عنب بلدي- سكينة المهدي
لفتت سلسلة صفقات بين إسرائيل وسوريا بوساطة روسية الأنظار، وسط تساؤلات حول إمكانية انسحاب أمريكا من المهمة التي كانت بيدها قبل تصاعد الدور الروسي في سوريا، ومدى قدرة موسكو على تحقيق اتفاقات بين الجانبين السوري والإسرائيلي.
أحدث هذه الصفقات، عملية تفاوض بوساطة روسية، في 19 من شباط الماضي، أعادت تل أبيب بموجبها امرأة إسرائيلية بعد عبورها إلى سوريا، مقابل الإفراج عن راعيَين سوريَّين من محافظة القنيطرة جنوبي سوريا من السجون الإسرائيلية.
وكان، الذي عمل سابقًا مبعوثًا دبلوماسيًا إلى سوريا، قال إن الدبلوماسية الأمريكية بلغت نقطة حاسمة وواعدة في جهودها لتحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل، بحسب ما نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” في 28 من شباط الماضي.
وصاغ الوسيط الأمريكي حينها مسودته للاتفاق، وتضمنت قطع الجانب السوري العلاقات العسكرية مع إيران و”حزب الله” اللبناني، مقابل استعادة مرتفعات الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل.
وفي عام 2015، كشف وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، عن مقترح الخوض في محادثات سلام بين إسرائيل وسوريا، بحسب مجلة “نيويوركر”، وطلبت واشنطن حينها إجراءات لبناء الثقة بين الجانبين لكن الأسد لم يلتزم بها.
روسيا تفاوض بمباركة أمريكية
المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي محمود حمزة قال لعنب بلدي، إن عمليات التفاوض بين إسرائيل وسوريا ليست حديثة العهد، إلا أن تاريخ التفاوض بين هذين الطرفين لم يخرج بنتيجة مجدية.
وحاليًا يوجد تنسيق روسي- إسرائيلي- أمريكي حول سوريا، وبحسب محمود حمزة، من مصلحة تلك الدول أن يبقى النظام السوري في الحكم، إذ لم تُطلق طلقة واحدة على حدود الجولان منذ 40 عامًا وهذا ما يريدونه، لكن مع تمسكهم بهذا النظام، لا بد من حدوث بعض التطورات.
ولن تستطيع روسيا فرض سيطرتها في سوريا، متجاهلة الدور الأمريكي، لأن التدخل العسكري لروسيا هناك، كان بضوء أخضر من أمريكا، وكانت الأخيرة راضية بدليل حديث المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، عن خروج كل القوات الأمريكية من سوريا عدا القوات الروسية، ما يدل على وجود تفاهم مسبق بين الدولتين، واتفاقات عسكرية وتقاطع بالمصالح، برأي المحلل السياسي محمود حمزة.
وفي حديث المبعوث الأمريكي السابق إلى روسيا لصحيفة “الشرق الأوسط“، في 13 من كانون الأول 2020، قال إن “بلاده لا تقبل سوريا بوجود الأسد إلا إذا غيّر سياسته، وليس على روسيا أن تغادر بل على إيران المغادرة، لكن كجزء من التسوية النهائية في سوريا، أيضًا أمريكا وتركيا وإسرائيل ستغادر”.
وتصب المصالح الروسية- الأمريكية باتجاه واحد، لذلك لا يمكن لروسيا أن تتجه ضد أمريكا بأي خطوة، بل على العكس تمامًا، تُعتبر أمريكا هي من يدير الأمور في سوريا برأي محمود حمزة، إذ تستطيع الأخيرة التأثير على روسيا من خلال العقوبات، أما روسيا فلا تؤثر بأي شكل عليها.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في 20 من تشرين الأول 2015، أن الولايات المتحدة وروسيا وقعتا مذكرة تفاهم تتضمن عددًا من القواعد والقيود، الرامية إلى تجنب حوادث اصطدام بين الطائرات الروسية والأمريكية في الأجواء السورية، دون ذكر بقية التفاصيل.
ولم يقتصر الأمر على التنسيق العسكري بين الدولتين، إذ عقدت روسيا اتفاقات سياسية في سوريا، تمثلت بزيادة سيطرة النظام على مناطق جديدة على حساب المعارضة، كاتفاقات “التسوية” التي سيطر النظام بموجبها على محافظتي درعا والقنيطرة في تموز 2018، والتي جاءت بتفاهم روسي- إسرائيلي- أمريكي.
أمريكا تحاول تعويم إسرائيل.. النظام ليس بأفضل حالاته
المحلل السياسي حسن النيفي أوضح لعنب بلدي أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الحكم طوال فترة الصراع العربي- الإسرائيلي، تدفع باتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وكانت تدعم أي تقارب لطرف من الأطراف العربية مع إسرائيل، طالما اندرجت تلك الخطوات في مسعى فك العزلة عن إسرائيل وتحرير الأمن الإسرائيلي أولًا، ثم تعويمها اقتصاديًا وسياسيًا في المنطقة، حسب حسن النيفي.
أما بالنسبة لأي تقارب أو تطبيع محتمل بين النظام السوري وإسرائيل في الظرف الراهن تحديدًا، فيعتقد النيفي أن الأمر يختلف لعدة مسائل، أهمها أن النظام السوري ليس بأفضل حالاته الآن، ولا يمكن أن يقدم شيئًا لإسرائيل مقابل التطبيع.
النظام بين نارين.. إيران وروسيا
كان للتغوّل الإيراني في سوريا دور أثّر على منحى سير العلاقات الروسية- الإسرائيلية.
إذ بدأت العلاقات السورية- الإسرائيلية مرحلة جديدة مع الوجود الإيراني، تتمثل بإخراج القوات الإيرانية من سوريا، بحسب تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في مؤتمر صحفي نقلته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، في 26 من نيسان 2020.
ويقع النظام السوري اليوم بين نارين، ولا يستطيع أن يعلن عن رغبته بتوقيع اتفاقيات مع إسرائيل، بسبب التغلغل الإيراني في سوريا، كما أنه لا يستطيع أن ينحاز كليًا إلى إيران، لأن روسيا موجودة في الساحة وهي في مأزق، لأنها تنسق مع إسرائيل وتعتبر أمنها أولوية.
لكن بنفس الوقت، يرى المحلل السياسي محمود حمزة أن روسيا تتنافس مع إيران في سوريا بالمجال الاقتصادي والأمني والعسكري والجيوسياسي، لذلك فإن العوامل في سوريا متشابكة ومعقدة.
كما يرى حمزة أن روسيا وإيران متنافستان الآن بعد تحالفهما في وقت سابق، أما إسرائيل وروسيا فهما منسجمتان بأهدافهما في سوريا، وتطالب إسرائيل بخروج إيران من سوريا وهو ما يناسب روسيا.
لكن التغوّل الإيراني في بنية الدولة السورية يجعل أي تقارب مع النظام السوري موضع ريبة وشك من الجانب الإسرائيلي والأمريكي معًا، طالما أن تضييق الخناق على إيران ومحاربة النفوذ الإيراني في المنطقة يُعد من أولويات الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية معًا، حسب حسن النيفي.
وتعتقد الإدارة الأمريكية أن أي تقارب بين النظام السوري وإسرائيل في المنطقة يُعد من أولويات الاستراتيجة الأمريكية والإسرائيلية معًا، بحسب النيفي، وأن الدور المتعاظم لروسيا في سوريا سيخدم مسعاها الرامي إلى تقليص الدور الإيراني.
وما زالت أمريكا تشجع الروس على إزاحة إيران، لذلك يرى النيفي أن قبول روسيا كوسيط بين الأسد وإسرائيل، يبقى مرهونًا بقدرة روسيا على إزاحة إيران ومحاربة نفوذها، ولا توجد أي معطيات تدعم ذلك الأمر، أو تشير إلى أن إيران يمكن أن تتقهقر مصالحها في سوريا لمصلحة الروس.
ويجب التأكيد دومًا على أن إيران ترى لنفسها الأحقية الكاملة بالتحكم بمفاصل الدولة السورية أكثر من روسيا، ولن يكون من السهل تقليص نفوذ إيران، ولن تتخلى الأخيرة عن مصالحها الحيوية في سوريا لمصلحة أي طرف آخر، ولو أدى ذلك إلى مواجهة تصل إلى حد التصادم.
وبحسب ما قاله رئيس قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي، الجنرال أهارون حليوة، بدأ رئيس النظام السوري، بشار الأسد، يفهم أن إيران صارت خطرًا على حكمه وعلى إعادة الإعمار.
وقال حليوة في مقابلة مع قناة “واللا” العبرية، في 29 من نيسان 2020، إن “الأسد يفهم أو بدأ يفهم أن الإيرانيين الذين جاؤوا لمساعدته ضد تنظيم (الدولة) بهدف إنقاذه، هم أنفسهم اليوم يشكلون خطرًا على استمرار حكمه وقدرته على إعادة الإعمار”.
وحدد موقع “إيران وير” بالعربي 51 نقطة عسكرية (موقع عسكري) توجد فيها الميليشيات الإيرانية و”حزب الله” بالمنطقة الجنوبية لسوريا، التي تضم خمس محافظات هي دمشق، وريف دمشق، والقنيطرة، والسويداء، درعا.
كما وثق مركز “جسور للدراسات” 247 موقعًا لإيران و”حزب الله” في جميع الأراضي السورية.
إسرائيل تفضّل واشنطن
لا يعتقد المحلل السياسي حسن النيفي أن إسرائيل يمكن لها الوثوق بالروس أكثر من واشنطن، إلا أن توجه إسرائيل نحو التنسيق مع روسيا، سببه هيمنتها على الشأن السوري، ونفوذها وسطوتها على قرار رئيس النظام السوري، فضلًا عن وجوب التنسيق مع الروس من الناحية العسكرية بخصوص الغارات الإسرائيلية المتكررة التي تستهدف إيران في سوريا.
وكانت إسرائيل استهدفت، في 12 من آذار الحالي، ما لا يقل عن 12 سفينة إيرانية متجهة إلى سوريا، تحمل في الغالب نفطًا إيرانيًا، دعمًا لحكومة النظام السوري، وفق تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.
ولم تعلّق إسرائيل من قبل على مثل هذه الحوادث، وأحال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأسئلة إلى الجيش الإسرائيلي، الذي رفض التعليق على أي دور إسرائيلي في الهجمات على السفن الإيرانية، بحسب التقرير.