«نتمنى كثيرًا لو لم يكن لدينا أبناء، حتى لا نشاهد معاناتهم»
هكذا يعيش السوريون في الداخل السوري
أسامة عبد الرحيم – ريف دمشق
يمر سوريو الداخل بظروف بالغة بالسوء، خصوصًا أولئك الذين يقبعون في مناطق الحرب والنزاع أو في بعض المناطق الآمنة التابعة للنظام أو المعارضة، لاسيما مع نهاية العام الرابع للثورة السورية، التي انطلقت في منتصف اذار من العام 2011.
السوريون تعرضوا لبطش نظام لم يرد لشعبه أن يخرج عن سلطته، أو يطالب بتغيير في سياساته الأمنية تجاههم، فكان الثمن أن هجروا من مدنهم واعتقل أبناؤهم ودمرت بيوتهم.
تشير بعض الدراسات إلى أن هناك ما يقارب 6 ملايين سوري تركوا منازلهم ونزحوا إلى مناطق أكثر أمنًا في الداخل السوري، تاركين وراءهم عقاراتهم وأمتعتهم وأموالهم، هائمين على وجهوهم بحثًا عن مكان آمن يحتمون به من نيران الجيش وبراميله، ليتحولوا من أرباب عمل وأصحاب مصالح في مدنهم وبلداتهم إلى عمال بأجر يومي، يتعرضون لأشكال من الإذلال والابتزاز.
يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، بحسب تقرير نشرته الإسكوا عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، في الأمم المتحدة مع بداية العام 2015. ويشير التقرير إلى أن الكثير من السوريين فقدوا وظائفهم في القطاعين العام والخاص، إما بسبب طردهم منها لأسباب أمنية، أو من خلال إحجامهم عن التوجه إلى وظائفهم، تحت ضغط خطر الاعقتال من قبل نقاط التفتيش المنتشرة على الطرقات، والتي تستهدف المواطنين تحت ذرائع مختلفة، بالإضافة إلى فقدان آخرين منشآتهم ومصانعهم بسبب تعرضها للسلب أو الحرق أو القصف.
يقول علي، وهو من أبناء الريف الغربي وكان يعمل ممرضًا في مشفىً حكومي في العاصمة دمشق، «اضطررت إلى ترك وظيفيتي وخسرت راتبي الشهري الذي يعين عائلتي، بسبب مضايقتي المستمرة على الحواجز وداخل المشفى أيضًا، الذي تحول إلى ثكنة عسكرية، ما دفعني إلى الاستقالة والعمل في مشفىً ميداني في إحدى بلدات ريف دمشق (نتحفظ على تحديد مكانه لأسباب أمنية) مقابل راتب رمزي لا يتجاوز 50$، شهريًا أستطيع من خلاله إعانة عائلتي التي تهجرت من حي القدم (الدمشقي) منذ ما يقارب الثلاث سنوات».
أبو ماهر، هو مواطن من نفس البلدة، يعين عائلة مكونة من 13 فردًا ويسكن في منزل بالأجرة، يضم ابنته التي اعتقل النظام السوري زوجها أثناء توجهه إلى عمله منذ ما يقارب العامين، وعائلة ابنه الشهيد، الذي كان يقاتل مع قوات المعارضة في مدينة داريا. يقول أبو ماهر «نتدبر أمورنا من خلال ما كنا نملك من مال وحلي جمعناه طيلة حياتنا، وقد شارف على النفاد، بالإضافة الى راتب الأيتام الذي تحصل عليه زوجة ابني … نحن هنا منذ ما يزيد عن ثلاثة أعوام، وأنا رجل كبير لا أستطيع ممارسة أي عمل، وأعاني من عدة أمراض».
بينما يتذمر عدنان باستمرار من وضعه الحالي، إذ يقيم مع أهل زوجته وعائلة عديله ليصل عدد أفراد الأسرة إلى 12 فردًا، يقيم جميعهم في شقة على الهيكل غير مكتملة البناء، لا تبلغ مساحتها 80 مترًا مربعًا، متحدثًا عن معاناتهم في السكن والمعيشة وعدم قدرتهم على الانتقال إلى منزل جديد «ندفع 6000 آلاف ليرة سورية شهريًا إيجار المنزل، وليس لدينا القدرة على استئجار منزل كبير جيد، نظرًا لارتفاع الإيجارات التي قد تصل إلى 40 ألف ليرة في القرى وليس في المدن»، مضيفًا «ليس لدي عمل محدد، بعت سيارتي منذ مدة لأعين نفسي وعائلتي، ووالد زوجتي يتلقى مبلغ 100$ بين الحين والآخر من ابنه الذي يعمل في لبنان، بينما عديلي يعمل في ورشة خياطة ويحصل على مبلغ لا يتجاوز 60$ شهريًا، مقابل 12 ساعة من العمل اليومي».
يبقى حال أبي ماهر وعدنان أفضل من الكثير من السوريين، الذين تركوا منازلهم وأموالهم دون أن يستطيعوا الوصول إليها، فأم إحسان، التي تبلغ من العمر 65 عامًا، تعيش مع ابنتها المطلقة وطفليها في مدرسة تحولت إلى مركز للإيواء في مدينة الكسوة، جنوب دمشق، بعد استشهاد زوجها. تقول أم إحسان إن لديها شابين متزوجين ولديهم أبناء، معظم الأيام يأخذون مصروفهم منها «لكونهم عاطلين عن العمل»، ما يجعلها مضطرة لتدبر أمرها من خلال مساعدات «أهل الخير» والجمعيات الخيرية، كما تلجأ في بعض الأحيان إلى بيع حصتها الغذائية الإضافية، التي تحصل عليها من منظمة الهلال الأحمر السوري، لتغطية حاجيات أبنائها، «نعيش أيامًا صعبة جدًا، نتمنى كثيرًا لو لم يكن لدينا أبناء، حتى لا نشاهد معاناتهم… الحمد لله على كل حال».
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :