نقص الدعم يدفع المدرّسين بإدلب إلى البحث عن مهن بديلة

  • 2021/03/14
  • 9:32 ص

مدرس متطوع في مخيم بريف إدلب الشمالي - شباط 2021 (عنب بلدي/ يوسف غريبي)

إدلب – يوسف غريبي

أنهى ساهر عمله التطوعي في المدرسة الواقعة في بلدة نحلة بريف إدلب الجنوبي، وانطلق إلى عمله الثاني بصيانة أبراج الإنترنت، ليقتل بقصف مدفعي على أطراف بلدته بزابور، في 24 من شباط الماضي.

ساهر الجزار، مدرس مادة “الاجتماعيات”، هو أب لطفلتين عاشتا بعيدًا عنه في اللاذقية مع والدتهما، وكان يعمل للزواج من جديد، مضطرًا لاختيار مهنة أخرى مع عمله الأساسي، الذي لم يحصل على أجر لقاءه منذ عام.

اكتفت مديرية التربية والتعليم في إدلب بتعزية أهل المدرّس المتوفى، وهي لا تملك سبلًا لتأمين الرواتب والتعويضات للمعلمين، الذين لجؤوا إلى مهن شاقة وخطرة وغير معتادة لحملة الشهادات، بسبب سوء أوضاعهم المالية.

ومنذ بداية عام 2020، انقطع الدعم عن المدرّسين في محافظة إدلب، نتيجة إيقاف دعم الاتحاد الأوروبي، واقتصاره على الحلقة الأولى، بينما كان يحوله عبر منظمة “مناهل” للحلقة الثانية والمرحلة الثانوية أيضًا، حسبما قال مدير دائرة التعليم الأساسي في مديرية التربية والتعليم في إدلب، محمود الباشا، لعنب بلدي.

تطوع لأجل “القداسة”

بعد 30 عامًا على عمله بالتعليم، يؤمن مدير مدرسة “جيل النصر”، حسين هاشم، بـ”قداسة” مهنته، التي يستمر بالعمل بها متطوعًا منذ ما يزيد على عام، لم يتقاضَ خلاله سوى منحة بقيمة مئتي دولار، في تموز 2020، كرّم بها التلاميذ المتفوقين، حسبما قال لعنب بلدي.

يعتمد الرجل الخمسيني على الأعمال الحرة في تأمين مصروف عائلته المكونة من ثمانية أشخاص، أحيانًا يحتطب ويبيع، وأحيانًا يعمل بالقطاف في المواسم الزراعية، “مهنة التعليم مهنة ضمير ورسالة الأنبياء”، على حد وصف حسين، الذي يرى أن التعليم لن يفشل طالما بقي هناك معلمون مهتمون بإيصال العلم إلى الجيل الناشئ “مهما كلف الثمن”.

“لا أخفيك، المعلم عندما يكون له دخل ثابت يدخل الصف ليس كما يدخله وهو يفكر برغيف الخبز وإيجار البيت”، قال حسين، مشيرًا إلى أنه لو وجدت جهة تضبط المنظمات وتعمل على تنفيذ مشاريع تكون عائداتها للتعليم لكان حال التعليم أفضل.

كيف يتأثر التعليم بنقص الدعم

أكد مدير دائرة التعليم الأساسي في مديرية التربية في إدلب، محمود الباشا، أن نقص الدعم يؤثر على جودة التعليم، ولم يصل إلى المستوى المطلوب، فحين يتقاضى المدرس راتبًا لقاء عمله يزيد عطاؤه وجديته، ويكلف بمهام أخرى، “بينما المتطوع لا نستطيع الإلحاح عليه”، حسبما قال لعنب بلدي.

يبلغ عدد المدرّسين في المنطقة 20 ألفًا، بينهم 5500 مدرّس يعملون بشكل تطوعي، حسبما قال الباشا، موضحًا أن أكثر من 60 منظمة تدعم التعليم في محافظة إدلب، وهو ما يقود لتفاوت في أجور المعلمين بحسب المنظمات الداعمة.

وبرأي الباشا فإن مستقبل التعليم مجهول “لا يعلمه إلا الله”، لكن هناك مؤشرات إذا استمرت حالة الاستقرار النسبي بعد اتفاق “وقف إطلاق النار” على الجبهات مع النظام السوري، الذي يشهد خروقات مستمرة منذ أن توصلت إليه روسيا وتركيا قبل عام، أن يكون هناك دعم أوروبي أو تركي ومن الممكن أمريكي، أو من المنظمات الشريكة التي كانت تعمل الأرض السورية.

من جهته، قال مشرف مديرية التربية والتعليم في حماة، خالد الفارس، لعنب بلدي، إن لقلة الدعم آثارًا سلبية “للغاية” على العملية التعليمية، لأن المدرّس قد يضطر لترك التعليم والبحث عن وظائف بديلة، لتأمين احتياجات عائلته.

وبالنسبة لمديرية التربية في حماة، فلديها 18 مدرسة موزعة في مناطق شمالي إدلب، ويعمل فيها 159 معلمًا ومعلمة، بينهم 25 يتقاضون راتبًا و124 متطوعًا منذ بداية العام الحالي، حسبما قال الفارس.

وبرأي الفارس، فإن سبب نقص الدعم الموجه للتعليم هو التوجه لمشاريع أخرى، مثل الصحة وإصلاح البنية التحتية والإغاثة، وعلى الرغم من كثرة المنظمات الداعمة للتعليم، لا تغطي 20% من حاجته في المنطقة.

ويرى الفارس أن الحل هو التنسيق مع وكالة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، لدعم المنطقة والحكومة الموجودة (حكومة الإنقاذ)، حتى يتحرر قطاع التعليم من تحكم المنظمات وما تفرضه على المدارس من شروط، اعتذر عن عدم ذكرها.

وأوضح المشرف التربوي في مديرية حماة أن المبلغ المطلوب شهريًا لراتب المدرّس هو 150 دولارًا، حتى يستطيع العيش “حياة طبيعية ليست مثالية”، وبرأي الفارس، دون الدعم، تبقى احتمالات الارتقاء بالتعليم ضعيفة في المنطقة.

المبادرات الأهلية.. هل تسد الحاجة؟

أقام ناشطون وسكان في عدد من المدن والبلدات بمحافظة إدلب مبادرات أهلية لدعم المعلمين وتأمين رواتبهم اللازمة، خشية من تركهم لوظائفهم تحت الضغوط المادية، وتمثلت بحملات لجمع المال من السكان والمغتربين لدعم صناديق التعليم في تلك المناطق.

وصف فادي العبسي، أحد أعضاء “لجنة طوارئ أريحا” الخيرية، حال التعليم بـ”الحرب”، وقال لعنب بلدي، “ندرك جميعًا أنه لا يمكن لأمة أن تنهض إلا بالعلم”، وهو ما دفع سكان المنطقة لإقامة حملة لدعم المدرّسين.

أدارت “لجنة الطوارئ” في أريحا منذ بداية العام الدراسي جمع التبرعات للمعلمين، كي لا ينقطعوا عن تعليم أبناء المنطقة، التي تبتعد عنها المنظمات الداعمة، نتيجة قربها من خطوط التماس مع النظام السوري.

وأوضح فادي أن المبادرة انطلقت بمشاركة “أهل الخير”، من داخل المدينة وبعض المغتربين من أهلها، لدعم 180 مدرّسًا في أكثر من عشر مدارس بمدينة أريحا.

ولم تحقق المبادرة الحد المأمول، حسبما قال فادي، لكن تحقق جزء، وقدمت راتبًا واحدًا، بقيمة 120 دولارًا، لكل مدرّس، وما زالت الحملة قائمة على أمل تغطية الفصل الثاني، على الرغم من اقتناع عضو اللجنة بأن المبادرات الأهلية لا يمكن أن تحل مشكلة المعلمين.

ولم يسلم الطلاب من آثار نقص دعم المعلمين، لأن بعض الأهالي اتجهوا إلى صرف الأولاد عن المدرسة بحجة عدم وجود تعليم، وبعضهم الآخر اتجه نحو التعليم الخاص، وهم قلة، حسب رأي فادي، الذي أضاف أنه لا يمكن الاستغناء عن المدرسة “فهي الأصل والأساس”.

“كويسة”، هكذا وصف المشرف في مديرية التربية والتعليم في حماة، خالد الفارس، المبادرات الأهلية للتعليم، مثل التي أقيمت في كفرتخاريم وجسر الشغور وغيرها، معتبرًا أنها رفعت مستوى التعليم بشكل “ممتاز”، لكنها لا ترقى لتأمين رواتب المعلمين واللوجستيات التي تحتاج إلى حكومات تخصص كتلة مالية دائمة لحل المشكلة.

ويرى مدير مدرسة “جبل النصر”، حسين هاشم، أن المبادرات الأهلية لا ترتقي إلى طموح المعلمين، ولا تكفي لتغطية جزء من التكلفة التشغيلية للمدارس، لكن برأيه، يمكن للتكافل الاجتماعي، إن دعمته المنظمات ووُزع بشكل عادل، أن يكون كافيًا لجميع المدارس في المناطق “المحررة”.

مقالات متعلقة

تعليم

المزيد من تعليم