الصحفي الأمريكي مارتن سميث يكشف لعنب بلدي كواليس زيارته إلى إدلب مرتين
“الجولاني” ومارتن سميث.. دور صحفي ترى فيه “تحرير الشام” نافذة إلى أمريكا
عنب بلدي – أمل رنتيسي
مر شهر على صورة التقطها صحفي أمريكي مع قائد “هيئة تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، في إدلب شمال غربي سوريا، فتحت باب التساؤلات والاستفسارات حول الهدف من المقابلة، وكيف رتبها مواطن أمريكي دون علم استخبارات بلاده، التي يعد “الجولاني” أحد المطلوبين لها، وتخصص واشنطن مبلغًا يصل إلى عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تدل عليه.
وكتب الصحفي مارتن سميث حينها، في تغريدة عبر “تويتر“، “عدتُ للتو من زيارة إلى إدلب استغرقت ثلاثة أيام، التقيتُ فيها بمؤسس جماعة (جبهة النصرة) المرتبطة بـ(القاعدة)، وتحدثنا عن هجمات 11 أيلول وعن (القاعدة) وعن أمريكا”.
احتلت صورة “الجولاني” بالمظهر الجديد مساحة واسعة في نقاش السوريين، إذ ظهر مرتديًا بدلة رسمية، مخالفًا عادته بارتداء السروال الشامي التقليدي أو عمامته، ودون وجود أي مظهر عسكري.
بينما وجد بعض رواد مواقع التواصل في الصورة نافذة للسخرية، إذ انتشرت تعليقات تتساءل ما إذا كان اللقاء “فخًا لاصطياد الجولاني؟”، وسط تشكيك بقوة الـ“CIA”.
كما علّقت الخارجية الأمريكية عبر برنامجها “مكافآت من أجل العدالة” ساخرة من مظهر “الجولاني” الجديد بالقول، “يا هلا بالجولاني يا وسيم، وشو هالبدلة الحلوة، فيك تغير ثوبك لكن إنت بتضلك إرهابي. لا تنسَ مكافأة العشرة ملايين دولار”.
عنب بلدي قابلت الصحفي الأمريكي مارتن سميث، وأوضح أنه قام برحلتين إلى إدلب في شباط الماضي، وأقام لمدة سبعة أيام على أرضها.
وقال سميث، إنه خلال مدة إقامته في إدلب لم يتواصل معه أي مسؤول في حكومته، وأضاف، “لم أواجه اتهامات جنائية، ففي السابق، اتصل بي مسؤولون بعد إجراء مقابلات مع أشخاص مطلوبين، لكن خلال هذه المقابلة مع الجولاني لم يتواصل معي أحد”.
ويعتبر هذا اللقاء الأول الذي يتحدث فيه “الجولاني” مع مراسل غربي على شاشة تلفزيون.
تأويلات عديدة.. هل يجب على الصحفي الإدلاء بمعلومات؟
يكفي أن يُكتب اسما “الجولاني” ومارتن سميث معًا في محركات البحث لتظهر مئات التأويلات حول هذا اللقاء، بين من يتحدث عن عجز أمريكي عن الوصول إلى “الجولاني”، ومن يرى في المقابلة “سبقًا صحفيًا”، وكذلك فرصة “تعويم” لـ”الجولاني”.
الصحفي الأمريكي مارتن سميث، قال لعنب بلدي، إنه لا يعمل مع أو لمصلحة حكومة الولايات المتحدة أو أي حكومة أخرى حول ملف الإرهابيين، مشيرًا إلى أنه قابل في الماضي العديد من الشخصيات المدرجة على قوائم المطلوبين في الولايات المتحدة، ولم يشارك حينها مطلقًا بمعلومات من شأنها تسهيل اعتقالهم.
وأوضح أن مسؤوليته تكمن تجاه مشاهديه بوظيفة: “طرح الأسئلة والإخبار عما أجده من أجوبة، وليس تسهيل اعتقال المطلوبين”، على حد تعبيره.
ونشرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) دليلًا عام 2018 من إعداد الصحفي البلجيكي جون بول مارتوز، تحت عنوان: “وسائل الإعلام في مواجهة الإرهاب”.
ويستهدف الدليل شرح العلاقة بين الإرهاب ووسائل الإعلام، وأشار الكتيب إلى أن السلطات تبدي “اهتمامًا خاصًا” بالصحفيين القائمين على تغطية الإرهاب، نظرًا إلى أن الموضوع يمس الأمن القومي وسمعة القوات الأمنية والسلطات السياسية، كما يتعرض الصحفيون أنفسهم لمخاطر الوضع تحت المراقبة، والمنع من إجراء التحقيقات الصحفية في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، بل والاتهام بالتواطؤ، والإدانة، حسب الدليل.
ففي 26 من أيلول 2005، أصدرت السلطات الإسبانية حكمًا بالسجن سبع سنوات على مراسل قناة “الجزيرة” تيسير علوني، بتهمة انتمائه لتنظيم “القاعدة” بعد لقاء صحفي مع أسامة بن لادن في أفغانستان.
وقررت السلطات الإسبانية اعتقاله بتهمة “إساءة استغلال السلطة التي تمنحه إياها صفته الصحفية لإجراء مقابلة مع أسامة بن لادن، وزعيم تنظيم (القاعدة)”، في 7 من تشرين الأول 2001.
وكانت الرابطة العالمية للصحف ذكّرت عشية اليوم العالمي لحرية الصحافة، في 3 من أيار 2005، بالحقوق التي ينبغي أن تضمنها كل الديمقراطيات لوسائل الإعلام، منها أنه يحق للصحفيين تغطية جميع الجهات المشاركة في النزاع، بما في ذلك الإرهابيون، وضمان عدم الملاحقة القضائية في حالة نشرهم معلومات سرية.
كما أشار دليل “يونسكو” إلى أهمية التغطية الإعلامية في المناطق التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية.
وبحسب الصحفي روي غوتمان، الحائز على جائزة “بوليتزر” عام 1993، في كتابه المعنون “كيف فاتتنا القصة؟”، أشار إلى أن غياب التغطية الإعلامية الكبيرة في أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، أدى إلى أن “يفوتنا” ظهور “طالبان” و”القاعدة”، حتى وقوع هجمات 11 من أيلول 2001، وبالمثل، كانت التغطية الصحفية لظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” محدودة جدًا لسنوات، بل وغير موجودة، في الصحافة الدولية الرئيسة.
هل تحاول “تحرير الشام” تلميع صورتها؟
صنّفت وزارة الخارجية الأمريكية، في كانون الأول من 2020، حركات “متشددة”، من بينها “هيئة تحرير الشام” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، بأنها كيانات ذات “مصدر قلق خاص”.
وتسيطر “الهيئة” عسكريًا على مدينة إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي، إلى جانب فصائل أخرى تندرج تحت راية “الجبهة الوطنية للتحرير” المدعومة من تركيا.
وقال وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، في تقرير حول “الحريات الدينية”، إن بلاده “ستواصل العمل بلا كلل لإنهاء الانتهاكات والاضطهاد بدوافع دينية في جميع أنحاء العالم، والمساعدة في ضمان أن لكل شخص في كل مكان وفي جميع الأوقات الحق في العيش وفقًا لما يمليه عليه ضميره”.
وردت “تحرير الشام” على التصنيف في تصريح لمسؤول التواصل، تقي الدين عمر، اعتبرت فيه أن التصنيفات الغربية “تفتقد إلى الحقيقة”، ولم تكن مبنية على حقائق أو أدلة ملموسة، مشيرًا إلى أن “الهيئة” لا تعتبر نفسها مصنفة.
وتسعى “هيئة تحرير الشام” لتحسين صورتها أمام المجتمع الغربي، إذ نقلت صحيفة “لو تمبس” السويسرية، في 4 من أيلول 2020، مقابلة مع الشرعي العام في “هيئة تحرير الشام”، عبد الرحيم عطون، الملقب بـ”أبو عبد الله الشامي”، تحدث فيها عن “تطبيع العلاقات مع الدول الغربية”.
ومع وصول الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى الحكم، دعت “مجموعة الأزمات الدولية” الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إعادة النظر في وضع مدينة إدلب وتصنيف “الهيئة”.
وذكرت المجموعة، بتقرير صدر في 3 من شباط الماضي، أنه “إذا كانت إدارة بايدن تتطلع إلى تصحيح سياسة واشنطن الخارجية المفرطة في العسكرة، فإن إحدى الفرص لإعادة تحديد استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب تكمن في إدلب”.
واعتبر التقرير أن التسمية “الإرهابية” التي أُلصقت بـ”أقوى جماعة متمردة في إدلب” تعكس فجوة في السياسة الغربية.
وبعد اللقاء بين “الجولاني” والصحفي الأمريكي، علّقت “الهيئة” في بيان ركزت فيه على نفس الجانب، إذ قالت، “نعتقد أن من الواجب علينا كسر العزلة وإبلاغ واقعنا بكل السبل الشرعية المتاحة، وإيصال ذلك إلى شعوب الإقليم والعالم، بما يسهم في تحقيق المصلحة ودفع المفسدة للثورة”.
من جهته، قال الصحفي مارتن سميث لعنب بلدي، إنه “ليس مراسلًا من أجل ترويج أو تلميع عمل أو أفكار أي شخص”، بل إن وظيفته هي عكس ذلك، وتكمن في “تحدي الأشخاص الذين يقابلهم، والطلب منهم شرح أفكارهم ودوافعهم والتفكير والرد على التهم الموجهة إليهم”، حسب سميث.
ويرى سميث أن من واجبه كصحفي أن يبحث عن الذين “لم يَسمع عنهم أحد، أو لم يُروَ جانبهم من القصة”، وقال “اعتقدت أن الحديث إلى الجولاني كان ذا قيمة، وهذا لا يعني أنه سيكون الصوت الوحيد المسموع في تقريرنا النهائي، وهو يفهم ذلك”.
وأضاف، “لقد فعلتُ هذه المهمة عبر إجراء مقابلات استمرت لأكثر من ست ساعات، وعليّ بعد ذلك أن أترك الأمر للمشاهدين ليقرروا ما إن كنت قمتُ بعملي بشكل جيد، فأنا أتوقع دائمًا مجموعة من الآراء من جمهورنا”.
وأكد سميث أن بإمكانه حماية نفسه من التلاعب، عبر الاستماع إلى العديد من المصادر، والأخذ بعين الاعتبار جميع الآراء والتجارب، معتبرًا أن المهمة الأهم هي التشكيك في جميع الافتراضات، وعدم الخوف من المكان الذي قد تقود إليه تلك الافتراضات والشكوك.
صحفي أمريكي في إدلب.. ماذا عن المحليين؟
علّق الباحث في شؤون “الجماعات الجهادية” عرابي عبد الحي عرابي، عبر حسابه في “تويتر” بعد انتشار صورة “الجولاني” برفقة الصحفي الأمريكي، بأن “وصول الباحثين الغربيين إلى أدق المعلومات، وإجراء المقابلات مع التنظيمات والجماعات، يثير التساؤل، بينما يخشى الباحثون المحليون على أرواحهم إن كتبوا كلمة أو وصلوا إلى معلومة عابرة”.
وتمكنت “هيئة تحرير الشام”، بعد هيمنتها على منطقة شمال غربي سوريا، من احتلال الصدارة في انتهاك حقوق الإعلاميين والصحفيين، منتزعة اللقب من النظام السوري، وفق الأرقام التي وثقها “مركز الحريات الصحفية” في “رابطة الصحفيين السوريين”.
وبلغ عدد الانتهاكات ضد الإعلاميين 575 في محافظتي حلب وإدلب منذ عام 2011 حتى أيار 2020، وكان للفصيل العسكري منها النصيب الأكبر منذ عام 2019، حسبما قال مدير المركز، إبراهيم حسين، في حديث سابق إلى عنب بلدي، مضيفًا، “لا يكاد يمر شهر إلا ونسجل فيه انتهاكات جديدة ترتكبها (الهيئة)”.
بينما نفى حينها مدير العلاقات العامة في حكومة “الإنقاذ” (المسيطرة إداريًا على إدلب)، ملهم الأحمد، تعرض الصحفيين لـ”أي مضايقات”، مشيرًا إلى “تسهيلات العمل الصحفي”، و”الأريحية” في عمل الوكالات، التي تمتاز بها مناطق سيطرة “الحكومة” عن غيرها، على حد تعبيره.
وحول هذه النقطة، قال سميث، إنه “من الصحيح أن الصحفيين المحليين قد يتعرضون للخطر عندما يطرحون أسئلة صعبة على (قائد) مثل الجولاني”.
وأضاف أنه لا يمكنه التأكد تمامًا من أسباب موافقة “الجولاني” على المقابلة، وافترض أنه “أراد الوصول إلى الجمهور الأمريكي”.
وسأل سميث الأسئلة التي أراد طرحها، على حد قوله، والآن يتحدث إلى “آخرين” لتقديم السياقات والآراء المختلفة.
وكان “الجولاني” أجرى عدة مقابلات مع صحفيين وإعلاميين، ففي عام 2015، التقى الصحفي المصري والمذيع في قناة “الجزيرة” أحمد منصور بـ”الجولاني” في برنامج “بلا حدود“، كما سبقه الصحفي السوري والمراسل في قناة “الجزيرة” أيضًا تيسير علوني، عام 2013 في برنامج “لقاء اليوم”.
وأجرت “هيئة تحرير الشام”، التي كانت تعرف بـ”جبهة النصرة” سابقًا،مؤتمرًا صحفيًا، حضره صحفيون سوريون محليون، كهادي العبد الله وموسى العمر في 2015.
والتقى مراسل “الجزيرة” في مدينة إدلب أدهم أبو الحسام أيضًا بـ”الجولاني” عام 2016.
وفي 20 من شباط 2020، نشرت “Crisis Group” (مجموعة الأزمات الدولية) مقابلة مع “الجولاني”، وقالت المجموعة إن اللقاء كان أواخر كانون الثاني 2020، بحضور مركز “الحوار الإنساني”.
من هو مارتن سميث؟
مارتن سميث (72 عامًا)، هو صحفي أمريكي ومراسل وصانع أفلام وثائقية، بدأ حياته المهنية عام 1976 بمهمة محرر أفلام في شبكة أخبار “CBS”.
خلال السنوات الـ40 التي قضاها في العمل على إنتاج التقارير وإعدادها، حاز على العديد من الجوائز العالمية، إذ حصل فيلمه الوثائقي الأول “غواتيمالا”، عام 1982، على جائزة “جورج بولك” للصحافة الاستقصائية وجائزة “إيمي” من أكاديمية الفنون والعلوم التلفزيونية.
غطى سميث العديد من الأحداث في العالم، من الثورة في أمريكا الوسطى وسقوط الشيوعية في روسيا، إلى ظهور “القاعدة” والحروب في العراق وأفغانستان.
كما أنتج العديد من الأفلام الاستقصائية لمنظمة “Frontline” حول الصراع في العراق، منها “الحقيقة والحرب والعواقب” عام 2003، و”ما وراء بغداد” عام 2004.
كما عمل سميث على تغطية الشأن السوري، ففي عام 2015، قدّم وثائقيًا تحت عنوان: “داخل سوريا الأسد” (Inside Assad’s Syria)، عن الحرب في سوريا، لمصلحة شبكة “PBS”، إذ رافق فيه جنود النظام وشخصيات بارزة فيه كالمخرج نجدة أنزور، وأظهر الوثائقي التناقض بين التصريحات الرسمية ودعايات المسؤولين السوريين الكاذبة والواقع الذي صوّرته الكاميرا.
ويترأس سميث حاليًا شركة “راين ميديا” (Rain Media)، وهي شركة إنتاج مستقلة أسسها في عام 1998.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :