هل ستبقى عائلات تنظيم “الدولة” بين السوريين؟
عنب بلدي- روزنة
في 26 من شباط الماضي، قضت المحكمة العليا البريطانية برفض عودة شميمة بيغوم (المعروفة بـ”عروس داعش”) إلى بلادها، وبالتالي ستبقى محتجزة مع عائلات التنظيم في شمال شرقي سوريا، ولن تتمكن من المطالبة القانونية بالاحتفاظ بجنسيتها، التي صودرت منها في العام 2019.
وقال رئيس المحكمة، اللورد ريد، عند إعلانه القرار، إن “المحكمة العليا قررت بالإجماع قبول جميع الالتماسات التي قدمتها وزارة الداخلية، بينما رُفض الالتماس المضاد المقدم من بيغوم”، معتبرًا أن حقها بالعودة “لا يتفوق على اعتبارات أخرى وهي سلامة الشعب البريطاني”.
برنامج “صدى الشارع” المُذاع عبر راديو “روزنة” تساءل عن سبب بقاء أسرى تنظيم “الدولة” وعائلاتهم في سوريا وعدم استرجاعهم من دولهم.
تأثير المماطلة في إعادة عناصر التنظيم على المجتمع السوري
وتوجد مماطلة من الدول الأوروبية باسترجاع مواطنيها من أسرى التنظيم، إضافة إلى حالات تهريب للأسرى من المخيمات.
الحقوقي والإعلامي معاذ يوسف، اعتبر أن مسؤولية وجود “أسرى التنظيم” في سوريا تقع على المجتمع الدولي بشكل عام.
وقال يوسف، إن هناك عبئًا على “الإدارة الذاتية”، وإن وجود عائلات التنظيم تقع على عاتق دولهم، بينما يواجه البعض تجريدهم من جنسياتهم وبالتالي يبقون بلا جنسيات.
مسؤول العلاقات العامة في مركز “الفرات للدراسات”، وليد شولي، تحدث عن وجود مناشدات من “الإدارة الذاتية” تتركز حول عدم إمكانية إبقاء عناصر التنظيم في سوريا، فاحتجازهم من الجانب الأمني والاقتصادي أمر مكلف.
وأشار شولي إلى مؤتمرات عُقدت بشان سبل وضع حلول لمشكلة الأسرى، موضحًا أنه لم يكن هناك تجاوب دولي مع القضية.
قضية صارت شأنًا عالميًا
الكاتب والباحث السوري في الجماعات الإسلامية عرابي عرابي، قال إن قضية أسرى التنظيم في المخيمات ومخيم “الهول” هي قضية شأن عالمي وليست قضية محلية، والمقاربة العالمية لا تنفع في الحالة السورية.
فمثلًا في “حرب الشيشان”، كان عدد من يأتون إليها لا يتجاوز 500 مقاتل، أما حاليًا في الحالة السورية فإن الدول تفضل أن تترك هذا الموضوع معلّقًا إلى أجل غير مسمى.
وأشار عرابي إلى أن أعداد مقاتلي تنظيم “الدولة” الأجانب ممن جاؤوا إلى سوريا يتراوح بين 30 و40 ألفًا، لافتًا إلى أن مجموعة دول استعادت مقاتليها ممن أُسروا وبقوا على قيد الحياة مثل المغرب والسعودية وروسيا.
لكن الدول الأوروبية لم تُعِد مواطنيها رغم أن عددهم أقل من عدد مقاتلي الدول الأخرى، وتركت الموضوع معلّقًا.
وأضاف الباحث أن السيناريوهات لبقائهم عديدة، ففي تجربة وحيدة كانت في البوسنة والهرسك، اندمج عدد قليل من المقاتلين في المجتمع البوسني، فمُنحوا الجنسية.
لكن في سوريا الحالة مختلفة، إذ يوجد نحو 12 ألف مقاتل وامرأة وطفل في سوريا، وتوقع الباحث عرابي أن تكون المضاعفات مستقبلًا خطيرة، مثل السيطرة على بعض السجون، وبالتالي تزداد المنطقة سوءًا.
واستبعد الباحث عرابي أن يُعيد التنظيم تشكيل نفسه، في ظل وجود تجمعات لعناصر التنظيم، موضحًا أن التنظيم لن ينشئ نفسه تحت مسمى جديد.
تحذير من تحول أطفال “الهول” إلى “التطرف”
وفي شباط الماضي، تجددت دعوات مسؤولين أمميين إلى إعادة عشرات الآلاف من النساء والأطفال المشتبه في صلتهم بتنظيم “الدولة الإسلامية”، محذرين من أن العديد منهم أصبحوا “متطرفين” في مخيمات “متدهورة” في سوريا والعراق.
وقال رئيس مركز “الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب”، فلاديمير فورونكوف، إن حوالي 27 ألفًا و500 طفل أجنبي “في طريق الأذى”، بمخيمات شمال شرقي سوريا، بمن في ذلك حوالي ثمانية آلاف طفل من حوالي 60 دولة غير العراق، 90% منهم تحت سن 12 عامًا، بعد عامين تقريبًا من هزيمة تنظيم “الدولة”.
وقال المسؤول الأممي في اجتماع لمجلس الأمن الدولي، في 10 من شباط الماضي، إن من المأساوي أن المجتمع الدولي “أحرز بالكاد أي تقدم”، في معالجة قضية هؤلاء الأطفال والنساء على الرغم من أن “التحديات والمخاطر تزداد خطورة مع الإهمال، ويمكن أن يكون لها تأثير طويل الأمد ليس فقط في المنطقة ولكن على الصعيد العالمي”.
ووفقًا لتقرير صدر عن الأمم المتحدة، في شباط الماضي، فإن هناك ما يقرب من 65 ألف مقيم في مخيم “الهول”، وهو عدد أكبر بكثير من سعته المستهدفة، لكن عدد الحراس انخفض من 1500 في منتصف عام 2019 إلى 400 في أواخر 2020.
التهريب من مخيم “الهول”
قالت لجنة خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، في شباط الماضي، إن بعض القُصّر “يتم تلقينهم وإعدادهم ليصبحوا عملاء مستقبليين” لتنظيم “الدولة”.
وأضافت أن تكلفة التهريب من مخيم “الهول” إلى وجهة آمنة تبلغ حوالي 14 ألف دولار، بينما تتراوح التكلفة بين 2500 و3000 دولار للتهريب من مخيم “الروج” شمال شرقي سوريا، حيث الظروف “أكثر راحة” ولكن الأمن “أكثر تدخلًا وفعالية”.
وذكرت “الإدارة الذاتية”، في 20 من أيلول 2020، أنها أفشلت أكثر من 700 محاولة فرار من مخيم “الهول” جنوبي الحسكة، لأفراد عائلات عناصر تنظيم “الدولة”، منذ نقلهم إلى المخيم في 2019.
وأوضحت أن عمليات التهريب كانت معظمها عبر صهاريج تُدخل المساعدات إلى المخيم.
وقالت لجنة الخبراء، إن دولة غير معروفة قدّرت، في تشرين الثاني 2020، أن ما يقرب من 11 ألف مقاتل من التنظيم محتجزون في شمال شرقي سوريا، بمن في ذلك 1700 مقاتل من دول أجنبية، و1600 عراقي، و5000 سوري، و2500 مقاتل مجهول الجنسية.
تدهور الوضع الأمني في مخيمي “الهول” و”الروج”
وأعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم من تدهور الوضع الأمني والإنساني في مخيمي “الهول” و”روج” في شمال شرقي سوريا.
وأرسل الخبراء رسائل اسمية إلى 57 دولة، منها بريطانيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة، يُعتقد أن لها رعايا في المخيمات، خاصة في مخيم “الهول”، موضحين أن هذا المخيم هو أكبر مخيم للنازحين داخليًا في سوريا، بحسب بيان نشرته الأمم المتحدة.
وقال الخبراء، “يتعرض آلاف الأشخاص المحتجزين في المخيمات للعنف والاستغلال وسوء المعاملة والحرمان، إضافة إلى تعرضهم للتعذيب والعقوبة القاسية والمهينة بموجب القانون الدولي”، لافتين إلى وفاة عدد من المحتجزين بسبب ظروف احتجازهم الصعبة.
وأكدت مقررة الأمم المتحدة المعنية بحماية حقوق الإنسان، فيونولا ني أولين، أهمية استعادة الدول رعاياها، مضيفة أن الظروف الإنسانية “الصعبة” تعكس ضرورة اتخاذ إجراء جماعي لإنقاذ العالقين في المخيمات.
هل يمكن تفعيل القنوات الدبلوماسية للضغط على الدول لإعادة مواطنيها
الصحفي السوري فراس علاوي، يرى أن المشكلة بالبنية القضائية في الدول الأوروبية والأمريكية، إذ لا توجد بنية لمحاسبة “أسرى التنظيم”، لذا تفضل الدول الأوروبية محاسبتهم في الدول التي يعتقلون بها، ويخشون عودتهم والتأثير في النسيج المجتمعي.
وقال علاوي، “لا ينتمي مقاتلو التنظيم إلى ثقافة المجتمع، وهناك إمكانية لتجمعهم والذهاب إلى مرحلة إعادة التنظيم في ظل هشاشة الوضع الأمني في سوريا وتصاعد عمليات التنظيم”.
وأوضح أن الوضع السوري منقسم حيث لا توجد إدارة واحدة تتفاوض مع الدول الأوروبية لإعادة الأسرى إلى بلادهم.
ولفت الباحث عرابي عرابي إلى أن النظام حاليًا غير متضرر من مقاتلي التنظيم، أما “قسد” فتستخدم وجودهم كورقة ضغط على المجتمع الدولي.
وفي حال حصول انتقال سياسي في سوريا، اعتبر فراس علاوي أن حقيقة استرجاع الدول لهم من عدمه غير معروف، لكن توقع عدم ترحيلهم بل مساومة الدول الأوروبية على إبقائهم في سوريا.
ووجه البرنامج استطلاعًا للرأي تساءل فيه ما إذا كان سيُجبر السوريون على إبقاء عائلات تنظيم “الدولة” بينهم، وجاءت النتيجة 56% باستبعاد ذلك، بينما 44% أجابوا بنعم.
أُعدت هذه المادة ضمن اتفاقية تعاون بين “عنب بلدي” وراديو “روزنة”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :