ركزت روسيا على الضغط السياسي والاقتصادي منذ بداية العام الحالي، على مدينة الباب الواقعة بالريف الشمالي الشرقي لمحافظة حلب شمالي سوريا، والتي تخضع لسيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.
وتعتبر مدينة الباب من المناطق الخارجة عن الاتفاقيات الروسية- التركية في سوريا، المتمثلة باتفاقي”موسكو” في 5 من آذار 2020 في محافظة إدلب، و”سوتشي” بتاريخ 22 من تشرين الأول 2019 في شرق الفرات، واللذين جمدا حالة السيطرة الميدانية، مع اشتباكات محدودة بين حين وآخر.
وأرسلت قوات النظام السوري مؤخرًا بدعم روسي تعزيزات عسكرية إلى جنوبي مدينة الباب، كما كررا استهدافهما للمدينة، واتهمت روسيا “الجيش الوطني” بقمع مظاهرة في المدينة بالقوة.
اقرأ أيضًا: اتفاقان لروسيا وتركيا يحكمان الشمال السوري بشرقه وغربه
ما هدف روسيا من ذلك
يرى الباحث في مركز “جسور للدراسات” عبد الوهاب عاصي، في حديثه لعنب بلدي، أنه من الواضح أن روسيا تحاول إظهار جديتها في شن عملية عسكرية على مدينة الباب، “ليس لمجرد الصغط على تركيا فحسب، بل ربما لقناعة لديها بأهمية المنطقة عسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا”.
وكانت فصائل “الجيش الحر” سيطرت بدعم تركي على مدينة الباب، بإخراج تنظيم “الدولة الإسلامية” في شباط 2017، تزامنًا مع معارك لقوات النظام من الجهة الجنوبية للمدينة، في إطار السيطرة على المدينة.
وبحسب الباحث عبد الوهاب عاصي، يبدو أن روسيا تأمل أن تسهم “الضغوط القصوى” على تركيا لتسوية القضايا الخلافية العالقة سواء حول الانتشار العسكري أو “مكافحة الإرهاب”، أو حركة التجارة والنقل، أو العملية السياسية، أو حدود المنطقة الآمنة، لكن “لا توجد مؤشرات لجولة جديدة من المباحثات الثنائية بين تركيا وروسيا، ما يعني استمرار وتيرة التصعيد”.
اقرأ أيضًا: ما حقيقة حديث روسيا عن مظاهرة بمدينة الباب وهجوم المسلحين
واستقدمت قوات النظام السوري تعزيزات عسكرية تتبع لـ “الفيلق الخامس” الذي يعتبر الذراع العسكرية للروس في سوريا، إلى جنوب مدينة الباب، في 19 من شباط الماضي.
وقال الناطق باسم “الجيش الوطني”، الرائد يوسف حمود، لعنب بلدي حينها، إن التعزيزات الواصلة توزعت على أربعة مواقع في محيط مدينة الباب، ولم يستبعد أن يكون الهدف من هذه التعزيزات بدء هجوم عسكري، مبديًا استعداد “الجيش الوطني” لصد أي هجوم.
التعزيزات في شباط سبقها أنباء حول استقدام أخرى من قبل النظام وروسيا إلى محيط مدينة الباب، في بداية كانون الثاني الماضي.
إلا أن الرائد يوسف حمود نفى حينها وجود أي تغيير بالأوضاع العسكرية الميدانية في المدينة، معتبرًا تلك الأنباء جزءًا من “بروباغندا إعلامية وحرب نفسية تنفذها روسيا لتحقيق غايات معيّنة، لتؤثر على أهالي مدينة الباب والمناطق المحررة”.
وتعرضت مدينة الباب خلال اليومين الماضيين لقصف من قبل النظام استهدف أطرافها، ما أدى إلى مقتل مدني، حسب “الدفاع المدني السوري”.
قصف “الحراقات” تصعيد على مبدأ “خاسر- خاسر”
ويرتبط استهداف سوق النفط في معبر الحمران بمدينة جرابلس و”حراقات” تكرير النفط البدائية في ترحين بريف الباب، بسياسة الضغط القصوى التي تمارسها روسيا من مبدأ “خاسر- خاسر”، حسب الباحث عبد الوهاب عاصي.
أي إيصال رسالة مفادها عدم قبول روسيا باستيراد المعارضة السورية للنفط من مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، في الوقت الذي يجد فيه النظام قيودًا وعراقيل تحد من ذلك.
وطالما أنّ روسيا لم تستطع بعد التوصل مع تركيا لآليات تضمن تفعيل حركة التجارة والنقل على طريقي “M4” و”M5″، فإنها لن تتخلى عن سياسة “خاسر – خاسر” في ملف النفط أو المحروقات، حسب الباحث عبد الوهاب.
ويشكل قصف “الحراقات” ضغطًا بالدرجة الأولى على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، فالقصف يؤدي إلى عرقلة وصول النفط من مناطق سيطرتها إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة، لأن إصلاح البنية التحية للمكان المستهدف سيكون مكلف ومترافق بحالة ثقة متزعزعة أو عدم ثقة، نتيجة التخوف من إعادة استهدافها.
وكانت “الإدارة الذاتية” أوقفت بيع النفط لمناطق النظام السوري، بشكل غير معلن، منذ 29 كانون الثاني الماضي بعد أن كان ترسل نحو 130 صهريجًا من حقل “رميلان” و50 صهريجًا من حقل “الشدادي” بشكل يومي، بعد حدوث توتر بين الطرفين في الحسكة، نتيجة اعتقالات متبادلة وحصار للأحياء التي تخضع لسيطرة النظام في مناطق نفوذ “الإدارة”، قبل أن ينتهي بوساطة روسية، في 2 من شباط الفائت.
لكن أعادت “الإدارة الذاتية”، المظلة السياسية لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، توريد النفط إلى مناطق النظام السوري أمس، بعد نحو يومين من الاستهداف الأخير.
ضحايا مدنيون وخسائر مادية
وتقع منطقة ترحين في الجهة الشمالية لمدينة الباب، تتجمع فيها عدة مخيمات للنازحين، وتتواجد فيها محطات تكرير النفط المعروفة باسم”الحراقات” والتي أنشأت في 2017.
وتعد الحراقات المصدر والمغذي الأساسي للحصول على المحروقات في مناطق سيطرة المعارضة، وتعتمد على آليات بدائية لتكرير النفط، كما تعد مصدر رزق لكثير من قاطني المخيمات.
وينعكس استهداف الحراقات على الوضع الاقتصادي في المنطقة، إذ يسبب خسارات عند أصحاب الحراقات وفقدان كميات كبيرة من الفيول، الأمر الذي ينعكس على أسعار المحروقات ويؤدي لارتفاعها، كما يخسر العديد من الناس مصادر أرزاقهم.
ورصد مراسل عنب بلدي في الباب ارتفاعًا في أسعار البنزين والمازوت المكرر بمقدار 150 ليرة سورية للتر الواحد وسطيًا.
وتحدث باعة وأصحاب كازيات عن موجة ارتفاع أسعار متوقعة للمحروقات نتيجة الاستهداف الأخير.
وكانت روسيا والنظام استهدفا مساء الجمعة الماضي، سوق النفط في معبر الحمران بثلاث صواريخ “توشكا”، وبعد ساعة استهدف الحراقات في ترحين بأربعة صواريخ أخرى من نوع “توشكا” و”9m27k uragan”.
وأدى الاستهداف إلى مقتل أربعة مدنيين، بينهم متطوع في “الدفاع المدني”، خلال الاستجابة للحريق وإخماد النيران الناتجة عن القصف، كما أصيب 42 مدنيًا، حسب “الدفاع المدني“.
واستمرت فرق “الدفاع المدني” لأكثر من 20 ساعة في العمل حتى تمكنت من إخماد الحرائق وتبريدها، بمشاركة أكثر من 100 متطوعٍ و50 آلية متنوعة بين سيارات إطفاء وجرافات وسيارات ملحقة للإطفاء.
وأدى القصف إلى احترق أكثر من 200 صهريج لنقل المحروقات، وتضرر عدد كبير من المصافي البدائية لتكرير المحروقات، إضافة لاحتراق إحدى آليات الدفاع المدني السوري وتضرر أخرى.
وقتل شخصان وأُصيب أربعة آخرون بقصف “الحراقات النفطية” في ترحين في 9 من شباط الماضي.
ما أهمية الباب
تقع الباب على الطريق الواصل بين مدينة حلب ومدينتي الرقة والحسكة مرورًا بمدينة منبج الاستراتيجية، ما جعلها عقدة مواصلات مهمة في الشمال السوري.
وأُطلق على الباب مسمى “بوابة حلب الشرقية”، حيث تبعد عن مدينة حلب مسافة 30 كيلومترًا فقط، كما تبعد عن الحدود التركية المسافة ذاتها.
تتوسط الباب سهلًا زراعيًا واسعًا، جعلها سلة غذاء الشمال السوري، والمصدر الرئيس للمزروعات والمشتقات الحيوانية في محافظة حلب.
اشتهرت الباب أيضًا بزراعة القطن، ويعدّ القطن البابي من أجود أنواع القطن السوري، ما جعلها مصدرًا أوليًا لصناعة المنسوجات، التي تشتهر بها مدينة حلب.
تبلغ مساحة مدينة الباب وحدها 13 كيلومترًا مربعًا، وهي ذات مساحة مدينة إدلب، وأكبر بقليل من مدينة طرطوس على الساحل السوري، وتعد أكبر مدن محافظة حلب بعد مركز المدينة.
ويعيش في مركز مدينة الباب 82 ألفًا و752 مقيمًا، إضافة إلى 64 ألفًا و859 نازحًا، حسب مدير دائرة النفوس في مدينة الباب، عبد الرزاق العبد الرزاق، في إحصاء تحدث لعنب بلدي عنه نهاية كانون الأول 2019.
بلغ عدد سكان المدينة عام 2009، 146 ألف نسمة، بحسب دائرة الإحصاء السورية، بينما بلغ عدد سكان منطقة الباب التي تضم الراعي وتادف وقباسين وبزاعة، نحو 300 ألف نسمة.