تميم عبيد
بضغطة زر يمكننا الوصول إلى أي معلومة عرفها البشر، وبضغطة أخرى يمكن أن نضيع ساعةً من الوقت بمشاهدة قطة تعزف البيانو، ويمكننا القول إن انتشار التكنولوجيا اليوم سلاح ذو حدين.
من السهل إدمان الحاسوب والهواتف الذكية عند البالغين، لكن المشكلة الأكبر هي تربية الأطفال المدمنين عليها وعلى الشاشات الإلكترونية، حتى ستيف جوبز مخترع الآيفون والآيباد لا يسمح لأطفاله باستخدامها، وكذلك آخرون من العاملين في مجال التكنولوجيا يدفعون أولادهم إلى مدارس تمنع أو تقيد الأطفال من استخدامها، وتشجعهم على التواصل وجًها لوجه مع الآخرين.
بعيدًا عن الإبداع
عندما يُقحم طفل في الشبكة العنكبوتية فكل شيء سيكون متاحًا له، يمكنه مشاهدة الرسوم المتحركة والألعاب وإيجاد الحلول لواجباته المدرسية.
إذا تعلم الأطفال أن بإمكانهم، ببساطة، الذهاب إلى محرك البحث جوجل وإيجاد حل لأي سؤال، فمن المرجح أن يتوقفوا عن محاولة إيجاد الحلول من تلقاء أنفسهم.
ومن المهم تعليم الأطفال كيف يستخدمون الإنترنت كأداة للتعلّم، وليس فقط لمعرفة حلول المشاكل، وعلينا الانتباه أنه إذا اعتمدوا عليه كثيرًا فسيقفون مكتوفي الأيدي عندما لا يتوفر لديهم.
بعيدًا عن الفضول والشغف
الأطفال المعتمدون على التكنولوجيا كثيرًا ما يفقدون حب التعلم، فقبل انتشار الإنترنت كان عليك التوجه إلى المكتبة وإيجاد القسم الصحيح والكتاب المختص والبحث بين الصفحات عندما تريد معرفة شيءٍ ما، هذا كله يأخذ وقتًا طبعًا، لكن التجربة بمجملها ستشعرك بالامتنان والوفاء لما تعلمت، وستظل في ذاكرتك طويلة الأمد.
أما الآن، فإذا أردت أن تعرف شيئًا ما، فيمكنك مباشرة البحث عنه وإيجاده، وغالبًا ستنساه بعد يومين إن لم يكن مع نهاية اليوم.
الأطفال بحاجة لأن يفهموا أن التعلّم هو عملية، وإن لم نقيد وصولهم إلى التكنولوجيا فلن يحبوا التعلّم أبدًا.
الصبر مفقود
عندما تصبح المعلومة والتواصل والترفيه متوفرة بضغطة زر، نصبح أقل صبرًا ولا نضطر إلى بذل وقت في الانتظار؛ ألا تشعر بالذنب عندما تغلق صفحة الويب إن لم تتحمل في 10 ثوان؟، هذا بغض النظر عما إن كنت تعطي بقية الأشياء وقتها.
مع ذلك، أطفالنا يكبرون في عالم مليء بالمسرات اللحظية، إذا اعتادوا أن الأشياء تحدث تلقائيًا وحسب الطلب، فسيواجهون صعوبة بالتأقلم في الحياة الواقعية مع نموهم ليصبحوا بالغين.
من جهة أخرى، إذا قيد الوالدان استخدام أطفالهم للتكنولوجيا ووضعوا القواعد الأساسية حول متى وأين يمكنهم استخدام أجهزتهم اللوحية، سيتعلمون أكثر بكثير مما لو أعطيت لهم حرية استخدامها في المنزل.
بلادة وافتقار للرياضة
ليس من الصعب إثبات أن جلوس أحدهم أمام الشاشة طوال النهار ينتج نمط حياة بليد، وسينتهي به المطاف في حلقة مفرغة، سيكون من الصعب للغاية كسرها مع استمرار سببها.
الأطفال بحاجة إلى التمرين كل يوم، وإذا اعتادوا على قضاء وقتهم في المنزل على أجهزتهم الإلكترونية فسيجدون صعوبةً عندما نأمرهم باللعب مع الأطفال خارجًا.
ولسوء حظ الأهالي، فعدم ممارسة الرياضة في سن مبكرة يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية تتفاقم عندما يكبر أطفالهم.
نتائج متدنية في المدرسة
خلصت دراسة لجامعة كامبريدج إلى أن متوسط الساعات التي يمضيها المراهقون (800 طالب بين 14- 15 عامًا شملهم المسح) أمام الشاشات هو 4 ساعات.
وربطت الدراسة بين قضاء ساعة إضافية أمام التلفزيون أو الإنترنت في سن الـ 14، وبين تراجع الدرجات الدراسية 9.3 درجة في سن الـ 16، بينما يرتبط تمضية ساعتين إضافيتين بانخفاض الدرجات بمعدل 18 درجة.
واحد من العناصر الأساسية المؤثرة لارتفاع الدرجات في الدراسة لدى أولئك المقيدين في استخدام الإنترنت، هو أنه لم يعد هناك هاتف يشتت انتباه الطالب كلما اهتز إشعار فيسبوك أو وصلت رسالة قصيرة.
يمكن للإلكترونيات خدمتنا في صفوف الدراسة كأداة تعليمية، لكن إذا استخدمناها بطريقة خاطئة فستصبح أداة سلبية التأثير على عملية التعليم.
ضعف التواصل البشري
دراسة أخرى قام بها باحثون في جامعة كاليفورنيا الأمريكية، ركزت على استخدام التكنولوجيا وتأثيرها على قدرة الأطفال على التواصل وجًها لوجه مع الآخرين.
وشملت الدراسة مجموعتين من الطلاب، واحدة سجل الأطفال فيها بمخيم تعليمي لمدة أسبوع ولم يكن لديهم أي وصول إلى الأجهزة الإلكترونية أو الإنترنت، والمجموعة الأخرى أطفال من نفس العمر تركوا مع أجهزتهم الإلكترونية ولم توضع عليهم أي قيود.
بعد انتهاء الأسبوع، عرض على كل مجموعة صور لوجوه تظهر مشاعر مختلفة، واستطاع أطفال المخيم الخالي من التكنولوجيا تحديد العواطف الظاهرة في الصور، وكانوا أكثر مهارة في التقاط ملامح الوجوه والتعابير غير اللفظية من الآخرين الذين قضوا الأسبوع يستخدمون التكنولوجيا كما حلا لهم.
وإذا أردنا لأطفالنا أن يفهموا أهمية التواصل مع الآخرين بطريقة فعالة فعلينا تقييد وصولهم إلى الإنترنت، وإشراكهم في الحياة الاجتماعية بشكل أفضل.
ربما تجد هذه النصائح بسيطة وغير قيّمة، لكن أثرها بعد سنوات سيكون مزعجًا جدًا بالنسبة لك، إن كنت تراعي مستقبل طفلك، لذا لا تهملها.