عنب بلدي – جنى العيسى
حققت شيرين الملا (40 سنة) من سكان ريف حمص، حلمًا عمره عشرات السنين، دون أن تخطط له، من إرث حصلت عليه من عائلتها بقيمة خمسة آلاف دولار أمريكي، خبأته في 2013 لتجده في عام 2020 يشتري لها منزلًا غير مكسو (على العظم)، في ريف حمص.
قالت شيرين لعنب بلدي، إن شراء منزل يُسجل باسمها كان حلمًا لها، ومع زيادة تدهور الليرة السورية، كانت تستاء من ارتفاع الأسعار المرتبطة بها، ولم تتخيل أبدًا أن خمسة آلاف دولار في 2020 ستشتري لها منزلًا كانت تريده.
على الرغم من أن ما حدث مع شيرين ضربة حظ غير مخططٍ لها، فإنه صار ضرورة يعتمدها السوريون لحفظ مدخراتهم.
الذهب هو الحل الأمثل للادخار في سوريا
يعد ادخار المال عن طريق شراء الذهب طريقة تقليدية استخدمها السوريون منذ عقود طويلة، لأن الذهب على عكس العملات، لا يفقد قيمته من جهة، ولسهولة نقله من جهة أخرى.
وتضاعف سعر الذهب 80 ضعفًا في الوقت الحالي، إذ بلغ سعرمبيع غرام الذهب 21 قيراطًا حوالي 190 ألفًا (الدولار الواحد يعادل 4000 ليرة سورية)، بينما كان في نهاية 2011 قرابة 2300 ليرة سورية.
وقال الباحث الاقتصادي في مركز “جسور للدراسات” خالد تركاوي، لعنب بلدي، إن حفظ الأموال عن طريق شراء الذهب، هو أفضل حل للمقيمين في مناطق في سيطرة النظام السوري لعدة أسباب، منها الابتعاد عن المساءلة الأمنية التي يمارسها النظام على مقتني العملات الأجنبية، وارتباط أسعاره بالارتفاع العالمي لقيمته، الأمر الذي يضمن عدم الخسارة فيه.
وتثق البنوك المركزية العالمية بادخار الذهب، ما يجعله خيارًا آمنًا ومشجعًا للأفراد.
وأضاف أن الذهب المشترى للادخار يجب أن يكون من دون صياغة، حتى لا يخسر المُدخر أجور صياغته إذا اضطر لبيعه، وتعد ليرات الذهب أفضل طريقة للادخار لضمان عدم الخسارة فيها أبدًا.
الدولار.. ولكن بعيدًا عن عيون النظام
يجد السوريون في الدولار ملاذًا آمنًا لادخار أموالهم هذه الأيام، بعيدًا عن اضطراب سعر صرف الليرة السورية التي تغيرت قيمتها خلال عشر سنوات تغيرًا كبيرًا، فهبطت قيمتها أمام الدولار في 2021، 85 ضعفًا عما كانت عليه في 2011.
وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أصدر مرسومًا تشريعيًا، في كانون الثاني 2020، للمتعاملين بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، يقضي بفرض عقوبة السجن عليهم مع الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، ودفع غرامة مالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامَل به.
على الرغم من هذه الخطوة التي يسعى النظام من خلالها إلى تعويم اقتصاده، ما زال الكثيرون من المقيمين في مناطق سيطرة النظام يلجؤون إلى تصريف الدولار بشكل سري في مكاتب خاصة موثوقة من قبلهم، لأنهم يخافون من ذكر اسم الدولار عبر الهاتف أو في أي مكان عام، وهو ما دفع التجار إلى عدم بيع العملة الأمريكية لأي شخص لا يعرفونه خوفًا من الاعتقال والملاحقة الأمنية.
مواطن من سكان ريف دمشق (45 سنة)، يدخر أمواله في البنوك السورية منذ عشر سنوات، لخوفه من عدم استقرارالليرة السورية بعد اندلاع الثورة.
وقال لعنب بلدي، إنه لا يجرؤ حتى على استثمار أمواله في أي مشروع بسيط يطرحه ذووه، فالمشاريع في بلد الحرب تحتاج إلى رأس مال كبير، وستبوء بالفشل على حد قوله، فاكتفى بتحويل أمواله إلى الدولار الأمريكي لكيلا تخسر قيمتها، وادخرها في منزله، بصندوق خاص.
وقال الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، إن الليرة السورية تعيش في انهيار مستمر، ولا يرى لها أي تحسن في المستقبل المنظور، وعليه فتحويلها إلى العملات الأجنبية أكثر نفعًا وأضمن من حفظها بالعملة السورية.
ويمكن أيضًا لذوي الدخل المحدود ادخار مبالغ بسيطة من العملات الأجنبية، فالمبالغ البسيطة لا تخسر بل من الممكن أن تتضاعف.
العقارات ترافقها المخاطر
أحمد العلي (36 سنة)، سوري مقيم في ألمانيا، قال إنه اشترى منزلًا في ريف دمشق بقيمة 50 مليون ليرة سورية، ما يقدر بـ12.5 ألف دولار، بهدف استثماره لبيعه بعد عدة سنوات بأضعاف ما دفع فيه، كون الأسعار في سوريا في ازدياد كبير.
وقال تركاوي، إن مخاطر شراء العقارات في أي بلد تشهد حربًا، كسوريا، تتجسد في تعرضها للقصف، أو الاستيلاء عليها من قبل جماعات مسلحة، موضحًا أن الاستثمار في مجال العقارات يجتاج إلى رأس مال كبير.
ونقل موقع “إعمار سوريا“، في كانون الأول 2020، عن مدير الوكالة السورية القانونية، الخبير العقاري عمار يوسف، قوله إنه وفي ظل الارتفاع غير المسبوق في أسعار العقارات ومواد البناء، يحتاج ذوو الدخل المحدود إلى ما لا يقل عن مئتي عام لتأمين سكن.
وأضاف أن تأمين المسكن صار حلمًا بعيد المنال، إذ ليس باستطاعة الموظف الادخار من راتبه الذي لا يكفيه لتأمين الطعام والشراب من أجل شراء منزل.
“المركزي” يتحرك أمنيًا للحد من تدهور الليرة
تضاعف أسعار المواد الغذائية اليومي، وانهيار الليرة السورية، دفعا مصرف سوريا المركزي لاتخاذ إجراءات تحد من تدهور الليرة، تمثلت بتنفيذ “هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب” والضابطة العدلية عددًا من “المهمات” في مختلف المحافظات، وتحديدًا في دمشق وحماة وحلب.
وأسفرت الإجراءات، وفقًا لـ”المركزي”، عن “وضع اليد على مجموعة من الشركات والجهات التي تعمل بالمضاربة على الليرة السورية”، إضافة إلى “مصادرة كميات كبيرة من الأموال بالليرات السورية والدولار الأمريكي”.
واعتبر المصرف أن الأمر “يتطلب وعيًا من قبل المواطنين وأصحاب الشركات إلى جانب إجراءاته، للاستمرار في التصدي للمحاولات التي تستهدف النيل من الليرة السورية والشعب السوري الذي أثبت صموده طوال فترة الحرب”.
ويبلغ متوسط الرواتب في سوريا نحو 45 دولارًا (بحسب سعر الصرف الرسمي 1256 ليرة للدولار الواحد) و14 دولارًا (وفق سعر السوق، 4000 ليرة للدولار الواحد)، بحسب موقع “numbeo” المتخصص بالإحصائيات.
وتتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي.