د. أكرم خولاني
داء هاشيموتو (Hashimoto’s thyroiditis) والمعروف أيضًا باسم التهاب الغدة الدرقية اللمفي المزمن، هو التهاب بالغدة الدرقية بسبب مناعي ذاتي، وسمي نسبة للاختصاصي الياباني هاكارو هاشيموتو، الذي كان أول من اكتشف هذا المرض عام 1912 ليكون أول مرض مناعي ذاتي يتم اكتشافه.
داء هاشيموتو هو أكثر أسباب قصور الدرق شيوعًا، وهو التهاب لمفاوي مزمن في الغدة الدرقية يؤذي مبنى الغدة وأداءها الوظيفي، وينشأ هذا الالتهاب بفعل أجسام مضادة يتم إنتاجها في الجهاز المناعي لدى المريض، تهاجم هذه الأضداد الغدة، وتؤدي إلى إتلافها بشكل تدريجي لا يمكن منعه أو وقفه، حيث تكتشف في دماء المصابين نسبة مرتفعة جدًا من المضادات التي تهاجم البروتين الأساسي الذي تنتجه خلايا الغدة الدرقية، الغلوبين الدرقي، كما تهاجم أيضًا إنزيم بيروكسيداز الضروري لإنتاج الهرمونين “T3″ و”T4”.
تكون الغدة الدرقية ضعيفة النشاط منذ البداية لدى حوالي 50% من المرضى المصابين بالتهاب الغدة الدرقية لهاشيموتو، بينما يعاني عدد قليل جدًا من المرضى من فرط نشاط الغدة الدرقية في بداية الإصابة بالمرض، أما بقية المرضى فتعمل الغدة لديهم بنشاطها الطبيعي، وبعد ذلك تصبح مصابة بقصور النشاط.
هذا المرض وراثي يصيب، أحيانًا، أكثر من فرد واحد من العائلة نفسها، وهو يصيب النساء أكثر من الرجال (بنسبة 1-4 ولدى المسنين بنسبة 1-8)، وقد يظهر هذا المرض في أي مرحلة من العمر، لكن احتمال ظهوره يزداد مع التقدم في السن، و تحدث الإصابات بشكل أكثر تواترًا بين الأشخاص الذين يعانون من بعض الشذوذات الصبغية، كمتلازمة داون ومتلازمة تيرنر ومتلازمة كلاينفلتر.
ويعاني بعض المرضى المصابين بداء هاشيموتو من اضطرابات أخرى في الغدد الصماء، مثل داء السكري أو قصور الغدة الكظرية، أو غيرها من اضطرابات المناعة الذاتية، مثل فقر الدم الخبيث أو التهاب الفاصل الرثياني أو متلازمة جوغرن أو الذئبة الحمامية الجهازية.
وفي حال ترك المرض دون علاج فإنه يمكن أن يؤدي إلى العديد من المشكلات الصحية مثل:
- مشكلات قلبية: يزداد خطر الإصابة بأمراض القلب، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى ارتفاع مستوى كوليسترول البروتين الشحمي المنخفض الكثافة (LDL)، كذلك قد يؤدي قصور الدرق إلى تضخم القلب وربما فشل القلب.
- مشكلات الصحة العقلية: قد يحدث الاكتئاب في مرحلة مبكرة من داء هاشيموتو، ويمكن أن يؤدي المرض إلى انخفاض الرغبة الجنسية لدى كل من الرجال والنساء، ويمكن أن يؤدي إلى تباطؤ الأداء العقلي.
- انزعاج بالبلع أو التنفس: نتيجة تضخم الغدة الدرقية.
- تشوهات خلقية لدى الأجنة: قد يكون المواليد الذين يولدون من نساء مصابات بداء هاشيموتو متروك دون علاج، أكثر عرضة للإصابة بعيوب خلقية، مثل الحنك المشقوق ومشكلات ذهنية وتنموية.
- الوذمة المخاطية: قد تتطور هذه الحالة الطبية النادرة التي تهدد الحياة بسبب قصور الدرقية على المدى الطويل نتيجة لمرض هاشيموتو الذي لم يعالَج. تتضمن أعراض وعلامات هذه الحالة النعاس المصاحب بخمول عميق وفقدان الوعي، ويمكن أن يحفز التعرض للبرد أو المهدئات أو العدوى أو وجود ضغط آخر على الجسم حدوث غيبوبة الوذمة المخاطية، وتتطلب الوذمة المخاطية علاجًا طبيًا عاجلًا في الطوارئ.
كيف يتظاهر داء هاشيموتو؟
قد لا تلاحَظ مؤشرات مرض هاشيموتو في البداية، أو قد يلاحَظ تورم في مقدمة العنق بسبب ضخامة في حجم الغدة (دُرَاق)، وعادة ما يتقدم مرض هاشيموتو ببطء على مر السنين ويسبب أضرارًا مزمنة للغدة الدرقية، ما يؤدي إلى انخفاض مستويات الهرمون الدرقي في الدم (قصور درق)، وبالتالي فإن الأعراض والعلامات لداء هاشيموتو هي في الأساس نفس التي تنجم عن قصور الغدة الدرقية، وتشمل:
بطء نبضات القلب، ضعف المنعكسات، ارتفاع ضغط الدم، الشعور بالتعب، عدم القدرة على تحمل البرد، وذمات مخاطية (غير انطباعية)، زيادة بسيطة بالوزن، الاكتئاب، الشعور بالنعاس حتى بعد النوم طوال الليل، الحيض الحاد أو غير المنتظم (لدى النساء قبل سن الضهي)، تقلص العضلات، الإمساك، تساقط الشعر، جفاف الجلد، ضعف الذاكرة، بحة الصوت، تورم الوجه وخاصة حول العينين (تشكل هذه الحالة مؤشرًا على أن الحالة قد أصبحت خطيرة)، فقر دم، ارتفاع مستويات الشحوم الثلاثية والكوليسترول.
وقد تظهر لدى المسنين أعراض أخرى إضافية، مثل انخفاض في الأداء الوظيفي للدماغ، حالة تشبه كثيرًا داء الخرف، وفي العديد من الحالات قد يخطئ الطبيب في تشخيص المرض لدى المسنين نظرًا إلى اعتقاده، خطأ، بأن هذه الأعراض هي جزء من عملية الشيخوخة.
ما أسباب الإصابة بداء هاشيموتو؟
لا يُعرف سبب واضح ومحدد لمرض هاشيموتو، فهو من أمراض المناعة الذاتية التي يبدأ فيها جهاز المناعة بمهاجمة الجسم نفسه، ولكن توجد مجموعة من العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بالمرض، وتشمل:
- الجنس: يعتبر النساء أكثر عرضة للإصابة بداء هاشيموتو.
- العمر: كما أسلفنا، قد يحدث داء هاشيموتو في أي عمر، ولكن يحدث على نحو أكثر شيوعًا في منتصف العمر (بين عمر 30 و60 سنة).
- الوراثة: يزداد احتمال الإصابة عند وجود آخرين في العائلة مصابين بأمراض الغدة الدرقية أو الأمراض الذاتية المناعة الأخرى.
- أمراض المناعة الذاتية الأخرى: يزداد خطر الإصابة بداء هاشيموتو عند وجود أحد أمراض المناعة الذاتية الأخرى، مثل التهاب المفاصل الرثياني، أو داء السكري من النوع الأول، أو مرض الذئبة الحمامية الجهازية.
- التعرض للإشعاع: يزيد خطر الإصابة بمرض هاشيموتو لدى الأفراد المعرضين لنسبة عالية جدًا من الإشعاع البيئي.
- الأخطار البيئية: يزيد خطر الإصابة لدى الأفراد المعرضين لنسبة عالية جدًا من الإشعاع البيئي، أو عند نقص اليود، أو نقص السيلينيوم، أو الزنك، أو نقص فيتامين “D”، أو فيتامين “B12″، خاصة عند الأفراد المهيئين جينيًا.
كيف يُشخَّص المرض؟
يعتمد تشخيص داء هاشيموتو على التظاهرات السريرية للمرض إضافة إلى اختبارات الدم، وتشمل:
- ارتفاع مستوى الهرمون المحفز للغدة الدرقية (TSH) الذي تفرزه الغدة النخامية.
- انخفاض مستوى الهرمونات الدرقية “T4″ و”T3”.
- ارتفاع مستوى الأجسام المضادة لبيروكسيداز الغدة الدرقية (Antithyreoperoxidase Antibodies -ATPO)، ولكن لا يعطي اختبار الأجسام المضادة لإنزيم بيروكسيداز الدرقي نتيجة نوعية لهاشيموتو، فلدى كثير من الأشخاص أجسام مضادة لإنزيم بيروكسيداز الدرقي ولكنهم غير مصابين بتضخم في الغدة الدرقية أو قصور الدرقية، أو غيرها من المشكلات.
كيف يمكن علاج داء هاشيموتو؟
لا تتوفر معالجة محددة لالتهاب الغدة الدرقية لهاشيموتو، وفي حال لم يؤثر المرض على عمل الغدة، يكفي وضع المريض تحت مراقبة مستمرة وفحوصات دورية، ولكن إذا سبب المرض عوز هرمون الغدة الدرقية يجب استخدام المعالجة الهرمونية الدرقية المعيضة لبقية الحياة.
وتنطوي المعالجة الهرمونية الدرقية المعيضة على الاستخدام اليومي للهرمون الدرقي الاصطناعي ليفوثيروكسين، ويبدأ الطبيب العلاج عادة بكمية صغيرة من الدواء، ويزيد الجرعة تدريجيًا عن طريق مراقبة مستوى الهرمونات بعد ستة إلى ثمانية أسابيع، هذه الطريقة تسمح للقلب بالتأقلم مع الزيادة في عملية الاستقلاب بشكل أفضل، وبعدها يكفي مراقبة مستوى الهرمون المحفز للغدة الدرقية كل 12 شهرًا، وقد يكون هرمون الغدة الدرقية مفيدًا أيضًا في تقليص حجم الغدة المتضخمة، لكن يجدر التنويه هنا إلى أن هذا العلاج يحتاج إلى الامتناع عن تناول بعض أنواع الأدوية والمكملات الغذائية (أو تعديل طريقة وتوقيت تناولها) التي قد تؤثر على قدرة الجسم على امتصاص الدواء والاستفادة منه، وتشمل:
- مكملات الحديد.
- أدوية الكوليسترول (كوليسترامين).
- مكملات الكالسيوم.
- هيدروكسيد الألمنيوم.
- سوكرالفات (دواء القرحة).
- أدوية الأستروجين.
ويجب على المرضى تجنب تناول كمية كبيرة من اليود، نظرًا إلى أنه قد يزيد من عمليات المناعة الذاتية، ولكن تناول وجبة أسماك بحرية لا يؤثر بأي حال من الأحوال على مسار المرض.