من النظام وإيران.
نظرة الغرب هذه ليست فقط مشكلة تواصل إعلامي بل تندرج ضمن استراتيجية بعيدة المدى.
الحقيقة أن هناك رغبة مشتركة بين أقطاب «النظام الدولي» ونظام العصابة وحلفائه وحتى أعدائه في اختصار المظلومية السنية عمومًا والمعارضة السورية خصوصًا بـ»داعش» وتضخيمها بحيث يتم تجاهل المشكلة اﻷساس وهي الغياب التام للإسلام السني في النظام العالمي المعاصر.
«داعش» من جهتها لها كل المصلحة في التظاهر بحمل راية «الدفاع عن السنة» وفي التنطع لمقارعة الغرب، لكن عبر قتل «السنة المرتدين…». هكذا نفهم كيف يتحالف العالم أجمع ضد «داعش» ومع ذلك تتمدد هذه اﻷخيرة بما ينافي كل قواعد المنطق.
لو لم تكن «داعش» موجودة لوجب على أعداء السنة اختراعها، فهذه العصابة متعددة الوظائف قدمت خدمات لاتحصى للجميع، باستثناء السنة والسوريين منهم خاصة، «فداعش» أعادت تأهيل نظام اﻷسد وأتت لتبرر دخول الغرب لصالح اﻷسد.
لنتذكر أن اﻷمريكي أتى بحجة «داعش» ولكنه تحرك أساسًا لدعم الجيب الانفصالي الكردي في الشمال السوري! التركي، أيضًا، دخل المعمعة بحجة «محاربة داعش» ولكنه بدأ بمهاجمة الحزب الكردستاني في ذات الجيب المحمي أمريكيًا!
حتى «بوتين» وجد ضالته في محاربة «داعش»، واستعمل هذه اﻷخيرة كمبرر ﻹنزال قواته في الجزء المفيد له من سوريا. بكلمة أخرى «بوتين» أرسل جنوده لمحاربة «داعش»، حيث لا وجود لهذه العصابة، في الساحل السوري! وها هو موقع «ديبكا فايل» يؤكد أن أول معارك جيش الاحتلال الروسي كانت يوم عيد اﻷضحى في كويرس، ضد «جبهة النصرة» وضد الفصائل الشيشانية، بعيدًا عن «داعش» المدللة، التي «تبقى وتتمدد» كلما ازداد «أعداؤها» الذين لا يرمونها ولو بوردة، مثلها مثل نظام اﻷسد «المقاوم».
بالنتيجة، من يريد مقاتلة «داعش» فليتفضل ويقاتلها «ويرينا شطارته» لكن ليس على حسابنا، فليس من واجب السوريين الاصطفاف مع «داعش» ولا مواجهتها، في حرب بالوكالة…هذه ليست حربنا.