الأمريكيون يشدّدون من “قيصرهم”.. ونظام الأسد يفقد ساقيه
أسامة آغي
أخطاء كثيرة وكبيرة ارتكبها نظام بشار الأسد، منذ إعلانه الحرب على الشعب السوري بمواجهة الثورة السلمية بقوة السلاح، ومن هذه الأخطاء، أنه اعتقد بقدرته على سحق هذه الثورة بالعنف المفرط، دون أن يدع لنفسه ولنظامه طريقًا للرجعة.
نظام بشار الأسد ظنّ أن حليفه الإيراني يستطيع معه هزيمة السوريين، ثمّ وسّع ظنه بدور الروس بعد تدخلهم في سوريا لمصلحته، لكنّ الذي لم يخطر ببال هذا النظام، أن انتصاراته التي حققها عنه الروس على الأرض، ستكشف عن هزيمة مرعبة، سيتذوق طعمها بمرارة، دون أن يقدر على تجاوزها، هذه الهزيمة اسمها العقوبات الاقتصادية الخانقة.
راهن الروس والإيرانيون والنظام السوري على تغيرات سياسية متوقعة، ستحدث مع مجيء جو بايدن، وهم يتخيلون أن إدارة بايدن امتداد لسياسات أوباما، متجاهلين أن السياسات الأمريكية الاستراتيجية، ترسمها أجهزة الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية.
بايدن، لم يحمل العسل الذي ينتظره الإيرانيون، والذي أذاقهم أوباما بعضًا منه، إذ أغمض الأخير عينيه عن تورطهم المتزايد في صراعات المنطقة (لبنان وسوريا والعراق واليمن)، هذا التوريط سياسة أمريكية لم يدركها الإيرانيون، فالأمريكيون كانوا يحسبون حدود التورط الإيراني، ويعرفون متى يصل إلى عتبة الاستنزاف، التي لا رجعة عنها.
أُسقط بيد الروس، أن جو بايدن واجههم منذ البداية بضرورة الخروج من شبه جزيرة القرم، وبالعمل مع المجتمع الدولي على تنفيذ القرار “2254”، وبأن مسار “أستانة” لن يفضي إلى حل سياسي كما يريدون، فالأتراك، رغم أنهم شركاء بهذا المسار، كانوا أبلغوا الضامنين الآخرين (روسيا وإيران)، بأن حل الصراع السياسي في سوريا يكون في جنيف وفق القرارات الدولية ذات الصلة.
عجزُ الروس عن اختراق الموقف الأوروبي والأمريكي، بشأن رفع العقوبات عن نظام الأسد، دفعهم للبحث عن أي وسيلة ممكنة، أو متاحة، لإبعاد خطر نتائج قانون “قيصر” عن النظام السوري، ولعلّ ذهاب لافروف إلى الخاصرة الضعيفة الهشّة في الخليج (الإمارات العربية)، وتصريحاته مع نظيره عبد الله بن زايد حول ضرورة رفع العقوبات عن نظام الأسد، وعودته إلى مقعد سوريا في الجامعة العربية، اصطدمت بردٍ أمريكي سريع.
هذا الرد أتى من البيت الأبيض الأمريكي، حيث عقّب متحدث باسمه على كلام عبد الله بن زايد، قائلًا: “أعتقد أن الاستقرار في سوريا، والمنطقة بشكل أوسع، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية، تمثّل إرادة جميع السوريين، ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء، والشركاء، والأمم المتحدة، لضمان إبقاء الحل السياسي في متناول اليد”.
الرد الرسمي الأمريكي، تزامن مع توضيحات للإعلامي الأمريكي الشهير جاك بوسوبيك، مذيع شبكة أخبار أمريكا حيث قال: “إن بايدن اقترب من إنهاء مخططه حول بشار الأسد”.
لم يوضح بوسوبيك ماهية هذا المخطط، ولكن مجلس الشيوخ الأمريكي أصدر بيانًا رسميًا عن لجنة العلاقات العامة فيه، بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة السورية، جاء فيه: ” ندين بشدّة الفظائع التي يرتكبها نظام الأسد ضدّ المواطنين السوريين، ونؤكد التزام الولايات المتحدة بمحاسبة أركان النظام وداعميه على جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية”.
الموقف الأوروبي لم يخرج عن مساره المعلن حيال الصراع السوري، فقد أكد الناطق باسم الاتحاد الأوروبي ثبات موقفهم من الحل السياسي في سوريا وفق القرار “2254”، عبر العملية السياسية، وأن الاتحاد الأوروبي لن يرفع العقوبات عن النظام السوري أو يسهم بإعادة الإعمار، قبل البدء بالانتقال السياسي الحقيقي وفق القرار الدولي المذكور.
أمام هذه اللوحة الواضحة، لن يستطيع النظام السوري بعد الآن اجتراح معجزة تنقذه، حيث بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد 4000 ليرة، وهذا ليس حدّها الذي ستتوقف عنده، فلا تزال العقوبات تسهم بخنقه اقتصاديًا، لإجباره على الذهاب صاغرًا للتفاوض في جنيف مع قوى الثورة والمعارضة، التي يحاول نكران وجودها.
إن حاضنة النظام تجوع، وليس بيده أي حل، فهو فقد القدرة على السير بمواجهة هذه الكوارث، التي أحدثها بصلفه وحربه على شعبه، وهذا يعني أنه يتآكل كنظام، وأن حليفيه الإيراني والروسي لن يستطيعا إنقاذه، لأنهما واقعان بحقل العقوبات، التي تلتهم قدرتهما على تحمّل نتائجها.
إن ذهاب لافروف إلى الإمارات، ثم إلى قطر، وحدوث اجتماع ثلاثي بينه وبين نظيريه القطري والتركي في 10 و11 من آذار الحالي، ليس أكثر من محاولة روسية يائسة، لاستكشاف طريق يمكنهم (أي الروس) من خلاله مساعدة النظام السوري للبقاء أكثر، والبحث عن طريق يمكنهم عبره فصل مصالحهم في سوريا عن مصالح نظام ينهار بسرعة، إذ صار الروس على قناعة عميقة، أن الأمريكيين يريدون اصطيادهم في الوحل السوري، وهم يحاولون تجنب ذلك، لأن طعم هزيمتهم في أفغانستان لا يزال في فمهم.
الروس، الذين عرقلوا محادثات اللجنة الدستورية في جنيف، لن يتمكنوا بعد الآن من حماية حليفهم في دمشق، ولن يستطيعوا سدّ الطريق أمام اضطراره لدفع فاتورة الحل السياسي.
لهذا، ووفق هذه الرؤية الملموسة، عمد الروس إلى تنشيط فكرة جانبية، يمكنهم من خلالها إبقاء نفوذهم في لعبة الصراع السوري، هذه الفكرة هي تشكيل مجلس حكم عسكري انتقالي، يتمّ من خلاله ترحيل الأسد ببديل لا يشكّل خطرًا على مصالحهم في سوريا، لكنهم ليسوا متيقنين من تمرير فكرتهم، وهذا سبب تنصلهم من تبنّي الفكرة.
الروس، الذين عرقلوا لخمس سنوات تنفيذ القرار “2254”، لن يكون بمقدورهم بعد الآن اللعب على الوقت، فالكارثة التي يعيشها نظام الأسد تشبه كرة الثلج المتدحرجة من جبل مرتفع، تكبر كلما تدحرجت أكثر، ولهذا لن تفيدهم لعبة تمرير انتخابات باطلة، ولا شرعية، لنظام غارق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يتهمه بها العالم أجمع.
ليس أمام الروس حل، الحل الوحيد الممكن هو الحل الذي عرقلوه حتى اللحظة، وهو تنفيذ القرار “2254”، عبر التفاوض في جنيف. فالنظام فقد ساقيه اللتين يمشي بهما، بفقده توفير أي مصدر مالي لاستمراره في حربه ضد الشعب السوري وثورته العظيمة.
فهل يغيّر الروس من اتجاه بوصلتهم لتشير إلى مسار الحل الدولي للصراع، أم أن بوصلتهم تشبه بوصلة نظام الأسد، التي لا تؤشر إلا إلى حل يضمن تجديد نظامهم، وهو حل لن يصلوا إليه مطلقًا بعد اليوم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :