منصور العمري
يحتفي العالم (أو ربما فئات من الناس) في 8 من آذار/ مارس من كل عام باليوم الدولي للمرأة، وهي مناسبة للنظر في التقدم المحرز في حقوق المرأة، وللدعوة إلى التغيير، وللاحتفال بأعمال النساء وشجاعتهن وثباتهن في أداء أدوار استثنائية في بلدانهن ومجتمعاتهن.
تختار الأمم المتحدة عنوان وتركيز احتفالية كل عام تبعًا لعدة أسس، من أهمها المواضيع الطارئة والساخنة. تأتي احتفالية العام الحالي تحت عنوان: “المرأة في صفوف القيادة لتحقيق مستقبل من المساواة في عالم كوفيد- 19″، إلا أن الهدف الأساسي من هذه الاحتفالية السنوية هو تسليط الضوء على دور المرأة في الحياة العامة، والمشاركة المتساوية في صنع القرار، وحق المرأة في صنع القرار بجميع مجالات الحياة، وحقها في الأجر المتساوي، وتحقيق المشاركة المتساوية في الرعاية غير المدفوعة الأجر والعمل المنزلي وغيره.
في سوريا، لا يزال الطريق طويلًا لتطبيع حقوق المرأة في التمثيل السياسي والمشاركة في اتخاذ القرارات الوطنية، فالحقائق والأرقام تظهر قمعًا وتغييبًا جائرًا للمرأة ودورها في دوائر اتخاذ القرار والتشريع، بل تشير الأرقام إلى تراجع دور المرأة في الحياة السياسية واتخاذ القرار حتى عن الوضع البائس سابقًا.
أي حديث عن دور متنامٍ للمرأة في سوريا وتقدم في حقوقها، لن يكون ذا مصداقية ما لم يأخذ بعين الاعتبار دورها وتمثيلها في هيكليات القوى المسيطرة ومؤسساتها، وليس فقط في المجتمع المدني ومنظماته. ففي نهاية المطاف، وجود المرأة في دوائر اتخاذ القرارات والتشريع يلعب دورًا محوريًا في حياة الناس، ولا يمكن مقارنة دور المرأة في المجتمع المدني رغم أهميته القصوى بفعالية وآنية أدوارها الحكومية.
سوريا أول دولة عربية تمنح حق التصويت للمرأة عام 1949، وقبل دول أوروبية تتمتع فيها المرأة بحقوق كاملة، مثل اليونان وسويسرا والبرتغال، ثم أتاحت بعدها دول عربية ودول أخرى في العالم هذا الحق وحقوقًا أخرى، مثل الترشح والحقوق السياسية الكاملة دون تمييز جندري. لكن الوضع اليوم، يشير إلى تراجع في حقوق المرأة في “سوريا الأسد” ومناطق سوريا التي تسيطر عليها المعارضة، باستثناء مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا”.
رغم أن انتخابات مجلس الشعب التابع للنظام السوري هزلية بطبيعتها، فإن نسبة تمثيل المرأة 11%، وهي من أدنى نسب التمثيل في العالم، وأدنى من المعدلين العالمي والإقليمي. ففي عام 2020، كانت النسبة في البرلمان السعودي مثلًا 19.9%، وفي أفغانستان 27%، وفي الصومال 24.4%.
أما في حزب “البعث” الحاكم التابع لنظام الأسد، فمن بين 14 عضوًا في القيادة المركزية للحزب، هناك امرأة واحدة، أي بنسبة نحو 7%، وفي حكومة النظام هناك ثلاث وزيرات من بين 31 وزيرًا، بنسبة تمثيل نحو 9%.
“الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، الذي أسهم المجتمع الدولي في تأسيسه ويستمر في دعمه، ويعتبره ممثلًا شرعيًا للمجتمع السوري، يضم بين أعضائه ثماني نساء فقط من بين 91 عضوًا، أي بنسبة نحو 9 %. بهذه النسبة يقدم “الائتلاف المعارض” صورة مزرية لسوريا المستقبل، وهو المظلة السياسية التي من المفترض أن تمثل المعارضة السورية. تمثل هذه النسبة المشوهة إحدى أدنى نسب تمثيل المرأة في العالم. أيضًا من بين ممثلي “الائتلاف” في دول العالم، هناك امرأة واحدة من بين عشرة أشخاص. وفي “الحكومة المؤقتة” التابعة لـ”الائتلاف”، توجد وزيرة واحدة من بين ثمانية وزراء.
نسبة تمثيل صفر بالمئة
جميع النساء الثماني الأعضاء في “الائتلاف” مستقلات حسب موقعه الإلكتروني، أي أنه لا يوجد أي تمثيل للمرأة في أي من التكتلات السياسية المكونة لـ”الائتلاف”، ومن بينها “إعلان دمشق”، والمجالس المحلية السورية، و”المجلس الوطني الكردي”.
حكومة “الإنقاذ” التابعة لجماعة “هيئة تحرير الشام” الإسلامية المتشددة المصنفة إرهابية والتي تسيطر على إدلب ومناطقها، جميع وزرائها العشرة ورئيس وزرائها من الذكور، كما أن “مجلس الشورى العام” المقابل للبرلمانات، لا يضم أي امرأة بين أعضائه الذين يبلغ عددهم نحو 107.
أعلى النسب في العالم
بالمقابل، تمنح “الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا” المرأة نسبة تمثيل من بين الأعلى في العالم لعام 2020، بعد رواندا (61.3) وكوبا (53.4)، وهي مساوية لدولة الإمارات، حيث يفرض نظام “الرئاسة المشتركة” المستخدم في “الإدارة الذاتية” حق اتخاذ القرارات ضمن مؤسسات الإدارة للنساء والرجال بشكل متساوٍ، ويتطلب من كل مؤسسة أن يكون تمثيل النساء فيها بنسبة 50%.
مستقبل ذكوري
حتى في اجتماعات اللجنة الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة، كانت نسبة تمثيل المرأة متدنية جدًا. ففي شباط 2020، مثّل النظام أربع نساء من بين 15 عضوًا، أما المعارضة فمثلتها امرأتان من بين 15 عضوًا.
تشكّل النسب الضئيلة في سوريا لتمثيل المرأة في الكيانات السياسية والتشريعية ودوائر اتخاذ القرارات مؤشرًا خطيرًا على امتداد ثقافة التمييز ضد المرأة، وعلى مستقبل تمثيلها في عمليات الانتقال السياسي أو العدالة الانتقالية، حيث يُسقط دور المرأة الأساسي في هذه العملية، لتصبح عدالة انتقالية ذكورية. كما أنه لا يجب أن ينحصر دور المرأة في عمليات الانتقال والتغيير المجتمعي والمجتمع المدني كأم ضحية ذكر أو زوجة ضحية ذكر أو ابنة ضحية ذكر وحسب، بل يجب أن توجد بصفتها امرأة قيادية، بغض النظر عن قرابتها للضحايا الذكور من عدمها.