النظام السوري يحرك مياهًا اقتصادية راكدة مع العرب

  • 2021/03/21
  • 10:25 ص

خريطة توضح تعاون النظام السوري اقتصاديًامع دول عربية (عنب بلدي)

عنب بلدي – زينب مصري

ركزت حكومة النظام السوري خلال الأشهر القليلة الماضية محاولاتها على إقامة تعاون اقتصادي مع دول عربية، لا تزال حكومات بعض منها تدعم النظام حتى الآن، كسلطنة عمان والعراق، في ظل التدهور الاقتصادي الذي يعاني منه، بالتزامن مع تدهور الليرة السورية.

تبحث الحكومة عن مخارج للأزمة الاقتصادية والتجارية والمالية التي تعاني منها مع دول عربية تعاني من واقع اقتصادي متردٍ، ما يثير التساؤلات حول إمكانية إتمام ذلك التعاون في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها، وإمكانية فرض عقوبات أمريكية على جهات تتعاون مع النظام السوري وفق قانون “قيصر”.

ولامس سعر صرف الدولار الأمريكي حاجز خمسة آلاف ليرة سورية للدولار الواحد في السوق السوداء، وسط عجز رسمي عن ضبطه.

تسهيل دخول التجار العراقيين

واحدة من تلك المحاولات كانت مطالبة “اتحاد غرف الصناعة السورية” حكومة النظام، في كتاب موجه باسم الصناعيين السوريين في كل المحافظات، بتسهيل دخول التجار العراقيين إلى سوريا، بناء على طلب غرف التجارة العراقية.

وعلى الرغم من كونه ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، يعاني العراق أزمة مالية حادة بسبب تراجع الإيرادات النفطية الناجم عن هبوط أسعار الخام، وتراجع الإيرادات الضريبية الأخرى بسبب تفشي جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).

وقالت صحيفة “الوطن” المحلية، في 7 من آذار الحالي، إن المعارض الدولية في كل من الصين وتركيا أُلغيت بسبب جائحة فيروس “كورونا”، وتوجد رغبة كبيرة لدى العراقيين بشراء المنتجات السورية عوضًا من مثيلاتها، ما يشكل فرصة “ذهبية” لتحريك الأسواق الراكدة وتوفير القطع الأجنبي وتحسين أسعار الصرف.

وأملَ الصناعيون في كتابهم، بحسب “الوطن”، “السماح للتجار العراقيين المسجلين أصولًا في الغرف التجارية العراقية بدخول سوريا من دون تأشيرات دخول مسبقة، كما كان معمولًا به قبل الحرب، بشرط خضوعهم للإجراءات المتبعة في مكافحة فيروس (كورونا)”.

تعزيز التعاون التجاري العراقي- السوري

في 19 من آذار الحالي، اُختتمت في العاصمة العراقية، بغداد، اجتماعات الدورة العاشرة للجنة الوزارية المشتركة العراقية- السورية، التي استمرت على مدار يومين، بتوقيع ثماني مذكرات تفاهم في مجالات متخلفة، منها الإعمار والإسكان والسياحة، من قبل وزراء الوزارت المعنية، بحسب ما نقلته الوكالة الوطنية العراقية للأنباء (نينا).

وقال وزير التجارة العراقي، علاء أحمد الجبوري، إن انعقاد الدورة العاشرة من اجتماعات اللجنة هو لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، إذ نُوقشت خلالها جملة من المواضيع المشتركة في مجالات مختلفة لتعزير التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، بحسب الوكالة.

وتحدث الوزير عن وجود مجالات متنوعة للتعاون بين العراق وسوريا فيما يتعلق بالمشاريع وإقامة المعارض الدولية والمتخصصة، إضافة إلى الفرص الاستثمارية، مشيرًا إلى أهمية العمل المشترك على بناء مصالح اقتصادية بشكل متكامل وتنمية التوازن التجاري.

تعاون تجاري مع الأردن

في 25 من شباط الماضي، ناقش وزير الصناعة في حكومة النظام السوري، زياد صبحي صباغ، في لقائه برئيس المكتب الإقليمي للاتحاد العربي للصناعات الجلدية في الأردن، فتح الخط التجاري بين سوريا والعراق، ودعم الصناعيين في شحن البضائع، الأمر الذي سيؤدي إلى تخفيض أسعار البضائع على الصناعي والتاجر والمستهلك، وتسهيل الحصول على التأشيرات السنوية، وتسريع الإجراءات في المطارات، وحل إشكاليات الحوالات المصرفية والتعامل بالعملة الصعبة.

وأكد الوزير السوري، بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية حينها، أن “الأبواب السورية دائمًا مفتوحة أمام الإخوة العرب للتعاون وتحقيق المصالح المشتركة”، مشيرًا إلى أن المعارض والمؤتمرات هي “خطوة لكسر الجمود والحصار للوصول إلى التعاون الاقتصادي المنشود”.

ويواجه الأردن ضائقة اقتصادية بفعل جائحة “كورونا”، إذ أثرت الجائحة على الفئات “الأكثر ضعفًا”، وأجبرت الشركات على الإغلاق، وفقد الناس وظائفهم دون مصدر دخل، على الرغم من اتخاذ الحكومة إجراءات سريعة لمنع انتشار الفيروس.

ويعتمد الأردن على المساعدات المالية الغربية لتخطي أزمته الاقتصادية، التي زادت بفعل تفشي الجائحة.

وكانت الإدارة الأمريكية اقترحت تخصيص 1.3 مليار دولار كمساعدات للأردن ضمن مشروع موازنتها، في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وفق مذكرة تفاهم مدتها خمس سنوات.

وتعهدت واشنطن بموجب المذكرة بتقديم 1.275 مليار دولار سنويًا من المساعدات الخارجية للأردن، وذلك من عام 2018 إلى عام 2022، أي ما مجموعه 6.375 مليار دولار.

لقاءات سورية- جزائرية

أبدت السلطات الجزائرية استعدادها لتفعيل علاقاتها الاقتصادية مع النظام، على الرغم من ارتفاع عجز التجارة الجزائرية ومواجهة البلاد أزمة اقتصادية، بعد طلب السفارة السورية من وزيري التجارة والعمل الجزائريين الاجتماع بهما، مطلع شباط الماضي.

وبلغ عجز الميزان التجاري للجزائر (الفرق بين قيمة الصادرات والواردات) 10.6 مليار دولار أمريكي في 2020، إذ عانت من أزمة اقتصادية خلال عام 2020 بسبب جائحة “كورونا”، وانهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، في حين تمثل عائدات المحروقات 93% من مداخيل النقد الأجنبي للبلاد.

وقال السفير السوري في الجزائر، نمير وهيب الغانم، إنه جرى التواصل مع الجهات المعنية لإعادة تفعيل “مجلس رجال الأعمال السوري- الجزائري المشترك” وإعادة تشكيله وهيكلته، بعد طرح الجانب الجزائري ضرورة إعادة تفعيل المجلس، معتبرًا أن القطاع الخاص ضروري لإعادة التواصل التجاري في ظل العقوبات الغربية المفروضة على النظام.

وأشار الغانم إلى ضرورة إعادة تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية الموقعة بين البلدين، بعد إبداء وزير التجارة الجزائري رغبة بلاده في إعادة تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية، لرؤية السلع الجزائرية في الأسواق السورية، والسلع السورية في الأسواق الجزائرية.

دعم سياسي واقتصادي من سلطنة عمان

لم تشهد العلاقات السياسية بين سلطنة عمان والنظام السوري قطيعة على غرار العديد من البلدان العربية بعد عام 2011، وحافظت السلطنة على علاقاتها مع سوريا ولم تغلق سفارتها أبدًا.

ويلتقي مسؤولو النظام بمسؤولي السلطنة، في إطار “تعزيز علاقاته السياسة والاقتصادية وبحث سبل التعاون”، بحسب وسائل إعلام رسمية ومقربة من النظام.

وفي 21 من كانون الثاني الماضي، التقى وزير المالية في حكومة النظام، كنان ياغي، بسفير سلطنة عمان في دمشق، تركي بن محمود البوسعيدي، لبحث إمكانية تعزيز التعاون بين البلدين.

وقالت وزارة المالية، في بيان نشرته عبر “فيس بوك”، إن ياغي التقى بسفير سلطنة عمان، وجرى الحديث عن “الموقف الثابت والمتضامن للسلطنة” مع النظام السوري، و”العلاقات الأخوية التي تجمع بين البلدين الشقيقين”.

تعاون لن يسهم في التغيير

لن يغيّر التعاون الاقتصادي بين النظام والدول العربية التي لم تقطع علاقاتها به شيئًا في الوضع الاقتصادي القائم، بحسب المحلل الاقتصادي مناف قومان، و”الوضع الاقتصادي في سوريا الآن لا يقوّمه تعاون محدود مع الأردن أو الجزائر أو عُمان، فالمسألة أبعد من تجارة”

وقال قومان، إن سوريا أمام حالة “شبه مستعصية”، فيها شلل في قطاعات الإنتاج تسبب بانخفاض كبير في الإنتاج وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة، وفي نفس الوقت يوجد ارتفاع عام في الأسعار وانخفاض في قيمة العملة، فضلًا عن كل ما يمكن إيراده من عقوبات وانفصال جغرافي وفساد وغير ذلك.

ويرى المحلل، في حديثه إلى عنب بلدي، أن النظام يسعى لمثل هذا التعاون كنوع من الدعاية، وتحريك المياه الراكدة، والخروج بانتصارات أمام الحاضنة الشعبية.

تعاون محفوف بالمخاطر

وعن إمكانية فرض عقوبات على الدول المتعاونة مع النظام، قال قومان، إن تعامل أي شخص أو شركة أو حكومة مع النظام اليوم سيكون محفوفًا بالمخاطر، جراء “مروحة” من العقوبات المتنوعة المفروضة على النظام، ما يجعله مثل “الثقب الأسود”.

وقد يعرض ذلك أي دولة لخرق للعقوبات، وهو ما يعود بالضرر عليها، مع ذلك ينوه المحلل إلى أن التعامل مع النظام في المنتجات الغذائية والزراعية والاستهلاكية لا تشمله أي عقوبات، لكن يبقى التعامل في هذا الإطار ذا وزن قليل في الميزان التجاري ومتقطعًا ولا يسد الحاجة.

ويرى المحلل أن أي دولة تتقرب من النظام تسعى للظفر بعقود إعادة إعمار، وحجز مقعد لها في المرحلة المقبلة إذا ما بقي النظام في المستقبل، وبالنسبة للنظام، لا يمر تعاون كهذا إلا من بوابة الإعلام، والترويج له لدى الحاضنة الشعبية، وتشجيع الدول الأخرى على كسر حالة الجمود والعودة إلى سوريا.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية