علي درويش | لؤي رحيباني | نور الدين رمضان
“الخطأ الأول هو الخطأ الأخير”، كلمات وضعها سوريون عاملون في مجال الصناعات العسكرية المحلية نصب أعينهم، بعد اختيارهم خيار مقاومة النظام عسكريًا.
معلومات أولية من تجارب تصنيع سابقة، وضباط منشقون من مختلف الاختصاصات، ومهنيون في منشآت صناعية على مختلف الجغرافيا السورية، اجتمعوا لهدف واحد هو تغطية النقص في العتاد والذخيرة العسكرية لفصائل “الجيش الحر”.
لكن الأمر تعدى تغطية النقص ليصبح لاحقًا مجالًا تعتمده كبرى فصائل المعارضة العسكرية، وتفرد له مجالًا للتطوير، إضافة إلى الاستعانة بتجارب سابقة وتأمين أماكن ومعدات للتصنيع.
كما اُعتمدت الذخائر والمعدات التي أنتجتها هذه المعامل والمنشآت الصناعية في معارك الفصائل العسكرية، بل أصبح بعضها سلاحًا أساسيًا في حسم المعارك.
من العبوات الناسفة البدائية الصنع، إلى القذائف والصواريخ، وصولًا إلى تعبئة الذخائر الناعمة (طلقات الكلاشينكوف والـبي كي سي)، وتصنيع العربات القتالية أخيرًا، مراحل متعددة وجهود للمعارضة السورية المسلحة، لخصت سنوات حربها ضد نظام استقدم روسيا التي جربت 231 سلاحًا في سوريا منذ أيلول 2015، وإيران بأسلحتها وميليشياتها منذ 2011.
تطورت هذه الصناعة إلى أن أعلن “الجيش الوطني السوري”، في 11من شباط الماضي، تصنيعه ثاني عربة قتالية تكتيكية، بتصميم يشابه العربات المدرعة التركية، ضمن معامله وبخبرات محلية.
تحاول عنب بلدي في هذا الملف تتبع مسيرة التصنيع المحلي لفصائل المعارضة السورية، وتأثيره على سير المعارك، وكيف استطاعت الفصائل العسكرية تطويع خبرات ومواد بدائية، وهل يمكن البناء عليها في صناعات أكثر تطورًا.
العدو يفرض التطوير في مهنة الموت
“أدخلنا لغات البرمجة وتطبيقات الهواتف المحمولة إلى عمليات تصنيع الألغام والعبوات الناسفة، ووصلنا إلى مرحلة نواجه الجيش الروسي بمختلف قواته البحرية والجوية والبرية، فتصنيع (عبوات الطبخ) أصبح قديمًا”.
كلمات لخص بها أحد العاملين في مجال التصنيع العسكري، التقت به عنب بلدي وتحفظت على ذكر اسمه، أهمية التصنيع العسكري المحلي، ودوره في إيجاد وسائل بديلة لنقص العتاد والسلاح، ومواجهة القوة العسكرية للنظام المدعوم بروسيا وإيران وميليشياتها.
انتقل “العامل” من عنصر مسلح في أحد فصائل المعارضة إلى العمل في مجال التصنيع العسكري، خاصة العبوات الناسفة، دون تمييز فصيل عن آخر، وقال، “أنا هاوٍ ومنخرط بعمل الألغام، وكل ما أنتجه أقدمه للفصائل، كخدمة فقط”، أي دون ارتباط عضوي ضمنها.
تعلم من الخبرات العسكرية للمنشقين عن النظام السوري، واستكملها من مختصين بفصيل “أكناف بيت المقدس”، الذي أسسه القيادي السابق في حركة “حماس” الفلسطينية “صلاح أبو صلاح”، في 2013.
وتستند فكرة “العامل” إلى تطوير العبوات الناسفة منذ خمس سنوات، وتفجيرها عن طريق تطبيقات الهاتف المحمول بربطها بلوحة “الآردوينو” الإلكترونية وشريحة “إي لوكس”، إضافة إلى تطوير أجهزة مراقبة مموهة على خطوط التماس.
“الآردوينو”: لوح إلكتروني صغير، يتكون من دارة إلكترونية مع متحكم دقيق يبرمج عن طريق الحاسوب، لتسهيل استخدامه إلكترونيًا، يستخدم بشكل كبير لبناء حساسات بيئية كدرجة الحرارة والرياح وغيرها، بينما “إي لوكس” هي شريحة الهاتف المحمول. |
لا بد للمنخرطين في هذه الاختصاصات من معاينة أخطائهم أو أخطاء غيرهم، إذ قُتل أكثر من عشرة من أصدقاء “العامل” في تصنيع العبوات، كما فقد آخرون أطرافهم، بحسب ما قاله لعنب بلدي، نتيجة أخطاء التصنيع وقلة الخبرة، وجعل ذلك من تصنيع الألغام “مهنة الموت”، بحسب تعبير “العامل”.
إبراهيم الحموي، وهو قائد عسكري في حركة “أحرار الشام”، أوضح لعنب بلدي أنه لم توجد حاجة ماسة إلى التصنيع العسكري في بداية العمل المسلح ضد النظام، لأن “الثورة المسلحة” (مع مطلع عام 2012) بدأت تتطور بشكل تدريجي، وكان السلاح يقتصر على السلاح الفردي والخفيف لحماية المتظاهرين خلال المظاهرات من هجمات “الشبيحة” وعناصر أمن وجيش النظام.
في ذلك الوقت، بحسب حديث الحموي، لم تكن الفصائل والتشكيلات العسكرية بالشكل الذي ظهر لاحقًا، إذ تمايزت بعدها الحالة العسكرية بشكل أوضح مع تزايد حالة الانشقاق عن قوات النظام، والانضمام إلى صفوف “الثورة” وحمايتها.
ويمكن اعتبار الصدام العسكري المباشر بين فصائل المعارضة وقوات النظام بداية مرحلة التصنيع، للحصول على اكتفاء من السلاح، إلى جانب ما حصلت عليه الفصائل من النظام خلال المعارك والغارات على المواقع والحواجز.
يعتبر النقص في المواد الأولية، وضعف الخبرات، والجهل بالمواد الأساسية في التصنيع، ونقص المعدات كمكنات “CNC”، والتكلفة المالية، والبطء في الإنتاج ضمن الظروف بمختلف المناطق، من الصعوبات التي واجهت أعمال التصنيع منذ 2012.
مكنة الــ”CNC” اختصار لـ”Computer Numerically Controlled machine”، وهي آلة يجري التحكم بها عن طريق الحاسوب، تجري عمليات قص وتصميم محددة لمختلف المواد (خشب، معادن، وغيرها)، وفق مخططات سابقة مدخلة إلى الحاسوب. |
وتعود رغبة الفصائل في التصنيع العسكري، حسب القيادي إبراهيم الحموي، لعدة أسباب، منها عدم وضوح برنامج الدعم العسكري المقدم للفصائل منذ البدايات، ما جعل اللجوء إلى التصنيع بديلًا ضروريًا للحفاظ على استمرارية القتال ضد النظام وعدم التأثر بوقف الدعم.
إضافة إلى الحاجة لبعض أنواع الذخائر والأسلحة التي يكون فيها نقص عام، رغم أنها أسلحة استراتيجية وضرورية في المعارك، كسلاح المدفعية والقذائف.
نقص المواد الأولية وضعف الكفاءة الصناعية قابلته جهود من قبل الخبرات العسكرية، لكن عمل هذه الخبرات كان يقتصر على التجريب وتحديد المشكلات في العتاد المصنوع، أما آلية وطريقة السكب ونسب المواد الأولية الداخلة في الصناعة فتؤدي إلى عدم إصابة الهدف بشكل دقيق، حسب حديث ضابط في “فيلق الرحمن” (الذي كان نشطًا في الغوطة الشرقية لدمشق) عمل في مجال التصنيع.
وتزامن نقص الكوادر الخبيرة في تصنيع أنواع معيّنة من القذائف والقاذفات وتحصين المدرعات لدى فصائل عسكرية، مع وجود كوادر على مستوى من الخبرة في هذه الصناعات لدى فصائل أخرى، كـ”جيش الإسلام” و”هيئة تحرير الشام” و”أحرار الشام”، بحسب ما قاله مدير وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الباحث نوار شعبان، لعنب بلدي.
هل أحدثت الصناعة فارقًا على الأرض؟
ينعكس التصنيع المحلي للذخيرة أو السلاح أو المدفعية بالقوة العسكرية على الجهة التي تصنعها، وتقاس قوة الدول عسكريًا من خلال قدراتها على إنتاج السلاح وحجمه، وتنوعه (سفن، طائرات، أسلحة، صواريخ بعيدة وقصيرة المدى).
ويرى الباحث نوار شعبان، في حديثه إلى عنب بلدي، أن تصنيع الأسلحة محليًا ساعد المعارضة في مواضيع التحصين أكثر من الهجوم، “نظرًا إلى قوة التحصين في الجهة المقابلة”، أي لدى النظام.
واعتبر شعبان أن الإنتاج المحلي للسلاح لم يكن سببًا أساسيًا في كسب المعارك أو الدفاع عن نقاط معيّنة في الميدان، وإنما “كان بدور المساعد”، وفق تعبيره.
بينما تحدث الخبير العسكري حاتم الراوي، في حديث إلى عنب بلدي، عن جود دور فاعل لصناعة بعض الأسلحة التقليدية، كالمدافع القصيرة المدى والألغام، في السيطرة على الكثير من مواقع النظام، وصد الكثير من هجماته على مواقع “الجيش الحر”.
واستطاع العاملون في مجال التصنيع التكيف مع غياب توفر الآلات القادرة على سكب المعادن وخراطتها والتكيّف معها، وهو ما يعد أساسيًا لإكساب الأسلحة هيكلها.
في حين ربط الباحث نوار شعبان تطور الأسلحة المحلية بعاملي “توفر الوقت والاستقرار”، اللذين يجعلان الظروف مواتية للفصائل بزيادة تحصينها في مناطقها، وزيادة إنتاجيتها العسكرية.
وهو ما حصل في الغوطة الشرقية وأحياء حلب الشرقية، اللتين سيطرت عليهما المعارضة لفترة طويلة، ما ترك المجال لها في تحصين نفسها بالمنطقة وتصنيع الذخيرة والسلاح.
التفخيخ.. سلاح فعال
مع دخول الجماعات “الجهادية” إلى ساحة المعارك في سوريا، نقلت عبر عناصرها الأجانب خبرات عسكرية مختلفة، منها خبرات التصنيع والتفخيخ، وكان لها أثر في سير المعارك وحسم بعضها، وهو ما أضاف أيضًا قوة عسكرية لا يستهان بها لهذه الفصائل، ومن أبرزها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا) و”جند الأقصى” و”الحزب الإسلامي التركستاني” و”الكتيبة الخضراء”، وغيرها.
وأظهر سلاح المفخخات فعاليته في عدة معارك، أبرزها السيطرة على معسكرات “المسطومة” و”الحامدية” والمستشفى “الوطني” في جسر الشغور بمحافظة إدلب عام 2015، ومعارك فك الحصار عن أحياء حلب الشرقية في 2016.
ونفت “هيئة تحرير الشام”، في أيلول 2020، تخليها عن سلاح المفخخات في عملياتها العسكرية، معتبرة إياه “سلاحًا فعالًا في المعارك”، حسب حديث سابق لمسؤول التواصل الإعلامي في “تحرير الشام”، تقي الدين عمر، إلى عنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية.
وكانت “تحرير الشام” استعرضت سلاح المفخخات ضمن سلسلة أطلقت عليها “اختر سلاحك” في كانون الأول 2019، واعتبرته سلاحًا مواكبًا لحركة تطور الأسلحة عالميًا، “بسبب دقته في تدمير الأهداف”.
وتزيد القوة التدميرية للعربة على 15 صاروخًا من سلاح الطيران، حسب الإصدار الذي استعرض طرق استخدامها، وأنواع المتفجرات المستخدمة في تصنيعها، ومراحل التصنيع وطرق المناورة.
التفخيخ لم يقتصر على السيارات والدبابات وعربات “BMP”، إنما اتخذت الفصائل، وخاصة الإسلامية منها، أسلوبًا آخر وهو حفر الأنفاق تحت مقرات وأماكن تجمع قوات النظام، إضافة إلى الكتائب والثكنات العسكرية، وتفخيخها ثم تفجيرها.
وهو ما حصل في تفجير مبنى “إدارة المركبات” في مدينة حرستا بغوطة دمشق الشرقية في تشرين الثاني 2013، ونسف المستشفى “الوطني” الذي كانت تتحصن فيه قوات النظام في مدينة القصير بريف حمص في أيلول 2012، وفي حاجز الفنار بأريحا في أيار 2015.
إضافة إلى استخدام هذا الأسلوب عدة مرات ضد مبانٍ تتحصن فيها قوات النظام في حلب، منها ساحة السبع بحرات ومبنى “الكارلتون” في 2014، ومعامل الدفاع في 2015.
مضادات الطيران.. مشروع حاسم لم ينجح
خبراء من المعارضة العسكرية التفتوا إلى تصنيع المضادات الجوية، بحسب ما قاله العقيد حاتم الراوي لعنب بلدي، وكان من بينهم مهندسون عسكريون قادرون على تصنيع هذا السلاح، أو تطوير بعض الأسلحة العادية إلى مضادّات فاعلة، وأعدوا دراسة بمخططاتها وبرمجتها.
لكن هذه الخطوة اصطدمت بقلة الإمكانيات، وعجز تأمين بعض الاحتياجات الضرورية من الخارج، إذ لم تجد المعارضة أي استجابة من الجهات الداعمة لإتمام هذا المشروع، ما جعلها توقف هذه الصناعة عن التنفيذ.
ويعتمد النظام السوري وحليفته روسيا، بشكل أساسي، على سلاح الجو في التقدم على حساب مناطق المعارضة التي تفتقد للسلاح اللازم للتصدي لها، وسط فشل المجتمع الدولي في التوصل إلى اتفاق يفرض مناطق حظر طيران في البلاد.
ويجعل تحصن المعارضة في المناطق بشكل جيد تقدم النظام فيها برًا أمرًا شبه مستحيل، ما يدفعه لتكثيف ضرباته الجوية في عمقها الاستراتيجي.
هل يمكن البناء عليها؟
مستقبل صناعة الأسلحة المحلية في سوريا
تتوفر حاليًا شمالي سوريا الخبرات والمواد الأولية التي تدخل في تصنيع الذخائر إلى حد ما، كـ”ARDEX، Aluminum powder، C4، TNT”، لكن رغم ذلك، توجد تجارب لم تُترجم على الأرض لأسباب عدة، منها احتكار بعض الفصائل الخبرات في القطاع، وعدم التنسيق فيما بينها.
ويرى القيادي في “أحرار الشام” إبراهيم الحموي أن التصنيع العسكري في مرحلة من المراحل كان له دور أساسي في بعض المعارك، ووصل إلى مراحل متقدمة ومتطورة تراكمت فيها الخبرات، إلا أن العوائق التي ظهرت منذ البداية كانت تقف أمام استمرار التصنيع والاعتماد عليه بشكل أكبر.
إذ شكّلت السنوات الأولى من “الثورة المسلحة” تصاعدًا محلوظًا في التوجه للتصنيع والاعتماد عليه في المعارك ضد النظام، في حين انحسر هذا التوجه كثيرًا في السنوات الأخيرة، وتغيرت ظروف “الثورة” خاصة بعد التدخل الروسي.
كما تغيرت طبيعة المعركة بشكل كبير، وتأطر الدعم العسكري للفصائل، وشُكّلت غرف العمليات، ما أدى إلى ضعف الاعتماد على التصنيع العسكري والتعويل عليه أمام التكلفة المادية وبطء الإنتاج لمصلحة الدعم العسكري المؤطر.
ضابط في “فيلق الرحمن” العامل في الغوطة الشرقية سابقًا، قال لعنب بلدي، إن “الفيلق” بعد انتقاله إلى الشمال السوري في 2018، أوقف عمليات التصنيع ضمن ملاكه، على الرغم من التجارب السابقة التي وصفها بـ”الناجحة”، والتي عمل عليها لسنوات، وكان لها أثر في المعارك.
وانخرط “الفيلق” ضمن “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، ويتلقى سلاحه من قسم التسليح في “الجيش الوطني”.
وأوضح الضابط أن السلاح والذخائر الأساسية (المصنعة في شركات مختصة) مفضلة على المصنعة محليًا، نتيجة دقة إصابتها إضافة إلى سهولة التعامل معها.
وبوجود تركيا حليفة دولية داعمة لـ”الجيش الوطني”، توفر أسلحة متطورة على الأرض، لم تعد هناك حاجة إلى الاستمرار في التصنيع العسكري، حسب الباحث نوار شعبان، الذي قال إنه من الممكن تطوير بعض المدفعيات التي صُنعت كمدفع “جهنم” وغيره، لكن ليس بهدف الاعتماد عليها.
الخبير العسكري العقيد حاتم الراوي قال إن الصناعات العسكرية هي من الصناعات الجذابة، ومن عمل بها يتطلع دائمًا إلى الحفاظ على إنجازه وتطويره.
وقال الراوي، “هذه الخبرات تشكل قاعدة واسعة وخبيرة عندما يتاح لها العمل، مستفيدة من إمكانيات بلادها وحرية الحركة والتصرف”.
بينما يرى الباحث نوار شعبان أن ما يمكن التعويل عليه هو الخبرات التي تعلم كيفية تصنيع وتطوير الأسلحة وخلط الذخيرة والتعامل مع المواد المتفجرة، فإذا تلقت هذه الخبرات تدريبًا عسكريًا مناسبًا ومتكاملًا، يمكن استثمارها ككوادر مهمة جدًا في المستقبل.
وأوصى شعبان بضرورة تركيز الفصائل، ولا سيما “الجيش الوطني” و”الجبهة الوطنية للتحرير”، اهتمامها على هذه الكوادر، والطلب من تركيا (التي تدعمهما) تقديم ورشات التدريب الخاصة في هذا المجال.
“فيتو”.. المشكلة الكبرى
النقيب المنشق عبد السلام عبد الرزاق
قيادي في “الجيش الوطني”ظهرت إرادة كبيرة في بداية الثورة للتصنيع العسكري، مع خبرات وإمكانيات قليلة، ما أدى إلى الاهتمام بصناعات عسكرية خفيفة، أو تعديل أسلحة وعتاد، كتطوير دقة الإصابة ومدى الأسلحة الفردية، وأيضًا بعض العتاد ضمن اختصاص المدفعية، الذي يؤمّن إلى حد ما قوة ردع وتدمير قد توازي بعض الأسلحة التي يمتلكها النظام.
بعد ذلك حدثت تحولات كبيرة في الثورة، وسُلب القرار العسكري، ومن ضمنه الصناعات العسكرية، فغابت الإمكانيات وإرادة التصنيع، وأيضًا جرى الاستغناء عن الخبرات العسكرية، والتضييق عليها، في مقابل ظهور قادات أمر واقع غير معنيين بقطاع يحقق الاستدامة للفصائل.
ولكن الصعوبه الكبرى منذ البداية حتى الآن، هي حظر المواد الأولية للصناعات العسكرية، واستحالة أو صعوبة تأمينها، وهو ما حال دون صناعة معدات جديدة، والاقتصار على تطوير أو تغيير مواصفات بعض العتاد، وهو ما لم يقدم أو يؤخر شيئًا في أرض المعركة.
ولعل أنجح ما ابتكره الثوار خلال السنوات العشر، ورأينا فارقًا له في أرض المعركة، هو مدفع “جهنم”، إذ صار جزءًا لا يتجزأ من التمهيد والدعم والتغطية النارية للأعمال القتالية، وارتفعت دقة الإصابة باستخدامه بعد دخوله أرض المعركة بحوالي سنتين.
لكن لم نرَ بعد ذلك أي جديد، ولن نرى في ظل استبعاد الضباط والخبراء، والإرادة المسلوبة، والاهتمام بأمور بعيدة جدًا عما يخدم القوة العسكرية للثورة، وهو ما قد يكون وراءه “فيتو” أو قرار دولي، بعدم السماح للثوار بالتقدم في هذه الصناعات.
أسلحة صنعتها فصائل المعارضة منذ 2011
استخدمت فصائل المعارضة أنواعًا مختلفة من السيارات، خاصة التي تحوي صندوقًا خلفيًا، كمنصات لإطلاق النار عبر الرشاشات، بتركيب قاعدة لأنواع مختلفة من الرشاشات من عيار 12.5 مليمتر و14.5 مليمتر و23 مليمترًا، وفي بعض الأحيان رشاشات الـ”PKS” (بي كي سي).
وأضافت إلى السيارات المخصصة للرشاشات أنواعًا مختلفة من الدروع، لحماية الرامي والسائق ونقاط أخرى في السيارة.
لكن الأمر تطور لاحقًا، وأُعلن عن تصنيع مركبات تكتيكية قتالية من قبل الفصائل:
العربة المدرعة “Z405”
شبيهة بطراز المدرعة التركية “كوبرا” المصنعة من قبل شركة “أوتوكار”، واستخدمتها القوات التركية مدعومة بفصائل “الجيش الحر” في عمليتي “درع الفرات” شمالي حلب، و”غصن الزيتون” في عفرين شمال غربي حلب، ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
– مزودة برشاش كهربائي مزدوج يجري التحكم به من داخل العربة.
– فيها شاشات رؤية ليلية ونهارية للسائق والرامي، وطبقتا تصفيح.
– العربة رباعية الدفع وتسير في جميع الظروف، وتُستخدم في عمليات الهجوم والدفاع، وتغطي ناريًا لحدود كيلومترين عبر الرشاشات.
– تستوعب ثمانية مقاتلين مع الرامي والسائق.
– أعلن عن تصنيعها فصيل “نور الدين زنكي” في كانون الأول 2018.
آلية “رعد” المصفحة
– أعلنت “فرقة الحمزة” التابعة لـ”الفيلق الثاني” في “الجيش الوطني السوري” عن تصنيعها في 11 من شباط 2021.
– مركبة قتالية لخوض المعارك في جميع الظروف، ومزودة بمحرك يعمل ضمن ظروف مناخية متعددة.
– وزنها 14 طنًا وطولها 5.5 متر، وعرضها متران وارتفاعها عن الأرض 2.5 متر.
– مزودة بنظام دفع رباعي، وتتراوح سرعتها بين 35 و40 كيلومترًا في الأرض الوعرة، وبين 110 و120 كيلومترًا بالساعة في الطرق المعبدة.
– مصفحة ضد الرشاشات الخفيفة والمتوسطة من جميع الاتجاهات، ولها نوافذ زجاجية مقاومة للرصاص بسماكة 13 سنتيمترًا، ومزودة برشاش عيار 12.7 مليمتر من نوع “M2k” يعمل بزاوية 360 درجة بتحكم كهربائي كامل من داخل العربة.
– طاقهما ثمانية مقاتلين، ومجهزة بأنظمة تشويش للألغام والعبوات، ومزودة بكاميرات.
مدرعة “الفهد”
– أنتجتها “فرقة الحمزة” في نموذج يشابه المدرعات التركية نوع “BMC كيربي”، في تموز 2019.
– تصنيع العربة كان ضمن ورشات خاصة بـ”فرقة الحمزة”، وهي مشابهة للعربات التركية التي يستخدمها الجيش التركي في عملياته العسكرية.
– مزودة برشاش متحرك وكاميرات ليلية ونهارية لتعمل في جميع الظروف والأماكن.
– تتميز المركبة المدرعة بمحرك دفع رباعي (4×4)، وتصل سرعتها إلى 80 كيلومترًا في الساعة في الأراضي السهلية، وإلى 30 كيلومترًا في الأراضي الوعرة.
– يبلغ طولها ستة أمتار وعرضها 1.75 متر وبارتفاع ثلاثة أمتار عن الأرض.
وتحدث ناشطون أن الجيش التركي دعم صناعة معظم أنظمة عربتي “الفهد” و”رعد”، لكن ماجد الحلبي، إعلامي “فرقة الحمزة”، قال لعنب بلدي، إن التصنيع جرى في “مصنع الدفاعات الوطني” التابع لـ”الفرقة”، على يد خبرات ومهندسين سوريين، وداخل الأراضي السورية.
مدفع “جهنم”
– ظهر في مدينة بنش بريف إدلب الشمالي، بعد الاستفادة من دبابات النظام الروسية المدمرة من طراز “T-72” و”T-62″، واستخدمت “سبطاناتها” على اختلاف أشكالها لتكون أساسًا له.
– توفر سبطانة الدبابة المعالجة جسمًا مناسبًا لصنع المدفع لتحمل الضغط الناتج عن إطلاق القذائف بعكس سبطانات مدافع قذائف “الهاون”.
– وزن قذيفة “الهاون” المصنعة محليًا يبلغ نحو 15 كيلوغرامًا، ويصل وزن قذيفة مدفع “جهنم” إلى 65 كيلوغرامًا من جسم أسطوانات الغاز المنزلي، بحشوة من البارود تصل إلى كيلوغرام واحد.
– أظهر السلاح فعالية خلال معارك فصائل المعارضة ضد قوات النظام في ريفي حلب وإدلب.
– استعمل ليكون غطاء تمهيديًا قبل دخول مجموعات الاقتحام إلى المواقع العسكرية.
– تطور المدفع بعد التجارب ليتحول إلى “مدفع 300″، ليكون من أبرز الأسلحة الثقيلة التي صنعها مقاتلو الفصائل.
– تصل قدرة المدفع التدميرية إلى مئتي متر مربع، ومداه إلى ألفي متر، ما يجعله مثاليًا في حرب المدن.
قناصة “AM-50”
– “AM- 50” تعتبر استنساخًا لقناصة “Steyr HS -50” النمساوية، إذ أخذت إيران النموذج وصنعت قناصات مشابهة لها سمتها “AM -50″، كما استنسخها النظام السوري وأطلق عليها “Golan S-01”.
– صنعت قوات المعارضة عددًا منها، بتطويع قطع وأسلحة اُغتنمت من قوات النظام، وجرى تطبيقها وملاءمتها.
– استولت المعارضة على قطع منها خلال المعارك ضد النظام، حسب موقع “Caliber Obscura” المتخصص بأنواع الأسلحة.
– يصل مدى القناصة إلى 1500 متر، وتستخدم طلقات عيار 12.7 مليمتر.
– استخدمها مقاتلو عناصر “الجيش الوطني” و”هيئة تحرير الشام” و”أنصار التوحيد” و”حراس الدين”.
قناصة “شام ر3”
– رشاش آلي يمكن التحكم به عن بُعد، يرصد الهدف بشاشة إلكترونية، ويتم التحكم به عبر “قبضة” توجه الرشاش صوب الهدف المطلوب.
– يوفر أمانًا للمقاتلين وسهولة في الحركة، ونقطة قوة في خطوط القتال.
– يتميز بإمكانية الحركة أفقيًا وعموديًا.
صاروخ “الفيل”
– مجموعة صواريخ معدلة بإضافة رأس حربي كبير إليها ليخسر الصاروخ من مسافة مداه وتزداد قدرته التدميرية
– استخدمت هذه الصواريخ أساسًا من قبل النظام الذي هدم أحياء كاملة بها، لترد المعارضة عليه بتطوير صواريخ “الفيل” خاصتها.
– تتشابه هذه الصواريخ في عدة أمور وتختلف في التفاصيل، فهي عبارة عن صواريخ “غراد” يضاف إليها رأس حربي أكبر بكثير من الرأس الحربي لـ”غراد”.
– يبلغ وزن الصاروخ بين 400 و800 كيلوغرام كحد أقصى، أي نحو عشرة أضعاف وزن صاروخ “غراد” الذي يصنع الصاروخ على أساسه.
– تتكون من جسم صاروخ أُضيف إليه رأس حربي من أسطوانة معبأة بالمتفجرات بقطر نحو 50 سنتيمترًا.
– يبلغ طول الصاروخ ككل بحدود ثلاثة أمتار، وتحتوي حشوته على متفجرات مصنوعة عادة من السماد المطبوخ، ويطلق الصاروخ كهربائيًا مثل “غراد”.
– صنع مقاتلو الفصائل أنواعًا أخرى من الصواريخ مثل “بركان 1″، “إسلام 1″، “رعد”.
صاروخ “إسلام”
– أنبوب معدني طوله 1.10 متر، حشوته خليط من نترات البوتاسيوم والسكر.
– منصة إطلاقه مزودة مزودة بشاشة إلكترونية لتحقيق هدفه بدقة جيدة.
– صنعه فصيل “جيش الإسلام”، وحاولت عنب بلدي التواصل مع “الجيش” للوقوف على آخر التحديثات لديه في الصناعات العسكرية لكن لم يتوفر رد.
قذائف متنوعة وقنابل يدوية
صنعت مختلف الفصائل العسكرية قذائف ومدافع “هاون”، وجرى الاعتماد عليها بسبب استخدامها المتعدد خاصة في حرب المدن ووصول صناعتها إلى مرحلة متقدمة، على عكس الصواريخ المصنعة، التي خضعت لتجارب عدة وتحتاج إلى قياسات وأعمال وخبرات أكبر، كما أن دقتها كانت منخفضة، حسب حديث ضابط في “فيلق الرحمن” إلى عنب بلدي.
واستطاعت الفصائل تصنيع قنابل يدوية (تعمل على الفتيل الصاعق)، واستخدمت في مختلف المناطق، كما حولت بنادق الصيد من عيار 9 و12 مليمتر، بعد إزالة المقذوف وإبقاء الحشوة الدافعة ووضع أنبوب حديد عند الفوهة كمنصة لإطلاق قنابل الفتيل، إلى مدفع قذائف “RGC” محلي الصنع، خاصة في الغوطة الشرقية.
كما صنعت حشوات قذائف “RPG”، وجرى إعادة تعبئة طلقات “الكلاشنكوف” و”PKS”، كما صنعت طلقات رشاش مضاد طيران عيار 23 مليمترًا، إلا أنها لم تُعتمد بسبب مشكلة الانعدام الذاتي لهذا النوع من الذخائر، الذي يؤدي إلى شظايا قد تضر بالمدنيين، حسب الضابط في “فيلق الرحمن”.