نشر الصحفي السوري آسر خطاب تقريرًا تحدث فيه عن رموز النازية التي كانت موجودة في كل من سوريا ولبنان، والافتتان سابقًا بشخصية أدولف هتلر، الذي سيقوم بما عليه فعله للحفاظ على سلطته وتعزيزها بشكل أكبر.
وتناول خطاب، في التقرير الصادر في 17 من آذار، والذي ترجمته عنب بلدي، وجود الرموز المرتبطة بالنازية علنًا في كل من لبنان وسوريا، على الرغم من من رفض الغالبية العظمى من السكان لإيديولوجيتها، فلم يكن وجود وشم الصليب المعقوف أو التلويح بالعلم النازي، يؤدي إلى سجن أي شخص أو دفع غرامة مالية.
المرة الأولى التي يتذكر فيها خطاب فيها رؤية صليب معقوف (إشارة النازية) كانت في المدرسة المشيخية للبنين التي التحق بها لمدة 12 عامًا في حلب، وكان الصليب المعقوف أحد الرموز العديدة التي كان الأولاد ينقشونها دون أي معرفة بمعناها على مقاعدهم، أو على جدران الحمام، أو في الكتب المدرسية.
ولم تكن إدارة المدرسة تزيل هذه الرموز، أو تحاول حظرها، أكثر مما فعلت تجاه أي رمز آخر أو كتابة على الحائط.
وكان على كل مدرسة سورية أن تقدم فصول “التنشئة الاشتراكية الوطنية” من الصف السابع حتى الثاني عشر، لتعلم الطلبة عن “القائد الخالد” حافظ الأسد وإنجازات “قائد مسيرة التطوير والتحديث” نجله ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي حكم النظام الديكتاتوري في السلطة في سوريا لمدة 50 عامًا، وهي عقود أطول من التي حكم فيها هتلر.
كما عمدت المدارس السورية إلى التطرق إلى حالة الحرب الدائمة في سوريا مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي استخدمها نظام الأسد لتبرير عقود من القمع في حالة الطوارئ، وغالبًا ما هاجم المعلمون في المدارس موضوع “اليهود” الذين سلبوا الفلسطينيين أرضهم وحولوهم إلى لاجئين.
واستفاد النظام ذاته بشكل مباشر من المساعدة النازية، حيث تمكن ضابط قوات الأمن الخاصة، الويس برونر، والذي كان مساعدًا مقربًا لأدولف أيخمان، ومسؤولًا عن مقتل ما يقدر بنحو 130 ألف يهودي خلال الحرب العالمية الثانية، من الفرار من ألمانيا النازية إلى سوريا، حيث بقي فيها حتى وفاته، عام 2001.
ومُنح برونز حق اللجوء السياسي في سوريا مقابل مشاركة معرفته وخبرته في العمل الاستخباراتي وأساليب التعذيب مع المخابرات السورية.
آسر خطاب صحفي وكاتب سوري مقيم في باريس. قدم تقارير عن سوريا ولبنان والعراق للعديد من المنصات الإخبارية الدولية، بما في ذلك “The Washington Post” و”Financial Times” ووكالة الأنباء الإسبانية (EFE). |
ونقل خطاب حديثًا جرى بينه وبين سوريين، أحدهما في إيطاليا والآخر في لبنان، عن كيفية اختيار قصة “تاجر البندقية” من بين جميع أعمال شكسبير في المناهج الدراسية السورية، والذين اشتبها في أن السبب هو معاداة السامية المتصورة في المسرحية، فكان شيلوك (الخصم) هو مقرض أموال يهودي لديه العديد من الصور النمطية التي ينسبها المعادون للسامية إلى اليهود.
وتحدث خطاب عن الكتب التي كان يقرأها في الفترة التي سبقت الحرب، بينما كان أصدقاؤه مهتمين أكثر بأشياء أخرى، فكانوا يسألونه عن معرفته بهوغو بوس الذي أنتج زيًا رسميًا لوحدات في الجيش الألماني، وعن أن هتلر أمر بإنتاج سيارة “فولكس فاجن” لأنه أراد أن يكون لدى الأشخاص الألمان العاديين (فولك) سيارة ميسورة التكلفة (واغن).
لا يبدو أنهم كانوا يعرفون شيئًا عن هتلر أو عن ليلة الكريستال والمخيمات وغرف الغاز، بحسب الباحث خطاب، ولم يقرأ معظمهم كتابًا واحدًا عن هتلر، بما في ذلك كتابه “كفاحي”، الذي لا تزال نسخه المختصرة باللغة العربية موجودة في كل مكتبة تقريبًا في سوريا.
احتفلت الكشافة السورية التي كان خطاب جزءًا منها، بشكل دائم في الأحداث السياسية، كفوز بشار الأسد في استفتاء زائف عام 2007، لتمديد رئاسته لولاية ثانية مدتها سبع سنوات، واقترح أحد أعضاء الكشافة أن تعزف الفرقة المسيرة أغنية نشيد الحزب النازي “هورست ويسيل ليد”، في حدثهم التالي، وعلى الرغم من فظاعة احتمال سماع تلك الأغنية في شوارع حلب، اعتقد خطاب أن الأغنية لن تكون في غير محلها تمامًا في مسيرة مؤيدة للأسد، ولكنه لم يشارك هذا الفكر.
الذين أبدوا بعض الإعجاب الغامض بهتلر دعموا دائمًا عائلة الأسد، أو صدام حسين في العراق، أو رجب طيب أردوغان في تركيا، سعى بعضهم للانضمام إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي (SSNP)، الذي أسسه أنطون سعادة، وهو سياسي من القرن العشرين، تحدث عن تفوق عرب الشرق الأوسط على الأفارقة والسوريين في الشعوب المجاورة، على عكس “حزب البعث العربي الاشتراكي” بقيادة الأسد والعديد من الحركات السياسية والاجتماعية الأخرى التي دعت إلى وحدة الدول العربية، وآمن “الحزب السوري القومي الاجتماعي” بالأمة السورية، وهي سوريا الكبرى التي تضم سوريا الحديثة ولبنان وفلسطين والعراق والأردن، على الرغم من أن سعادة نفسه كان لبنانيًا.
يبدو أن نشيد “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، وعلمه، ونسخته الخاصة من “Führerkult” (عبادة الزعيم)، هي الأقرب إلى أيديولوجيا نازية لاتزال حية وبصحة جيدة في المنطقة، على الرغم من أن الحزب “السوري القومي الاجتماعي” يحاول اليوم أن ينأى بنفسه عن بعض من صعدة النظريات العنصرية اليمينية.
نشوء بعض المشاعر اليمينية “ذات النكهة النازية”
أطلق هتلر ووزير الدعاية جوزيف جوبلز برنامج راديو “برلين” باللغة العربية، عام 1939، وبث البرنامج في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأخبر المستمعين العرب أن كل ما سمعوه عن كره هتلر للعرب ومنحهم “مكانة عرقية” متدنية كان خطأ، حتى أن الإذاعة بثت تلاوات للقرآن الكريم، فيما بدا أنه محاولة لسرقة المستمعين من إذاعة “بي بي سي” باللغة العربية.
وطور النازيون علاقات مع شخصيات مسلمة عامة، أبرزها مفتي القدس، الحاج محمد أمين الحسيني، وعرف الحسيني هتلر شخصيًا، وعلى الرغم مما كان يقوله “راديو برلين”، فقد عانى العرب من النازية أيضًا، واعتقل مسلمون ومسيحيون ويهود على حد سواء في معسكرات الاعتقال تحت حكم هتلر.
ولفت خطاب إلى إعجاب عدد كبير من السوريين بهتلر، فكانوا يقتبسون أقواله ويناقشون آرائه ومسيرته السياسية، قد يغمغم البعض في الادعاءات الشائعة، وغير الدقيقة تمامًا، بأن ألمانيا “نهضت من رماد” الحرب العالمية الأولى ومن حدود معاهدة “فرساي”، وأن حياة المواطنين الألمان قد تحسنت بشكل كبير في ظل هتلر قبل بدء الحرب العالمية الثانية، في أيلول عام 1939.
وكان معظم معجبيه من المراهقين الذين شاهدوا مقطعًا للديكتاتور، يلقي خطبة ليمضوا في تمجيده دون أي معرفة حقيقته، أو ربما سمع البعض اقتباسًا خارج سياقه وشرع في تكراره، وربما كان آخرون يقومون بتصفية عالمهم من خلال فهم مشوه لمناهضة الإمبريالية ومعاداة الصهيونية، وهما حجر الزاوية في حزب البعث الحاكم، الذي تعلمنا أيديولوجياته في المدرسة.
“كان بإمكاني قتل جميع اليهود، لكنني تركت بعضهم على قيد الحياة لأوضح لك لماذا كنت أقتلهم”
لم يقل هتلر هذه الكلمات أبدًا، ولكن الاقتباس المختلق الذي نسب له، وجرى تداوله عبر موقع “فيس بوك” منذ أن اكتسب الموقع شعبية بين السوريين في حوالي عام 2009، وعادة ما كان يقترن بخلفية سوداء وصورة لهتلر نفسه.
كانت اقتباسات هتلر المختلقة شائعة جدًا لدرجة أن أحدهم جعله يقول: “توقف عن اختلاق الاقتباسات ونسبها إلي”، كان أحد أكثرها مشاركة، “أعطني جنديًا سوريًا وسلاحًا ألمانيًا وسأغزو العالم” (تجسد هذا الشخص عدة مرات، إذ ظهر كجندي فلسطيني أو عراقي أو جزائري أو مغربي وهكذا).
وعندما كان خطاب يتجول في شوارع دمشق وحلب، في كثير من الأحيان مع زملائه من الصحفيين الأجانب، كانوا دائمًا محط اهتمام وفضول من المارة وأصحاب المتاجر، حتى أنه سئل هو وأصدقائه في أحد المرات من قبل مجموعة من الأطفال (بعد سنوات قليلة من الحرب في سوريا) عن موطنه، فأجاب صديقه بأنه من ألمانيا، فهلل أحد الأطفال بكلمة هتلر هتلر…
يشتهر أحد متاجر الهدايا في حي القيمرية (من أحياء دمشق القديمة) باستخدام العلم الإسرائيلي كممسحة (أو ربما كان العلم مرسومًا على الأرض) لأن مالكه أراد من كل زبون أن يدوس عليه عند الدخول والخروج. كان المتجر يحتوي أيضًا على عدد قليل من قلادات الصليب المعقوف (إشارة النازية)، ولم يكن المكان الوحيد الذي يمكنك العثور على مثل هذه القلادات في المدينة، ولم يعرف خطاب أبدًا أي الأشخاص الذين يمكن أن يمتلكوا مثل هذه القلادة ويشترونها ومدى معرفتهم برمزيتها. كان لغزًا بالنسبة له.
وفي حادثة أخرى في أحد الأكشاك في بيروت التي تبيع العملات المعدنية والطوابع والملصقات القديمة وسجلات الفينيل، قام أصدقاء خطاب، بتقليب ألبومات موسيقى الروك وملصقات الأفلام القديمة، فوجد خطاب وجه أدولف هتلر على الأقل على 12 منها، وهو يحدق جانبًا، في “طوابع الرايخ الثالث”، وفي المرة التالية التي زار فيها سوق الأحد، اختفت طوابع هتلر.
وقال صديق لخطاب، “اشتريت ذات مرة عقدًا منقوشًا بكلمة حرية”، من ذات المتجر الذي باع الصليب المعقوف، كما أخبره صديق آخر يعيش في حلب “أعرف أيضًا رجلًا اسمه هتلر… كان يعمل في جامعتي”.
عندما دخل مئات الآلاف من السوريين إلى ألمانيا طلبًا للجوء في عام 2015، خشي بعض المراقبين أنهم قد لا يتمكنون من الاندماج في المجتمع الألماني، ليس فقط بسبب الاختلافات الثقافية والدينية، ولكن أيضًا بسبب تصور أن السوريين معادون للسامية بطريقة ما.
ومع ذلك، فإن قبول ألمانيا لهؤلاء اللاجئين أفسح المجال أمام ارتفاع أكبر بكثير في مشاعر اليمين والعداء المعاد للأجانب، وهو ما لم تشهده أوروبا منذ انهيار الرايخ الثالث، مقارنة مع معاداة السامية.
وأعرب العديد من اليمينين المناهضين للمهاجرين بشكل غير مباشر عن توقهم لعصر الاشتراكية القومية، دون التعبير صراحة عن دعمهم لها، وهو أمر محظور في ألمانيا، حيث ارتدى البعض قمصانًا كتب عليها “12 سنة ذهبية” في الحفلات الموسيقية لليمين في البلدات الألمانية الصغيرة، في إشارة إلى فترة حكم هتلر.
لا شك أن ذلك يخبر شيئًا عن جاذبية الفاشية المستمرة في بلاد الشام كاللاجئ السوري الأكثر شهرة في ألمانيا، كيفورك الماسيان، المدافع القوي عن نظام الأسد والمدافع عن جرائم الحرب التي ارتكبها.
يعمل ألماسيان مع حزب النازيين الجدد الألماني المناهض بشدة للمهاجرين، أو البديل من أجل ألمانيا، والذي دعا إلى حظر المزيد من اللاجئين السوريين من دخول ألمانيا وصوّروا زورًا سوريا على أنها آمنة.
وألغت السلطات الألمانية حق اللجوء الخاص بألمسيان، في كانون الثاني الماضي، بحجة أنه لا يتعرض لخطر الاضطهاد.
“على مدى السنوات العشر الماضية، رأى ملايين السوريين المدى الذي سيقوم به الظالم للحفاظ على سلطته وتعزيزها بشكل أكبر”.
ولفت خطاب إلى أن العديد من أصدقاء الدراسة الذين تواصل معهم بعد عدة سنوات، لا يتبنون اليوم أي أيديولوجية اشتراكية وطنية أو حتى أي إعجاب بهتلر، لتعرّف الكثير ممن ذهبوا إلى ألمانيا على تاريخ البلاد ومعاناة السكان اليهود في أوروبا.
ولا يذكر خطاب آخر مرة رأى فيها صورة لصليب معقوف أو لهتلر على موقع “فيس بوك”، ولكنه يعتقد أن هذا لم يكن مجرد نتيجة لخوارزميات “فيس بوك” المحسنة أو نتيجة للعمل الشاق لصناع المحتوى، فخلال السنوات العشر الماضية، رأى ملايين السوريين المدى الذي سيسلكه الظالم، للحفاظ على سلطته وتعزيزها بشكل أكبر، لأنهم أصبحوا ضحايا لأعمال تمييزية خارج سوريا من قبل أشخاص يتبنون وجهات نظر مماثلة لآراء هتلر وأتباعه.
ولعل الافتتان السابق والمضلل بديكتاتور بعيد المنال عن بلد بعيد كان سهلًا من قبل، ولكن بؤس سوريا ذاته كان بمثابة ضربة قاتلة مؤجلة كثيرًا.