“النوم عند قدمي الجبل”.. حين تصبح الحياة موتًا مع وقف التنفيذ
تمشي رواية “النوم عند قدمي الجبل” لكاتبها السوداني حمّور زيادة، وحيدة في طريق موحش، وتحاول بالكلمة وحدها شق طريقها في إحدى قرى الريف السوداني بعد أن سدّ الطريق أمامها الفقر وسطوة الجهل وهيمنة رجال الدين ومشتقاتهم، دون محاكمة لما يقال، ودون أن يقبل هذا القول الجدل أو النقاش.
وفي أرياف كهذه لا كلمة تعلو كلمة الشيخ، ولا أحد يجاريه في العلم والمعرفة، باعتباره يعرف ويعلم، دون النظر إلى منبع هذا العلم ومصداقيته وجدواه.
وفي إحدى السنوات التي يكثر فيها الخير ويفور فيها “النيل” ببركة الأمطار، يدعو إمام المسجد إلى إقامة “مولد” أو وليمة خيرية تُذبح فيها القرابين لعابري السبيل، شكرًا لله على ما أنعم على خلقه وأغدق من خيرات.
وفي اليوم الذي يجري فيه المولد العظيم، يمر موكب لأحد أتباع “وليّ صالح”، وفي هذا اليوم أيضًا يولد “مزمّل”، بطل هذه الرواية الذي سيحملها على كتفيه حتى سطرها الأخير، متجاهلًا دون جدوى نظرات الشفقة والعيون التي تشيّعه إلى قبره حتى قبل أن يموت.
فبعد ولادة “مزمّل” يحمله أبوه “النور حسين” إلى “المولد” ليؤذن في أذنه تلميذ الشيخ العارف، ولمصادفة غير مفهومة خلقتها كلمة خرجت في غير وقتها، يعتقد والد “مزمّل” وجميع الناس أن الطفل سيموت عند بلوغه عامه الـ20.
يزف الأب هذا الخبر المشؤوم إلى زوجته التي تستأثر منذ تلك اللحظة بالصبي، لتكمل معه عمره القصير.
ولأن خوف الأم كحبّها، يستعصي على الفهم، تمنع “سكينة النصري” مزمّل من الالتحاق بالمدرسة أو قضاء الوقت بعيدًا عن عين رأفتها.
وحين ينمو الطفل و”تنتصف عشرينه”، تضطر سكينة مرغمة لإرساله إلى الشيخ ليتعلم القرآن الكريم والصلاة من أجل آخرته.
والكل يعرف “مزمّل” باعتباره الطفل الذي سيموت في الـ20، ومن بين هذا الكل “الحاج سليمان” وهو رجل سبعيني مشى في الحياة وعرفها وأدرك أوجهها، ما جعله على خصام غير معلَن مع أهل القرية.
فيدعو “الحاج سليمان” مزمّل للانغماس في الحياة واكتشافها، مبررًا الأمر بعدم وجود ما يبرر هذه المغالاة في العبادة ليافع أبيض الصحائف، لم يتلطخ سجله السماوي بما يستدعي هذا الشعور بالذنب الذي يحرمه الحياة من قبل أن يموت، بل ويسحبه إلى موت مع وقف التنفيذ، فعلّمه الحساب وحدّثه عن النساء والمدن البعيدة، وغذى داخله ببذرة الفضول.
ولأن العمر قصير، تتسابق الأيام دون أن تُخرج الرواية أو القرية من يقول لسكينة إن الأعمار بيد الله ومشيئته، وإنه وحده يعلم متى تحين ساعة العبد، وإن هذا الخوف العبثي إقرار بمعرفة العبد بما لا ينبغي له معرفته.
بهذه الطريقة يخبر حمّور زيادة قارئه أن ثمة مجتمعات يتحكم فيها شخص ما بحياة الناس وأسلوب عيشهم، لا بالاستبداد فقط، بل باستدامة جهلهم أيضًا.
وتتقاطع هذه الرواية مع رواية “قصة موت غير معلَن” لكاتبها الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز، مع اختلاف جوهري يضاف إلى اختلافات أخرى كثيرة، وهو أن البطل لدى ماركيز لا يعرف موعد موته رغم معرفة كل من حوله، أما في “النوم عند قدمي الجبل” فالبطل أيضًا يعرف.
وانتقلت الرواية، الصادرة عام 2014، من المقروء إلى المرئي بعد 11 ورشة كتابة انتهت بكتابة المخرج السوداني أمجد أبو العلاء، والسيناريست الإماراتي يوسف إبراهيم، للسيناريو النهائي للفيلم المقتبس عن الرواية، والذي حمل اسم “ستموت في العشرين”، مضيفًا لرصيد السودان السينمائي الفقير فيلمًا حصد جوائز سينمائية عالمية، ورشحته اللجنة الوطنية في وزارة الثقافة السودانية لتمثيل السودان إلى جانب الأفلام المرشحة لنيل جائزة “أوسكار” 2021.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :