الكاتب محمد منصور لعنب بلدي: النقد سلاح العقل والنظام قتل الصحافة والسينما
حوار: أسامة آغي
بين النقد والأدب والصحافة خيوط رفيعة، يمكن أن تمنح المشتغل فيها حرية التنقل بين فضاءات مختلفة، ومنابر عدة، بأدوات يجمع بينها أنها تترك نتاجًا فكريًا.
لكن هذا النوع من الإنتاج واجه في سوريا حواجز عدة، وسط عملية تقليل هوامش حرية التعبير على مدى 50 عامًا من حكم حزب “البعث”، الذي صبغ الحياة السياسية والثقافية بلونه.
التقت عنب بلدي بالكاتب السوري محمد منصور الذي خاض تجارب تراوحت بين النقد والكتابة والصحافة قبل وبعد الثورة السورية، فكان هذا الحوار.
هاجس النقد
يلعب النقد دورًا مهمًا في تطوير الآداب الإنسانية والأعمال الفنية، سواء كانت هذه الأعمال تلفزيونية أم مسرحية أو أفلامًا سينمائية، ويستفيد صنّاعها والكتّاب والأدباء من آراء النقاد لتطوير أعمالهم، وهو أمر ينسحب على الجمهور أيضًا، الذي تتوسع آفاقه عند اطّلاعه على الكتب والمقالات النقدية.
وقال محمد منصور، الذي يحمل إجازة في النقد والأدب المسرحي منذ عام 1992 من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق لعنب بلدي، إنه “اكتشف باكرًا، عندما كان عمره 18 عامًا، أن النقد تمرين عقلي مستمر على الفهم والتحليل والتركيب”، مؤكدًا على فكرة أن النقد “زاوية رؤية لكل ما في العالم، وسلاح ضد كل ما يرفضه عقله وتستهجنه ذائقته”.
وأضاف، “أنا باختصار ناقد، هاجسي وعشقي الأساس هو النقد، وهذا النقد هو من قادني إلى دروب المسرح والصحافة والسينما والتلفزيون، وأقعدني لسنوات في محراب القصة القصيرة، حيث أصدرت ثلاث مجموعات في تسعينيات القرن الـ20، ثم أدخلني في متاهات عشق التاريخ”.
وبرأي منصور، المولود في دمشق عام 1972، فإن النقد استمر في أن يكون البوصلة والمعيار الذي مكنه من تقديم شيء في كل المجالات التي عمل فيها، باستثناء القصة القصيرة.
وأصدر منصور ثلاث مجموعات قصصية بين عامي 1996 وعام 1999، معتبرًا أنه دخل القصة القصيرة من باب المشاكسة الصحفية والنقدية، لا من باب الكتابة الأدبية، مؤكدًا اهتمامه بالشكل الأدبي للقصة القصيرة.
وحول مجموعته الأولى “مشهد إضافي” الصادرة عام 1996، قال منصور “كانت عبارة عن قصص انتقادية لنماذج عايشتها في الوسط الفني، الذي كنت أخوض فيه حروبي النقدية بضراوة، وأردت استكمال هذه الحروب في قصص ذات هجائية انتقادية، أكثر منها أدبية”.
ظلال دمشق
سبق لمحمد منصور أن أصدر أربعة كتب عن دمشق، الأول حمل عنوان “دمشق سيرة المواسم والفصول”، والثاني “دمشق طقوس رمضانية”.
ويرى منصور أن ظلال دمشق المكانية والزمانية تهيمن على روح النصوص الإبداعية التي ينتجها، وهذا ما ينطبق على مجموعته الثانية “توت الشام” الصادرة عام 1997، بحسب رأيه، رغم أنه كان متهيبًا من كتابة شيء ما عن دمشق، كمن يرى نفسه أقل من أن يكتب عن محبوبة عشقها.
ولا تزال تلك الظلال تطارده في غربته، لتثمر أربعة كتب، آخرها كتابان صدرا في مطلع آذار الحالي، بعنوان “دمشق تذكارات أموية” و”دمشق سيرة التحولات والوجوه”.
خنق صناعة السينما
رغم نجاح الممثلين والكتّاب والمخرجين السوريين على صعيد الدراما التلفزيونية، فإن الحال لم تكن كذلك في السينما السورية، التي يقتصر إنتاجها على أفلام “المؤسسة العامة للسينما” الحكومية.
وسبق أن نشر محمد منصور ثمانية كتب في النقد الفني، منها كتابه “الكوميديا في السينما العربية”، الصادر عن وزارة الثقافة عام 2003.
وقال منصور لعنب بلدي عن صناعة السينما في القطاع الخاص، ودور “المؤسسة العامة للسينما” في الإنتاج السينمائي، إن في سجل الأخيرة الكثير من الأفلام النخبوية، التي لم تحقّق أي نجاح جماهيري، واعتبرها مخرجوها جزءًا من بحثهم عن السينما، التي يحبون إنتاجها، أو استنساخها.
وفي المقابل، هناك أفلام جماهيرية ذات لغة سينمائية جيدة، ويمكن أن تصل إلى جمهور أوسع، وتحقّق متعة سينمائية راقية، وهي من إنتاجات المؤسسة أيضًا.
ويعتقد منصور أن ما منع ظهور أفلام القطاع الخاص هو النظام السوري، الذي قتل هذا الإنتاج “عامدًا متعمدًا”، إذ نشطت في النصف الأول من سبعينيات القرن الـ20 حركة سينمائية لعدد من منتجي القطاع الخاص، الذين امتلكوا صالات سينمائية، أنتجوا أفلامًا من أرباحها.
وأوضح أن النظام حصر استيراد الأفلام الأجنبية بالمؤسسة الحكومية، وهذا ما أفقر الصالات الخاصة بسبب البيروقراطية، “التي استوردت أردأ الأفلام السوفييتية والكوبية القديمة، وسبب ذلك خسائر لأصحاب الصالات السينمائية”.
“البعث” قضى على الصحافة
منذ انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، ظهرت عشرات الصحف والمجلات ووسائل الإعلام التي حاولت نقل وجهة نظر المتظاهرين، وتوثيق الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري من الأطراف كافة.
ويرى منصور، الذي يشغل منصب المشرف العام في مؤسسة “أورينت” الإعلامية، أن الخطاب الإعلامي للمعارضة فيه الغثّ والسمين، “فالثورات لا تصنع صحافة جيدة بالضرورة، وفي هذا الخطاب إبداعات كبيرة، وفيه سقطات كبيرة، ومخجلة، هي ابنة القص واللصق، وصحافة السوشيال ميديا، واللهاث الأعمى وراء عدد القراءات”.
وأضاف أن “السوريين حُرموا من ممارسة العمل الإعلامي الحقيقي بحرية منذ انقلاب (البعث)، الذي قضى على مهنة الصحافة وأغلق الصحف والمجلات وصادر أدوات الطباعة، وجرّد كبار الصحفيين من حقوقهم المدنية”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :