عنب بلدي – خولة حفظي
مع تسارع وتيرة انخفاض قيمة العملة السورية، وتراجع الليرة إلى مستويات قياسية متدنية أمام الدولار، خرجت أصوات اقتصادية من داخل مناطق سيطرة النظام للمطالبة بتعديل مرسوم تجريم التعامل بالدولار.
اقترحت “هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية”، في 23 من شباط الماضي، تعديل المرسوم الخاص بتجريم المتعاملين بالدولار في مناطق سيطرة النظام السوري، وإيجاد الآلية المناسبة والقانونية لتأمين ما يحتاج إليه السوريون من القطع الأجنبي، من دون مخالفة المرسوم والأنظمة النقدية والمالية.
ودعت الهيئة إلى تعديل المرسوم رقم “3” لعام 2020، الذي يجرم التعامل بالدولار، وإيجاد قنوات رسمية للفعاليات الاقتصادية للتعامل بالدولار.
وتزامن الاقتراح “الأول من نوعه” مع ارتفاع غير مسبوق في سعر صرف الليرة السورية، إذ تجاوز سعر الدولار الواحد في “السوق السوداء” بدمشق، في آذار الحالي، حاجز أربعة آلاف ليرة سورية.
بينما يثبّت مصرف سوريا المركزي سعر صرف الدولار الواحد عند 1256 ليرة سورية، بحسب النشرة الرسمية.
وتواصلت عنب بلدي مع خبراء اقتصاديين، للوقوف على آرائهم حول إمكانية إلغاء المرسوم رقم “3”، والتأثير المتوقع على سعر صرف الليرة السورية في حال اتخاذ قرار بذلك.
مرسوم يعامل التجار كـ”مجرمين”
في 18 من كانون الثاني 2020، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المرسوم رقم “3”، الذي يقضي بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة السورية.
ويرى الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن، كرم شعار، أن التاجر الذي ينهي معاملاته بشكل قانوني (يخلص بضاعته جمركيًا وفق القانون، ويستورد مواد غير ممنوعة ويبيعها في الداخل السوري بشكل نظامي)، أصبح عمليًا بموجب المرسوم رقم “3” يعمل خارج القانون ويخالفه، إذا كان إنهاء عملية البيع والشراء يجري في مصرف خارج سوريا (يتعامل بالدولار).
وأوضح شعار أن المرسوم يعتبر الأشخاص الذين يتعاملون مع مصارف خارج سوريا “مجرمين”، ويخلق حالة من “الرهاب” في التعامل بالدولار لدرجة بدأت تؤثر على أعمال الشركات.
بينما يصف الدكتور في العلوم المصرفية والمالية فراس شعبو، تجريم التعامل بالدولار بأنه “قرار أمني”، ولا يصب في مصلحة سوريا الاقتصادية.
وقال شعبو، إن المؤسسات المالية غير موجودة في سوريا، فلا “هيئة أوراق مالية” ولا “بورصة”، وحجم التداول “مخجل ومعيب”، وتصريحات المصرف المركزي تصدر “بصيغة أمنية” (سنحاسب، سنضرب بيد من حديد…).
من يستفيد من الوضع القائم؟
ينص المرسوم رقم “3” على معاقبة كل شخص يتعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، “بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات”.
كما يعاقب بـ”الغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامَل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة”، إضافة إلى مصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامَل بها أو المعادن الثمينة لمصلحة مصرف سوريا المركزي.
ولكن الدكتور في العلوم المصرفية والمالية فراس شعبو، أشار إلى أن “هناك من يستفيد من الوضع القائم في سوريا، وهم تجار الحرب والأمراء وبعض المحسوبين على النظام وروسيا وإيران”.
واعتبر شعبو أنه لا يوجد من يتاجر بالدولار في مناطق سيطرة النظام السوري، “إلا له ظهر سواء من الروس أو الإيرانيين، وبالتالي يحقق إيرادات هائلة”.
ويبيع مصرف سوريا المركزي دولار “دعم الاستيراد” للتجار بسعر 1250، ولكن التجار أنفسهم يسعّرون بضائعهم المستوردة بسعر الدولار في “السوق السوداء” (أربعة آلاف ليرة)، ولا يخضعون للملاحقة لأنهم من “أركان الدولة” وأعمدتها، بحسب شعبو.
“هامش مخاطرة قد يرفع سعر الدولار”
طرح مصرف سوريا المركزي، في 24 من كانون الثاني الماضي، أوراقًا نقدية جديدة من فئة خمسة آلاف ليرة سورية للتداول، وراهنت حكومة النظام السوري على عدم تأثر سعر صرف الليرة وأسعار المواد في الأسواق بالفئة الجديدة، ولكن المجريات على الأرض كانت معاكسة.
وقد تسود “حالة من الارتياح” في الأسواق بحال إلغاء المرسوم رقم “3”، فالتاجر سيحصل على الدولار بسعر قريب، بحسب الدكتور في العلوم المصرفية والمالية فراس شعبو.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن من شأن تعديل أو إلغاء المرسوم، إعطاء “هامش أكبر للتجار والحوالات لتدخل إلى مناطق سيطرة النظام السوري، وسيكون هذا مريحًا للأسواق، ويشجع حياة اقتصادية نوعًا ما”.
ولكن “الوضع الأمني والخوف يزيد من سعر الدولار نتيجة المخاطرة، وبالتالي سيُضاف هامش مخاطرة على صرف الدولار”.
وتوقع شعبو أن تشهد الفترة المتوسطة “ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الصرف”، أي أن الحكومة “وجدت حلًا لمشكلة منع التعامل بالدولار لكنها وقعت بمشكلة إعادة أسعار الصرف والتدهور المستمر، لأن الطلب على العملة الصعبة سيكون لا نهائيًا، بينما المعروض لا يكفي لسد الطلب”.
أدوات مصرفية غير متوفرة
يقدر البنك الدولي أن 1.6 مليار دولار كانت تصل سنويًا إلى الداخل السوري، بحسب ما أكده الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث كرم شعار، لعنب بلدي في وقت سابق.
ولا تدخل الحوالات عبر القنوات الرسمية للنظام، بسبب تحديد سعر “قليل جدًا” (1256 ليرة للدولار)، مقارنة بسعر “السوق السوداء”.
ويرى الدكتور في العلوم المصرفية والمالية فراس شعبو، أنه في حال إلغاء المرسوم رقم “3”، أي السماح بالتعامل بالدولار، وإبقاء تسعير دولار الحوالات دون تعديل، فإنه “لن تكون هناك فائدة من القرار”، وسيخلق ذلك طلبًا متزايدًا على الدولار.
وأوضح شعبو أن “الدولة تخفي ضعفها بطريقة العرض الحالية، من خلال اتباع أساليب أمنية”، ولكن في حال سمحت بالتعامل بالدولار بشكل كبير “سينكشف عدم قدرتها على تلبية الطلب، وبالتالي ستصبح هناك أرقام خيالية لسعر الصرف”.
ولا تمتلك الدولة القدرة على التحكم بسعر الصرف لتستطيع التعامل مع أي واقع جديد، لأنها لا تملك الأدوات اللازمة، مثل القدرة على ضخ الدولار أو سحبه.
إلغاء مستبعد
استبعد الخبراء الاقتصاديون ممن التقت بهم عنب بلدي، أن يلجأ النظام السوري إلى إلغاء المرسوم رقم “3”.
وقال الدكتور كرم شعار، إن تأثير إلغاء المرسوم رقم “3”، في حال اتخاذه، سيكون “محدودًا”، ولن يغيّر المشهد الاقتصادي “بشكل كبير جدًا”.
وأشار شعار إلى أن التعديل على المرسوم، في حال حصل، يجب أن يكون مرتبطًا بتعامل التجار مع المصارف خارج سوريا، التي يتعاملون معها بطرق قانونية لإنهاء عملياتهم التجارية.
أما الدكتور فراس شعبو فأوضح أن الوضع الاقتصادي في سوريا “غير سليم بالمطلق”، في حال “فرضنا وجود أسس اقتصادية في سوريا”، حيث لا توجد أسس مالية ولا نقدية، والحكومة مفرغة تمامًا، كما أن القطاعات الاقتصادية خارج سيطرة النظام “مؤجرة للروس والإيرانيين”.
ويعتقد شعبو أن أي “استراتيجية أو قرار لن تثمر”، لأن النظام لا يتخذ قرارات إلا إذا كانت في “مصلحته أو مصلحة أركانه”، وليس ما يصب في خانة “القنوات الرسمية”.