عنب بلدي – نور الدين رمضان
بينما كان السوريون في بعض المدن، منذ بداية آذار الحالي، يحضّرون لإحياء الذكرى العاشرة للثورة السورية، كان المجتمع الدولي، خاصة الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، يتوعد النظام السوري بالعقوبات والمحاسبة، ما يعكس فشل رسائل محسوبين على النظام في تخفيف العقوبات الاقتصادية.
حرب رسائل
خلال الأسابيع الماضية، أرسل موالون للنظام رسائل إلى جهات دولية، تحثها على تخفيف العقوبات عن النظام السوري لتخفيف آثار جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) الاقتصادية.
بينما أرسل معارضون رسائل متعلقة توضح أن العقوبات سببها النظام، وتطلب تشديدها لإجباره على الخضوع للحل السياسي، مؤكدين أن النظام لا يوصل كل المساعدات التي تصله إلى السوريين ليزيد عدد الجياع.
– رسالة من “لجنة متابعة مؤتمر المسيحيين العرب”، في 10 من كانون الثاني، إلى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والفرنسي، إيمانويل ماكرون، تطالب بزيادة العقوبات وتتحدث عن أنه لا يمكن تخفيفها عن النظام الذي ارتكب جرائم حرب موثقة.
– الرسالة جاءت ردًا على الرسائل الموجهة إلى الرئيسين الفرنسي والأميريكي، والمطالبة برفع العقوبات عن النظام السوري.
– رسالة إلى بابا الفاتيكان من سوريين مغتربين موالين للنظام، في 18 من آذار الحالي، يطالبون برفع العقوبات.
– رسالة وجهتها شخصيات سياسية وأكاديمية سورية إلى الحكومة البريطانية ووزير خارجيتها، دومينيك راب، في 26 من كانون الأول 2020، للإسراع باتخاذ إجراءات مماثلة بشأن إقرار عقوبات على أسماء الأخرس زوجة رئيس النظام السوري، ووالديها وأخويها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، على اعتبار أنهم يحملون الجنسية البريطانية.
الموقف الغربي ثابت
اصطدمت الرسائل التي تدعو إلى تخفيف العقوبات، بثبات الموقف الغربي من النظام السوري، عبر تأكيدها والتوعد بالمحاسبة، وعدم الاعتراف بالانتخابات المتوقع إجراؤها في أيار المقبل.
في 15 من آذار الحالي، فرضت بريطانيا عقوبات على ستة أشخاص من الدائرة المقربة لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، في الذكرى العاشرة لانطلاقة الثورة السورية.
وتشمل العقوبات دائرة مقربة من الأسد، تضم وزير الخارجية، فيصل المقداد، ومستشارة الرئيس، لونا الشبل، ورجل الأعمال محمد براء القاطرجي، والممول يسار إبراهيم، وآخرين.
جاءت العقوبات بعد يومين من فتح السلطات في بريطانيا تحقيقًا أوليًا بشأن أسماء الأسد، بعد حصولها على أدلة تشير إلى نفوذ السيدة الأولى في سوريا بين أفراد الطبقة الحاكمة، ودعمها القوي لقوات النظام السوري.
الاتحاد الأوروبي أيضًا، وفي بيان في 14 من آذار الحالي، اتهم النظام بالتسبب بمعاناة إنسانية كبيرة، وشدد على ضرورة المحاسبة على تلك الجرائم كشرط قانوني في تحقيق السلام، وجدد موقفه من أن العقوبات المفروضة على النظام وكياناته ستستمر وتتجدد في أيار المقبل.
المعارض والإعلامي السوري أيمن عبد النور، قال لعنب بلدي، إن النظام وداعميه في الخارج لم يتوقفوا عن سعيهم لتخفيف العقوبات عبر بيانات ورسائل استخدموا فيها الأقليات، لكنها فشلت لأن السوريين يعلمون من يحاصرهم، ويسرق مساعداتهم، حتى في مناطق سيطرة النظام السوري.
وأضاف عبد النور، تعليقًا على رسائل المجتمع الدولي إلى النظام، أن الموقف الدولي أصبح أكثر تشددًا، لأنه صار يدرك أن النظام السوري يعرقل خطوات الحل السياسي، وآخرها اللجنة الدستورية، فضلًا عن وجود أدلة واضحة على استخدام أسلحة كيماوية.
عض أصابع
الباحث السياسي ماجد العلوش
العقوبات كسياسات عامة تعبّر من جهة عن عجز أوروبي عن فعل مباشر على الأرض خارج الإرادة الأمريكية، ومن جهة أخرى عن مخاوف أوروبية من استمرار الكارثة السورية، وما تحمله من مشكلات أمنية على أوروبا.
في الواقع، تأتي العقوبات في سياق السعي الأمريكي- الأوروبي لزيادة الضغط على موسكو، لإجبارها على تغيير أساليبها في التعامل مع الكارثة السورية، وقبولها حلًا يتضمن حدًا من رضا عموم السوريين وليس حلًا بمواصفات روسية.
وتستغل هذه الدول الهلع الروسي الناجم عن تسارع الانهيار الاقتصادي في مناطق سيطرة النظام السوري، وما يحمله من خطر بانفلات في الأوضاع صار متوقعًا وجديًا، يطيح بكل ما حققته روسيا حتى الآن.
هذا الهلع الذي تبدى في محاولة إنشاء مسار جديد أحد أركانه طرف قادر على تقديم دعم مالي يُوقِف الانهيار المتسارع، والجولة الخليجية الأخيرة والفاشلة للسيد لافروف، وتصريحه الأخير اللافت للنظر حيث قال، إن روسيا مستعدة للعمل على أي صيغة للحل السياسي في سوريا تحترم القرار “2254”، الذي صار عزيزًا على الروس وصاروا فجأة حريصين عليه بعدما قضوا سنوات يخترعون سياسات ومسارات هدفها الالتفاف عليه وإفراغه.
الجديد في الموقف الغربي عمومًا ليس العقوبات، بل التلميحات إلى عدم الاعتراف بشرعية الانتخابات التي تنوي روسيا إجراءها في مناطق سيطرة النظام بداية الصيف المقبل، والتي تحمل خطر سحب الاعتراف الغربي من جانب واحد بقانونية تمثيل النظام لسوريا سياسيًا، وبالتالي تحولها إلى مجرد طرف في الصراع يتساوى مع بقية الأطراف في القيمة السياسية، ما يهدد الاتفاقيات الموقعة بين روسيا والنظام، ويسلبها الطابع القانوني الذي تتمتع به حتى الآن، ويحرم النظام من أموال ضرائب تقديم خدمات الوثائق وجوازات للسوريين المنتشرين في أوروبا، وهي المصدر الأساس لموارد خزينة النظام منذ فترة.
تمديد العقوبات الأوروبية المفروضة على النظام، والتلميح إلى سحب الشرعية، رسائل واضحة للروس تكشف أن استخدام المدنيين دريئة لتحقيق الأغراض السياسية لن يؤتي ثمره، وربما كان هذا تصورًا قائمًا عند الروس والنظام، بأن الوصول إلى حد المجاعة سيجبر الأوروبيين على تقديم مزيد من الدعم الإغاثي لأسباب إنسانية فقط.
لكن من جهة الأوروبيين، يمكن تطوير هذا التطور، في سياق الموقف الجديد للإدارة الأمريكية المتوتر مع روسيا والأقرب للموقف الأوروبي الذي يضغط على واشنطن منذ أيام أوباما وترامب، للعمل على إيجاد حل للمأساة السورية، ولجم “عنتريات بوتين” في سوريا ومناطق أخرى.
إنها لعبة عض أصابع بين الأطراف المتدخلة في القضية السورية والحالمة بتحويل سوريا إما إلى دائرة نفوذ، وإما إلى منصة انطلاق يدفع عموم السوريين ثمنها من وجودهم الاجتماعي والوطني.