أخذ التحرك القضائي الهولندي في عام 2020، من خلال رفع شكوى ضد النظام السوري بسبب “مسؤوليته عن انتهاكات حقوق الإنسان” في سياق اتفاقية “مناهضة التعذيب”، دعمًا أوروبيًا لملف محاسبة “مجرمي الحرب” على الجرائم المرتكبة في سوريا.
وفي 12 من آذار الحالي، تعهد وزير الخارجية الهولندي، ستيف بلوك، ونظيره الكندي، مارك غارنو، بمحاسبة النظام السوري على انتهاكاته لاتفاقية “مناهضة التعذيب”، مطالبين بالعدالة “لضحايا جرائم النظام المروعة”.
يأتي هذا الدعم الأوروبي لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات في سوريا، بعد أن فشلت المحاولات إلى الآن بتحقيق العدالة لضحايا الجرائم ضد الإنسانية على الصعيد الدولي، لأنها ليست دولة طرفًا في “المحكمة الجنائية الدولية“.
ولذلك، في حال لم تقبل حكومة النظام السوري ولاية المحكمة للنظر في الجرائم التي ارتكبتها خلال السنوات العشر الماضية طوعًا، ستضطر المدعية العامة في هذه المحكمة إلى إحالة الوضع في سوريا إليها من قبل مجلس الأمن، حتى تفتح تحقيقًا هناك.
وفي 2014، استخدمت روسيا والصين حق “الفيتو” اعتراضًا على قرار لمجلس الأمن كان من شأنه منح المدعية هذه الولاية، الأمر الذي حال دون القيام بأي خطوات على طريق ضمان المحاسبة الحقيقية لحكومة النظام، في سوريا أو خارجها، ما أسهم في وقوع مزيد من الانتهاكات.
وفي أيار من عام 2020، دعت ستة بلدان أوروبية في مجلس الأمن إلى محاسبة أركان النظام السوري الضالعين في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في سوريا، عام 2017.
وأصدر مندوبو الدول الأوروبية الست (بلجيكا، إستونيا، فرنسا، ألمانيا، بولندا، بريطانيا) لدى الأمم المتحدة بيانًا مشتركًا، أيدوا فيه ما ورد في التقرير الأول لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية حول سوريا.
وكان فريق تحقيق منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، خلص إلى تحميل النظام المسؤولية عن ثلاث هجمات كيماوية، في مدينة اللطامنة بريف حماة، عام 2017.
وبالتالي فإن الاتحاد الأوروبي هو الضمان الوحيد لتحقيق العدالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، برأي المحامي والحقوقي السوري أنور البني، في حديثه ضمن حلقة نقاشية حول “دور الاتحاد الأوروبي في المحاسبة بسوريا”.
ما الأدوات التي تملكها أوروبا للمحاسبة
في 3 من آذار الحالي، نظمت مبادرة “renew europe” جلسة حوارية مع ناشطين سوريين في حقوق الإنسان لتحديد ما يجب القيام به لضمان العدالة لضحايا سوريا، واستكشاف الدور الذي يمكن أن تلعبه أوروبا في هذه الجهود، وأُتيحت الجلسة للجمهور بثلاث لغات عبر تطبيق “زووم”، وحصلت عنب بلدي على حق مشاركة الجلسة بنسختها العربية.
وأوضحت النائبة الفرنسية ورئيسة لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي، نتالي لوازو، التي أسهمت بتنظيم الجلسة الحوارية، أن هناك قناعة بعدم وجود سلام محتمل داخل سوريا من دون تحقيق العدالة لضحايا الانتهاكات التي لا تزال مستمرة منذ 2011 حتى اليوم، وتحديد هوية الجناة من مختلف الأطراف لمحاسبتهم والقبض عليهم.
وبعد تعطل مسار العدالة دوليًا في مجلس الأمن، تعتبر بلدان الاتحاد الأوروبي الضمان الوحيد لفرض الملاحقة القضائية ضد مرتكبي الانتهاكات في سوريا.
واستمرار الانتهاكات في سوريا يعتبر، وفق رأي النائب الأيرلندي وعضو لجنة التنمية في البرلمان الأوروبي باري أندروز، الذي أسهم بتنظيم الجلسة الحوارية، هو استمرار لأزمة كبيرة يجب على الاتحاد الأوربي الإسهام في حلها بمكافحة الإفلات من العقاب.
وبعد إصدار حكم الإدانة بحق العنصر السابق في المخابرات السورية إياد الغريب، بالسجن مدة أربع سنوات ونصف السنة، طالب النائبان لويزو وأندروز باتخاذ إجراءات أكثر صرامة لضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات في سوريا.
ويتعين على الاتحاد الأوروبي إطلاق صندوق أوروبي مخصص لضحايا الجرائم ضد الإنسانية في سوريا، بحسب توصيات الجلسة.
كما يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد تحسين التنسيق بين الموارد القضائية والشرطة ومراكز الهجرة، من خلال تطوير “الولايات القضائية العامة”، بالإضافة إلى إشراك الخبراء والمترجمين الفوريين من أجل تسهيل التحقيقات بكفاءة وفعالية.
وطالب النائبان بأن تسعى كل دولة في الاتحاد الأوروبي إلى تعيين مدعٍ عام معيّن لمثل هذه الجرائم لتسريع جهود التنسيق القضائي.
وتدعم اتفاقية “جنيف” التنسيق بين الدول الأعضاء بتسليم المشتبه بارتكابهم “جرائم حرب” في أثناء النزاعات والحروب.
ويجب، بحسب توصيات الجلسة، توفير المزيد من التدريب القانوني للسوريين من قبل الاتحاد الأوروبي، لتمكينهم من لعب دور في مكافحة الإفلات من المحاسبة.
وطالبت توصيات الجلسة الحوارية دول الاتحاد الأوروبي بتعليق عضوية سوريا في منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” في مؤتمرها المقبل، بسبب قيامها بـ”تزوير الأدلة حول استخدام الأسلحة الكيماوية”، وفق توصيات الجلسة.
–