ما إن طُرحت فكرة تشكيل “مجلس عسكري” يقود مرحلة انتقالية في سوريا، حتى تصدّر اسم العميد المنشق مناف طلاس، لقيادته.
لكن تصدُّر اسم طلاس، وعلى الرغم من انشقاقه في حزيران 2012، لم يلقَ قبولًا لدى كثير من السوريين، خاصة في أوساط المعارضة.
فوالده وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس، الذي استمر في منصبه لمدة 32 عامًا (بين 1972 و2004)، وتركه منصبه متقاعدًا بعد أن أصبح عمره 72 عامًا.
وكان مناف يعتبر من الحلقة الضيقة للنظام، نتيجة علاقة الصداقة مع ابني حافظ الأسد، باسل ورئيس النظام الحالي، بشار الأسد، التي تعد استمرارًا للعلاقة بين أكثر رجال حافظ الأسد وحزب “البعث” الحاكم وفاء له، حتى موته.
لم يشغل مناف بعد انشقاقه أي منصب في المعارضة، لكن اسمه تكرر خلال السنوات العشر الماضية مع ذكر حلول للملف السوري، خاصة فيما يتعلق بالحل العسكري وتشكيل مجلس عسكري من الطرفين.
“طبيعة الطرح تفرض الاسم”
استبعد الدبلوماسي السوري السابق والباحث غير المقيم في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” داني البعاج، أن يكون تداول اسم مناف طلاس مؤخرًا لإعادة تدويره أو تصديره أو تعويمه.
لكن كلما طُرحت فكرة “المجلس العسكري” كخيار للحل في سوريا، لا تتوفر شخصيات عسكرية ترأس مثل هذا المجلس أهم من مناف طلاس ضمن هذه التركيبة، “كونه يحتاج إلى شخصية تمامًا في الوسط”، حسب البعاج.
وأوضح داني البعاج أن الأمر مرتبط بفكرة “المجلس العسكري” أكثر منها بشخص مناف طلاس، لكن الفكرة تحتاج إليه بالتحديد، وهو “لن يلعب أي دور عسكري أو سياسي ما لم تكن فكرة المجلس العسكري على الطاولة والعكس بالعكس”.
“أي أن المجلس العسكري الذي سيكون مناصفة بين قوات النظام والمعارضة، يحتاج إلى شخصية تستطيع أن تلعب هذا الدور الوسطي بين الطرفين ومقبولة منهما، وهذه الشخصيات قليلة، إذا لا توجد لدى المعارضة شخصية يمكن أن تلعب هذا الدور والأمر نفسه عند النظام، والقصد هنا من يقبل العسكر بوجودهم، أي لا نتكلم عنهم كجهة السياسية”، حسب البعاج.
وبالتالي شخصية قريبة من الطرفين مثل مناف طلاس، يمكن أن تلعب هذا الدور، بمعنى أنها كانت قريبة من النظام وهي من صلبه، كما لا تزال علاقات مناف داخل النظام قوية وهو “الكرت الأهم بيده”، بحسب قول البعاج، وكذلك له علاقات قوية مع فصائل المعارضة العسكرية، و”من الممكن جدًا إذا أُريد للمجلس العسكري أن ينجح، تسمية مناف طلاس رئيسًا له”.
فكرة مطروحة سابقًا.. اغتيال خلية الأزمة أنهاها
وقال داني البعاج، إن فكرة “المجلس العسكري” ليست جديدة، وطُرحت في بداية الثورة، وفق السيناريو المصري، “بأن يجري الجيش تحركًا وانقلابًا معيّنًا ويضبط الأمور، ويزيح رئيس النظام، بشار الأسد، ويرعى انتقالًا سلميًا للسلطة مع ديمقراطية محدودة”.
وهذا التفكير كان موجودًا وكانت خلية الأزمة مرشحة له، بحسب البعاج، لكن اغتيال أعضائها أطاح بهذا الخيار، و”مناف طلاس هرب لأنه كان جزءًا من هذه التركيبة”.
وفي 18 من تموز 2012، استهدف تفجير اجتماعًا لـ”خلية إدارة الأزمة” في مبنى الأمن القومي بالعاصمة دمشق، وقُتل إثره وزير الدفاع حينها، العماد داوود راجحة، ونائبه آصف شوكت صهر الأسد، إلى جانب حسن توركماني، رئيس الخلية، ورئيس مكتب الأمن القومي، هشام الاختيار.
كما أُصيب وزير الداخلية محمد الشعار، وتضاربت الأنباء حول مصير شخصيات أخرى كانت مشاركة في الاجتماع، الذي ضم أعضاء الخلية المُشكّلة لقمع الثورة في ذلك الوقت.
وبعد الإعلان عن نتائج العملية، عيّن الأسد العماد فهد جاسم الفريج وزيرًا للدفاع، وكان حينها رئيس هيئة الأركان، كما حلّ رئيس إدارة أمن الدولة، علي مملوك، مكان الاختيار، وعُيّن عبد الفتاح قدسية نائبًا له، بينما خلف مملوك في رئاسة أمن الدولة، اللواء محمد ديب زيتون.
ووصف سياسيون ما جرى في التفجير بأنه “تصفيات مدروسة”، وسياسة متّبعة من عائلة الأسد، التي بدأها حافظ بتصفيات طالت عددًا من المقربين له، وأبرزهم أمين الحافظ وصلاح جديد، وصولًا إلى اغتيالات جرت خارج حدود سوريا.
وحتى الوقت الراهن، يلف الغموض تفاصيل التفجير في ساحة الروضة بدمشق عام 2012، الذي تبنته فصائل من “الجيش الحر”، بينما اعتبره النظام اختراقًا أمنيًا، واتهمه آخرون بتنفيذه، كما وُجهت اتهامات لإيران.
وتعرقلت لاحقًا الأمور، وأُعيد طرح فكرة “المجلس العسكري” بعد نحو سنتين، وكان مناف من الأسماء التي قبل النظام والمعارضة التعامل معه.
وكان الطرح حينها من مبدأ أن “السياسيين لا يستطيعون ضبط الأمن على الأرض بسبب الفلتان الأمني وانتشار السلاح”، لكه تعطل بعد أن تبين “عدم وجود قيادة سياسية في (الائتلاف) تستطيع أن تلعب دورًا حقيقيًا على الأرض”، حسب البعاج، إضافة إلى ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” وازدياد قوته على الأرض خاصة خلال عامي 2014 و2015.
لكن فكرة المجلس تراجعت بعد مسار “أستانة” في 2017 بضمانة روسيا وإيران وتركيا، ودخول الأتراك على الخط ليديروا بعض العمليات العسكرية، وإنشاء التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة”، وظهور “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة أمريكيًا في شمالي وشرقي سوريا.
ومع انسداد أفق الحل السياسي اليوم، عادت فكرة “المجلس العسكري” ومناف طلاس إلى الواجهة.
الطرح الأخير قابله نفي عدة جهات
وفي كانون الثاني الماضي، انتشرت أنباء حول تشكيل “مجلس عسكري” سيتكون من ثلاثة أطراف، هم “متقاعدون خدموا في حقبة الرئيس حافظ الأسد ممن كان لهم وزن عسكري واجتماعي مرموق، وضباط ما زالوا في الخدمة، وضباط منشقون لم يتورطوا في الصراع المسلح، ولم يكن لهم دور في تشكيل الجماعات المسلحة”.
وكانت صحيفة “الشرق الأوسط” قالت، في 10 من شباط الماضي، إنها حصلت على نسخة من وثيقة قدمها معارضون من منصتي “موسكو” و”القاهرة” لتنفيذ القرار “2254”، وتضمنت اقتراحًا بـ”تشكيل مجلس عسكري خلال مرحلة انتقالية يتم الاتفاق حول مدتها”.
إلا أن المنصتين نفتا تقديم أي وثيقة لروسيا تتضمن طلبًا بتشكيل “مجلس عسكري سوري” مشترك بين النظام والمعارضة في مرحلة انتقالية، إذ صرّح عضو منصة “القاهرة” فراس الخالدي، في حديث سابق إلى عنب بلدي، أن “الوثيقة غير صحيحة وملفقة”.
كما نفى رئيس منصة “موسكو”، قدري جميل، أيضًا وجود الوثيقة قائلًا في تغريدة عبر حسابه على “تويتر”، إن “الخبر لا يمت للواقع بأي صلة”.
بدوره، نفى مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، وجود محادثات حول “المجلس العسكري”، في 16 من شباط الماضي.
وأكد لافرينتيف أنه “تضليل متعمد بهدف نسف المحادثات والعملية السياسية”، بحسب ما نقلت عنه قناة “RT”.
وفي 12 من شباط الماضي، أوضح المعارض السوري جمال سليمان الملابسات حول “المجلس العسكري”، قائلًا إنه صاحب الفكرة.
وعلّق سليمان أن اللقاء الذي حضره مع وزير الخارجية الروسي كان بصفته الشخصية وليس بصفته ممثلًا عن منصة “القاهرة”، لأنه جمّد عمله فيها وفي “هيئة التفاوض”، لأسباب داخلية تتعلق بالخلافات الأخيرة التي قال إنه بذل مع آخرين جهدًا كبيرًا لحلحلتها ولم يفلح.
وقالت “قسد”، إنها تواصلت مع مناف طلاس حول تشكيل “المجلس العسكري الانتقالي”، كما أبدت جاهزيتها للمشاركة بالجسم العسكري.
وبحسب ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط“، في 5 من آذار الحالي، في حديث مع المتحدث الرسمي لقوات “قسد”، غابرييل كينو، فإن تشكيل “المجلس العسكري” خطوة أساسية للحل في سوريا، بشرط “وجود كيان سياسي يمثل جميع القوى السياسية بمهام مكملة لبعضها”.
–