عنب بلدي – زينب مصري
بمرسوم رئاسي نُشر في الصحيفة الرسمية، وجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مطلع شباط الماضي، بافتتاح كلية للطب ومعهد عالٍ للخدمات الصحية في مدينة الراعي شمال شرقي مدينة حلب، يتبعان لجامعة “العلوم الصحية” الحكومية في مدينة اسطنبول.
وأثار قرار الافتتاح جدلًا بين سوريين، منهم طلاب في شمال غربي سوريا، سُعدوا به شاكرين الحكومة التركية، وآخرون اعتبروا أن القرار “محاولة تركية لفرض سيادتها على الأراضي السورية”.
أُسّست جامعة “العلوم الصحية” في اسطنبول عام 2015، وهي الجامعة الحكومية الوحيدة المصرح لها بتقديم أنشطة تعليمية خارج البلاد.
وتضم الجامعة كليات الطب، والطب الدولي، والصيدلة، والتمريض، وعلوم الحياة، والعلوم الصحية، والمدرسة المهنية للخدمات الصحية، ومعهد العلوم الصحية. |
النظام يرفض القرار
رفض النظام السوري افتتاح الكلية والمعهد الطبي في مدينة الراعي، على لسان مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين التابعة له، واعتبر أن القرار التركي يمثل “عملًا خطيرًا وخرقًا فاضحًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.
كما اعتبر أن القرار “باطل ويشكل استمرارًا لممارسات تركيا في إطالة أمد الأزمة السورية ودعم تنظيمات كـ(داعش) و(النصرة) و(الإخوان) لخدمة أجنداتها وتحقيق أطماعها وأوهامها”.
ولا تعتبر هذه الكلية هي المشروع التعليمي الأول للحكومة التركية في مناطق شمالي سوريا، إذ أقامت تركيا العديد من الكليات والمعاهد التابعة لجامعاتها الحكومية هناك، ولكن هذا القرار تلقى ردًا رسميًا من حكومة النظام.
كيف يتعارض القرار مع القوانين الدولية؟
الحقوقي بسام الأحمد، مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، يرى أن القرار الرئاسي التركي يتعارض مع القوانين الدولية لعدة أسباب، أبرزها أنه يمكن اعتبار هذه الخطوة التركية “محاولة اكتساب سيادة أكثر على أراضٍ سورية”.
ونوه الأحمد، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن مثل هذه القرارات تعبر عن “نيّة وجود تركي طويل الأمد” في شمالي سوريا، و”ضمه للأراضي التركية حين تسمح الظروف الدولية”.
ووفقًا لـ”لائحة لاهاي” عام 1907 (المواد من 42 إلى 56)، واتفاقية “جنيف الرابعة” (المواد من 27 إلى 34، ومن 47 إلى 78)، فإنه “لا يجوز لأي سلطة احتلال أن تكتسب سيادة على أراضٍ محلية لدولة أخرى”.
وتدخلت تركيا عسكريًا بشكل مباشر بالنزاع في سوريا بالقرب من حدودها الجنوبية عام 2016، من خلال عملية “درع الفرات”، ولاحقًا تدخلت عبر عملية “غصن الزيتون” في عام 2018، وعملية “نبع السلام” عام 2019.
“الحكومة المؤقتة” لم تعلم بالقرار مسبقًا
ولم يكن القرار التركي بالتعاون مع أي جهة سورية، بحسب معاون وزير التربية والتعليم لشؤون التعليم العالي في “الحكومة السورية المؤقتة”، فاتح شعبان، الذي قال لعنب بلدي، إن “الحكومة المؤقتة” لم تكن لديها أي فكرة بشأن إقامة كلية تابعة لجهة حكومية تركية.
والهدف من إنشاء كلية الطب هو “استيعاب الطلاب في المناطق المحررة ضمن عدة اختصاصات طبية”، بحسب ما قاله مدير مكتب العلاقات العامة والإعلام في المجلس المحلي بمدينة الراعي، علاء الدين حمد، لعنب بلدي.
وستُبنى الكلية ضمن “معايير دولية، ومن المتوقع أن تبدأ خلال أيام قليلة، وتكون جاهزة خلال ستة أشهر”، بحسب حمد.
ذكر مركز “مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط” في تقرير نشره في نيسان 2018، حول إمكانية أن تضم تركيا الأراضي التي تسيطر عليها الآن في شمالي سوريا، أنه “يتهم النقاد أنقرة بامتلاك تطلعات استعمارية جديدة في شمالي سوريا. ظاهريًا، قد يكونون محقين في جانب معيّن”، بحسب ما تعتقده مديرة مركز الدراسات التركية في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن، غونول تول.
وتدلل تول على ذلك بأن الأتراك يتولون إدارة المستشفيات والمرافق العامة في الشمال السوري، وتشي معطيات عدة، مثل إشارات السير التركية، وقوات الشرطة المدربة على أيدي أتراك، ومكاتب البريد التي بناها أتراك، بأن الدور التركي يتنامى باطراد، وفق تول.
وكغيره من القطاعات في مناطق سيطرة المعارضة، تأثر التعليم العالي إلى حدّ كبير بالواقع السياسي وتوازنات القوى العسكرية المحلية على الأرض، إذ تتنازعه اليوم حكومتان، وتتغير مواقع مؤسساته وفقًا للقوة المسيطرة.
القرار نتيجة للمطالبات الشعبية
المحامي السوري طارق حاج بكري، قال إن القرار التركي بإنشاء الكلية والمعهد الطبي لم يكن من جهة واحدة، وإنما كان نتيجة مطالبة “الحكومة السورية المؤقتة” والمطالبات الشعبية المستمرة من السوريين في مناطق الشمال، الذين هم بحاجة ماسّة إلى مثل هذه الكليّة، تتوفر بها جميع الكوادر بالإضافة إلى المستشفى. وبرأيه، هو أمر لا يتعارض مع القانون الدولي، لأنه جاء تلبية لحاجة وبناء على اتفاق مع “الحكومة السوريّة المؤقتة”.
وفي حديثه إلى عنب بلدي، قال المحامي إن هذه الكلية هي امتداد للجامعة التركيّة، ويمكن للجامعات الأجنبية أن تفتح مقرًا لها في دول أخرى بناء على موافقة الحكومة، وهذا ما تم مع “الحكومة المؤقتة”، لذلك لا يوجد “تجاوز” على الإطلاق، وهو متوافق مع القانون الداخلي والدولي.
وعن تثبيت الوجود التركي في المنطقة من باب الخدمات الإدارية، يرى حاج بكري أن الشمال السوري يُدار بالإشراف التركي، “وبما أن تركيا تدير المنطقة فهي مسؤولة عنها حتمًا إداريًا وأمنيًا ومن كل النواحي”.
ومن وجهة نظر المحامي، من واجب تركيا وغيرها من الدول في أي منطقة تديرها (إذا كانت تلك المنطقة تحت الوجود الأجنبي الخارجي) أو تحت هيمنتها وإشرافها أن تديرها بـ”أفضل وجه”، وأن تقدم لها الخدمات، ومنها الخدمات التعليمية، وتوفر الكوادر “الصحيحة المتعلمة الناجحة” من أجل تقديم الخدمات لهذه المنطقة.
كيف استقبل طلاب سوريون القرار التركي الجديد؟
لم يكن خلاف سوريين تلقوا خبر افتتاح الكلية والمعهد الطبي في ريف حلب حول قانونية القرار دوليًا من عدمها، بل كان خلافهم حول المنطقة المراد تشييد المركزين التعليميين الجديدين فيها.
عبد الله الراغب- ناشط مدني
“سعيد جدًا بهذا الخبر، وأشكر الحكومة التركية والجامعات التركية على افتتاح أفرع لها في الداخل السوري المحرر، لكنني تمنيت لو تم افتتاح الفرع في مدينة الباب، فهي أكبر مدن الشمال المحرر، وتضم نسيجًا سكانيًا من مختلف من مناطق سوريا، ولا أبالغ إن قلت إنها سوريا المصغرة.
ما يحز بنفسي تركيز الخدمات الكبيرة والمؤثرة في الراعي التي تعد بلدة صغيرة مقارنة بالباب، لكنها صارت تضم المستشفى المركزي والمحكمة المركزية في المنطقة وقريبًا كلية الطب، لم نشعر يومًا في هذه المنطقة بأي فرق بين عربي و كردي و تركماني، لذلك أتمنى ألا أرى في الأيام المقبلة (قرداحة) جديدة في الشمال مع فائق حبي واحترامي لإخوتنا التركمان”.
محمد نور- طالب جامعي
“مدينة الباب أكبر وأضخم، لكن هي الأقل استقرارًا والأكثر فوضى، وقِس الأمرعلى مستشفى الباب، ومستشفى الراعي الذي هو أكبر وأضخم من مستشفى الباب.
وكثرة المشكلات والشكاوى تجعل الأتراك يختارون مدينة الراعي، وأعتقد أن الأهم اعتبارهم مدينة الباب منطقة عسكرية.
ومن منظور الأتراك، فالراعي أقرب من الباب، ويكون بذلك الذهاب والإياب سهلًا بالنسبة لهم، لذلك أرى قرار الافتتاح مناسبًا ورائعًا من كل الجوانب”.