عنب بلدي – علي درويش
تصدّر الملف السوري مباحثات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال جولته الخليجية الأخيرة، التي شملت الإمارات والسعودية وقطر.
محطة لافروف الأخيرة كانت الأبرز، إذ ختم جولته في قطر، في 11 من آذار الحالي، وعقد مع نظيريه، التركي، مولود جاويش أوغلو، والقطري، محمد آل ثاني، في العاصمة الدوحة اجتماعًا ركزوا فيه على كيفية إنجاح محادثات اللجنة الدستورية السورية، ودعم الشعب السوري في المجال الإنساني.
وأعلن المجتمعون عن استكمال مباحثات الدوحة باجتماعات لاحقة بين الوزراء الثلاثة في تركيا ثم موسكو، إذ سبقت المحادثات الأخيرة اجتماعات من قبل مبعوثين خاصين للدول الثلاث على مدى الأشهر الماضية، وضعوا أرضية للحوار حول الملف السوري.
وأشار وزير الخارجية القطري إلى اجتماع بين مبعوثين خاصين عن الدول الثلاث، لإيصال المساعدات الإنسانية، ومناقشة التسوية السياسية، ودعم كل طرف في المسار السياسي واللجنة الدستورية.
وأثار غياب طهران عن الاجتماع استفسارات متعددة بشأن دورها المستقبلي في الملف السوري، وأهداف موسكو من لقاء الدوحة الذي اعتبره محللون مسارًا جديدًا يضاف إلى مساري “أستانة” و”جنيف”، أو مسارًا يكون عوضًا عن “أستانة”.
لكن لافروف نفى أن يكون الاجتماع الثلاثي بديلًا لمسار “أستانة”، الذي يضم تركيا وروسيا وإيران كدول ضامنة للنظام والمعارضة.
استثمار الأموال العربية لتحقيق هدف روسيا.. أين إيران؟
قال الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، إن إيران منهكة بالمعنى الاقتصادي، وبالتالي لن تخدم موسكو في هذا المسار (أي اقتصاديًا)، ومن سيخدمها هي الدول العربية، “لذلك فالهدف الرئيس من مسار الدوحة، هو محاولة إيجاد طرق خروج النظام من أزمته الاقتصادية عبر البوابة العربية”.
ويرى الباحث معن طلاع، في حديث إلى عنب بلدي، أن اختيار قطر لتكون بداية لمسار “روسي- قطري- تركي” جاء بسبب امتلاكها علاقات متوازنة مع إيران، وهي رسائل دبلوماسية لإيران بأنها “غير مغيّبة بشكل من الأشكال عن هذا الملف”.
كما أن موسكو بحاجة إلى مسار لا يوجد فيه الإيرانيون، حسب معن طلاع، لأن تدخلهم العسكري أدى إلى عقدة أمنية، شكّلت نقطة خلاف دائمة بين الروس والولايات المتحدة من جهة، وبين الروس وإسرائيل من جهة أخرى.
ولم يتطرق وزيرا خارجية السعودية وقطر في تصريحاتهما إلى رفع العقوبات عن سوريا، لكن وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، قال إن “التحدي الأكبر” الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا اليوم هو قانون “قيصر” (الأمريكي ضد النظام وداعميه)، مضيفًا، “لا بد من وجود مجالات تفتح الباب للعمل المشترك مع سوريا لنا جميعًا”.
كما أن إبقاء قانون “قيصر” كما هو اليوم يجعل الأمر في “غاية الصعوبة ليس لنا كدول، وإنما أيضًا على القطاع الخاص”، بحسب ابن زايد، و”لا بد أن يكون هناك حوار بشأنه، نتحدث فيه بشكل واضح مع أصدقائنا في الولايات المتحدة الأمريكية”.
ورد متحدث باسم الخارجية الأمريكية عبر قناة “الحرة” الأمريكية على تصريح ابن زايد، بأن “الاستقرار في سوريا والمنطقة بشكل أوسع لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين”، وهم ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان إبقاء الحل السياسي في متناول اليد.
وأضاف أن “الأزمة الإنسانية الشديدة الخطورة في سوريا هي نتيجة مباشرة لعرقلة نظام الأسد للمساعدات المنقذة للحياة، والفساد المنهجي، وسوء الإدارة الاقتصادية”.
ثالثها الاقتصادي.. مسارات تعمل عليها روسيا في سوريا
أوضح الباحث معن طلاع أن روسيا تحتاج إلى دور سياسي انطلاقًا من مسار “جنيف”، وصولًا إلى مؤتمري “فيينا- 1″ و”فيينا- 2” والقرار “2254” (الذي يعد إعادة تعريف لبيان جنيف وفق المعطيات العسكرية على الأرض بعد سقوط أحياء حلب الشرقية نهاية عام 2016)، لضمان التوازن في لغة المصالح بينها وبين الولايات المتحدة.
وتستطيع روسيا فرص مصالحها السياسية عبر “جنيف”، أما مسار “أستانة” فهو “مسار تفاعل أمني”، من شأنه تخفيف تكلفة التدخل الروسي عسكريًا وسياسيًا، وبالتالي فإن “أستانة” منصة تحتاج إليها موسكو لتنسيق المشهد في الداخل السوري، خاصة في مناطق شرق الفرات مع الضامنين الآخرين التركي أو الإيراني.
كما أن روسيا بحاجة إلى “أستانة” طالما هناك جغرافيا عسكرية خارج مناطق سيطرة النظام.
والمسار الثالث المحتمل تشكيله (في الدوحة) هو “التفاعل الاقتصادي” (إن صح التعبير).
والمسارات الثلاثة تؤدي أدوارًا متنوعة لغاية واحدة، حسب معن طلاع، هي ضمان إعادة شرعنة رئيس النظام، بشار الأسد، وقبول المجتمع الدولي به، وتجاوز تحديات ما بعد تثبيت الصراع، لا سيما التحديات الاقتصادية والسياسية، والنتيجة “نجاح موسكو وفق تصورها بتصدير نموذج ناجح في تدخلاتها بالشرق الأوسط عبر البوابة السورية”.
إعادة زخم النقاش حول سوريا
أتت جهود وزارة الخارجية الروسية بعد تغيير موازين القوى العسكرية على الأراضي السورية بتدخل روسيا عسكريًا عبر وزارة الدفاع أواخر أيلول 2015، وتغيير كفة موازين القوى العسكرية لمصلحة النظام، خاصة بسيطرته على مدينة حلب في كانون الأول 2016، عبر مسار “أستانة”، الذي بدأ في كانون الثاني 2017.
وتناغمت جهود الخارجية الروسية مع “الحل الصفري” لإعادة شرعنة الأسد، التي بدأت بمسار عودة اللاجئين وإطلاق برنامج عودتهم، لكن المؤشرات تدل على فشل هذا البرنامج وعدم تطبيقه ونجاحه، وبعدها جاءت محاولات إعادة الشرعية مقابل عودة اللاجئين، إلا أن قانون “قيصر” عطّل ذلك، حسب معن طلاع.
وتحاول روسيا إعادة خلق مسار يلتف أو يريد الالتفاف على الوضع الراهن، الذي يمكن تسميته بـ”التجميد”، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، ويعود التجميد بانتكاسات متراكمة على النظام، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي وسبل العيش للحواضن التي تعيش في مناطق سيطرة النظام.
لذلك جاءت جولة لافروف كمحاولة للالتفاف على مسارات “جنيف” و”أستانة”، عبر خلق مسار جديد يضم محاور الدول العربية، بغية إيجاد منصة للتفاهمات الاقتصادية.
أيضًا تهدف روسيا، حسب معن طلاع، من جولة لافروف الأخيرة، إلى جس نبض جل الفاعلين في هذا السياق، وتلمّس الطروحات البديلة، لكن هذا “لا يعدو كونه تكتيكًا لمصلحة الهدف الرئيس، وهو خلق هذا المسار بغية إيجاد مسار يلتف على الواقع الذي فرضه قانون (قيصر) على الدول العربية التي كانت تحاول العودة بطريقة ما إلى شرعنة أو إعادة العلاقات مع النظام”.
خروج النظام من أزمته الاقتصادية عبر البوابة العربية يتطلب اتباع تكتيكات في هذا السياق، لكن تكتيكات واستراتيجيات وزارة الخارجية الروسية “لن تكون ذات جدوى، لأن الروس حتى هذه اللحظة لا يزالون يعتنقون ويعتقدون بضرورة بقاء الأسد وإعادة تسويقه وشرعنته”.
دور عربي ثانوي في الملف السوري.. بحضور موسكو وواشنطن
لا تزال المحددات الأمريكية هي المحددات الرئيسة الناظمة لقرار الدول العربية السياسي تجاه الملف السوري، بدعم اللجنة الدستورية واعتماد بيان “جنيف” والقرار “2254” كأساس للحل السياسي.
والدول العربية غير مستعدة حتى اللحظة للانخراط بأي مسار دون رضا أمريكي، بحسب معن طلاع، الذي استبعد حصول تغيير في تموضع الدول العربية، أو تغيير سلس في المدى القريب عبر إعادة الزخم لهذه الأدوار في الملف السوري، إذ تراجعت إلى أدوار ثانوية.
وأكد البيان الختامي لقمة “العلا” الخليجية، في 5 من كانون الثاني الماضي، اعتماد مبادئ “جنيف 1″، وقرار مجلس الأمن رقم “2254”، لعملية الحل السياسي في سوريا، كما أدان الوجود والتدخل الإيراني في سوريا، مطالبًا بخروج جميع القوات الإيرانية والميليشيات التي جندتها إضافة إلى “حزب الله” اللبناني، بحسب ما نشرته صحيفة “الشرق الأوسط“.
واختتمت قمة مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا شمال غربي السعودية، بتوقيع اتفاق ينهي المقاطعة بين السعودية ومصر والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة ثانية، في الوقت الذي تسلم فيه جو بايدن الحكم في واشنطن، ليعيد البيت الأبيض إلى حقبة “الديمقراطيين”.
وجرت القمة بحضور أمير قطر، تميم بن حمد، في زيارة هي الأولى من نوعها للرياض منذ فرض السعودية ومصر والبحرين والإمارات حصارًا على قطر في 5 من حزيران عام 2017.
تعليقات الإمارات وقطر والسعودية خلال زيارة لافروف
· بدء مشوار عودة سوريا إلى محيطها أمر لا بد منه، والأمر لا يتعلق بمن يريد أو لا يريد، فالمسألة هي مسألة المصلحة العامة، مصلحة سوريا ومصلحة المنطقة.
ولا يمكن إلا العمل على عودة سوريا إلى محيطها الإقليمي، وبحث الأدوار المهمة التي تعود فيها سوريا إلى الجامعة العربية، على الرغم من وجود “منغصات بين الأطراف”.
وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد
· التسوية السورية تتطلب حلًا سياسيًا، والتوافق بين النظام والمعارضة، وسوريا تستحق “العودة إلى الحضن العربي”.
وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان
· أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ما زالت قائمة، والقضية السورية في “عقول وقلوب الشعب القطري”.
جميع فرص التعاون بين الدول يجب استغلالها، وسنكون مكملين للجهود الدولية للوصول إلى تسوية للأزمة السورية.
وزير الخارجية القطري، محمد آل ثاني