“منتصف الليل في باريس”.. رحلة بين الحاضر والماضي في مدينة الأضواء
يصحبنا المخرج والكاتب الأمريكي وودي آلن، في رحلة باريسية بين الحاضر والماضي، وعبر أزقة ورموز المدينة في فيلم الكوميديا والفانتازيا “منتصف الليل في باريس” (Midnight in Paris).
يعرض الفيلم الصادر في عام 2011 قصة كاتب السيناريو الأمريكي الناجح “غيل بندر” الذي يذهب مع خطيبته في إجازة برفقة والديها الثريين إلى باريس.
يُسحر “غيل” بجمال المدينة عبر جميع فصولها، وهو ما يعتبر بالأساس هوس المخرج وودي آلن في باريس وماضيها الذي تخللته رموز ثقافية لكتّاب وموسيقيين ورسامين.
ففي إحدى المقابلات التي تلت صدور الفيلم مع آلن، قال “عندما أفكر بباريس، أفكر بالرومانسية، فلكل مدينة أجواء معيّنة تؤثر عليك عندما تكتب”.
وتستعرض كاميرا آلن في افتتاحية الفيلم شوارع ومعالم المدينة الأثرية والتاريخية عبر لقطات واسعة استمرت ثلاث دقائق تقريبًا، وتبدأ من السماء الساطعة خلال النهار التي تنطفئ تدريجيًا ليحل الليل مع هطول المطر،
إذ تضع المُشاهد في أجواء باريسية صاحبتها موسيقى عازف “الكلارينت” سيدني بيشيت.
“غيل” شخصية متواضعة ومعتدلة، ويسعى لإنهاء روايته الأولى، فرغم موهبته لديه شكوك وهواجس حول جودتها، وتدور حبكة الرواية حول قصة رجل يعمل في متجر “نوستالجيا” (Nostalgia Shop)، وهو متجر يتضمن أشياء ومقتنيات قديمة تنتمي إلى عقود وعصور سابقة، فمعنى”نوستالجيا” الحرفي هو “الحنين إلى الماضي”.
ويقول الناقد السينمائي الأمريكي روجر إيبرت، عن شخصية “غيل”، “إنه كاتب سيناريو من هوليوود لا يزال يحلم بكتابة رواية جيدة يومًا ما والانضمام إلى مجموعة الكتّاب الأمريكيين الذين يبدو أن أشباحهم باقية في الهواء الذي يتنفسه”.
ففي إحدى الليالي، يذهب “غيل” مع خطيبته “إينيز” برفقة أصدقائهم لحفلة “تذوق نبيذ”، ويقرر بعدها “غيل” السير للعودة إلى الفندق والتجول بمفرده.
يتيه “غيل” في الشوارع، ثم يجلس على درجات كنيسة في طريق خالٍ، وبينما يرن جرس الكنيسة في منتصف الليل، تتوقف عربة “بيجو” قديمة إلى جانب “غيل” بداخلها أشخاص يحتفلون، ويأخذونه إلى حفلة مليئة برموز الفن والأدب من عشرينيات القرن الماضي، الذين يعتبرهم “غيل” قدوته.
كما يصاحب المشهد غناء الملحن الأمريكي كول بورتر، المشهور في ذلك الوقت، وعلى إيقاع أغنية “لنقع في الحب” .(Lets Fall in Love)
يظن “غيل” لوهلة أنه مخمور عندما لا يستطيع تفسير كيف حصل ذلك، كما تتكاثر عليه الصدف، ويلتقي بالمؤلف والكاتب الأمريكي وزوجته (سكوت وزيلدا فيتزجيرالد)، الذي يعد أحد أعظم الكتّاب الأمريكيين في القرن الـ20، ليعلم لاحقًا أيضًا أن الحفلة المقامة هي بضيافة المخرج والكاتب الفرنسي جان كوكتو.
كما يلتقي بعد عدّة مشاهدة بمثله الأعلى على الإطلاق الروائي الأمريكي إرنست همينغواي.
يقول الناقد السينمائي إيبرت “ينجرف (غيل) ويجد نفسه غارقًا في عصر الجاز وجميع أساطيرها، فروايته تدور حول رجل يدير متجر (نوستالجيا)، وها هو في الزمان والمكان الذي يشعر بالحنين إليه”.
يتوجه مخرج وكاتب الفيلم بفيلمه إلى فئة المشاهدين المفتونين بكتّاب وروائيي وفناني القرن الـ20، الذين هم على دراية بالرموز الأدبية المشهورة حينها كـ”فيتزجيرالد” و”هيمنغواي” و”توم إليوت”، وكذلك الرسامين كـ”بياكسو” وسلفادور دالي”، ومخرجين وكتاب سيناريو مثل “لويس بونويل” و”لويس مال”.
ولطالما عشق آلن عصر الجاز وأعمال الأدباء والمثقفين في ذلك العصر، كما لا يعطي تفسيرًا في فيلمه حول حدوث هذا التنقل عبر الزمن، فربما هذه الأحداث برمتها هي “أحلام اليقظة” الخاصة بـ”غيل”.
ويتقمص الممثل الأمريكي أوين ويلسون الذي أدى شخصية “غيل” أسلوب وطريقة وودي آلن في التمثيل ذاتها، وبحسب الناقد روجر إيبرت “(غيل) بالطبع هو انعكاس لآلن، كما هي الحال دائمًا في أفلامه التي يجب أن تكون هناك شخصية تحاكيه”.
ويبتعد آلن في الفيلم عن استخدام اللقطات القريبة (close up)، بل يستخدم اللقطات الواسعة (wide shot) لإظهار شخصياته ضمن المحيط والأجواء المحيطة بهم.
ويطغى على المشاهد استخدام الإضاءة التي تعطي لونًا برتقاليًا، ما يعطي دفئًا للمشاهد وتباينًا بين الزمنين الحاضر والماضي، إذ أشرف على الإضاءة مدير التصوير الإيراني- الفرنسي داريوس خوندجي، الذي رُشّح فيها لجائزة “Independent Spirit Awards” كأفضل تصوير سينمائي.
يخوض “غيل” علاقتين عاطفيتين بين الماضي والحاضر، وتعتبر هذه التجربة إلهامًا له وبمثابة الحل حول ماذا يجب أن يفعله بمستقبله المهني والشخصي.
لقي فيلم “منتصف الليل في باريس” احتفاء واسعًا من النقاد والمهرجانات العالمية، وفاز آلن بجائزة الأكاديمية (أوسكار) لأفضل سيناريو أصلي في عام 2011.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :