الإعلام وأطفال سوريا المتروكون في العراء
إبراهيم العلوش
فرّ أطفال سوريا من منظمة “طلائع البعث” متخلصين من سياسة عبادة الأسد وآل الأسد، ليقعوا في قبضة الجهل في المخيمات، أو في قبضة بعض التنظيمات الإرهابية التي تستغل تحفيظ القرآن كوسيلة لزرع الإرهاب وعبادة الخليفة الذي يضع نفسه بديلًا عن الأسد، وفي نفس التجويف الذي حفره النظام في عقول الناس خلال الـ50 سنة الماضية.
تقرير منظمة “يونيسف”، الذي صدر في نهاية كانون الثاني الماضي، يؤكد أن نصف أطفال سوريا محرومون من التعليم، فظروف التهجير والقصف والفقر جعلت الأطفال يهجرون مدارسهم ليقعوا فريسة للمجهول. ففي لبنان، يتم استبعاد الكثير من الأطفال السوريين من التعليم، ناهيك عن منع تسجيلهم وتثبيت ولاداتهم ليكونوا بشرًا بلا سجلات وبلا هويات خوفًا من خرافة استيطانهم في لبنان.
وفي المقابل، فإن الأطفال الذين وصلوا إلى تركيا وإلى أوروبا نالوا قسطًا معقولًا من التعليم، ولكن بغير لغتهم العربية، ما جعلهم متباعدين عن هويتهم الثقافية، وتسبب ذلك بصعوبات في التفاهم مع أهاليهم، لأن المفاهيم التي يتعلمونها بالتركية أو الألمانية أو الفرنسية أو غيرها، تجعلهم غير قادرين على شرحها لأهاليهم الذين لا يستطيعون التكلم بتلك اللغات الجديدة عليهم.
حوالي ثلاثة ملايين طفل سوري حُرموا من التعليم، حسب الإحصائيات الدولية، فالطائرات الروسية وبراميل الأسد استهدفت مدارسهم بعدوانية منقطعة النظير، بحجة أن كل من يخرج عن سلطة بشار الأسد هو إرهابي، وقد رسخ هذه المعادلة الجهنمية الإيرانيون والروس بالإضافة إلى شبيحة الأسد.
تتحدث معظم التقارير وبرامج “الميديا” عن السياسة في سوريا وعن الجيوش وعن الشبيحة وعن التطرف الديني، وتتناسى الأطفال المتروكين في العراء وخارج الاهتمام، سواء الأطفال في المخيمات أو في مناطق سيطرة النظام، حيث تحولت أعداد كبيرة منهم إلى أيتام اختفى آباؤهم في حروب الأسد الإجرامية.
لقد نالت أسماء الأسد ونال رامي مخلوف ساعات طويلة من البث والتغطية وآلاف المقالات الخبرية والتحليلية خلال الأشهر الماضية، بينما لم تنل تغطية أوضاع الأطفال السوريين إلا اهتمامًا جانبيًا وغير مهم في سياسات النظام وفي سياسات المعارضة، حتى عملة “البيتكوين” نالت أكبر نسبة بحث من قبل السوريين، بحسب ما نقله موقع “بي بي سي” عن محرك البحث “جوجل”.
ليست مفاوضات “جنيف” وحدها التي تقرر مستقبل سوريا، بل الملايين من الأطفال الذين لا يحصلون على التعليم ولا على الاهتمام بطفولتهم، هم من سيكون لهم الدور الأكبر في نشوء جيل من السوريين خارج العصر وخارج السيطرة لإعادة توظيفه في مستقبل البلاد، فمؤسسات التشبيح ستعتبره كنزًا لها، وستوظفه في حروبها المقبلة، والتنظيمات الإرهابية ستعمل على تجنيد ما تستطيع منه، ومافيا “الكبتاغون” والحشيش والمخدرات الأخرى ستجد الاستثمار فيه أكثر ربحًا لتنمية تجارتها.
التشكيلات الطائفية والقبلية لن توفر هذا الوقود البشري وستوظفه في نزاعاتها، مستغلة وسائل غسيل الدماغ التي رسختها منظمة “طلائع البعث” وتنظيم “داعش”، ولن ننسى دور تنظيم “بي كي كي” ومشتقاته السورية في التركيز على الأطفال بالتجنيد وفي ترسيخ عبادة عبد الله أوجلان أسوة بعبادة الأسد والبغدادي.
ما الجهد التعليمي للأطفال، وما جهود الرعاية للأيتام الذين يزيد عددهم على المليون يتيم (90% منهم بلا كفيل، حسب إحصائيات “يونيسف”)، وما خطط الجهات السياسية والدولية في وقف نزيف ملايين الأطفال السوريين وفقدانهم الرعاية والتعليم في ظروف الحرب الأسدية هذه؟
الأطفال السوريون الذين عانوا من القصف وهم يذهبون إلى المدارس، وعاشوا في الأقبية وفي المغارات علّهم يأخذون قسطًا من التعليم، يستحقون أن نعيد رسم فهمنا لمستقبل سوريا باعتبار أن رعاية أطفال سوريا وأيتامها لها الأولوية، وحتى في مفاوضات “جنيف”، يجب أن يُلحظ بند واضح ومستقل يتضمن إعادة التعليم للأطفال السوريين، وتأمين الوسائل الاجتماعية والرسمية من أجل رعايتهم. ويجب أن تتقدم هذه الأولوية على مسألة إعادة الإعمار رغم أهميتها ورغم تنافس الدول والشركات عليها منذ الآن، فبناء البشر وجبر خواطر الأيتام أهم من بناء الحجر.
وعلى أرض الواقع، يجب محاربة كل محاولات استغلال الأطفال في الحرب أو استهداف مدارسهم، وخاصة من قبل الطيران الروسي الذي يفاخر بعدد المدارس التي دمّرها بحجة أنها مليئة بالإرهابيين، ويجب منع استغلال التعليم الديني، وتنظيفه من المافيات الإرهابية التي تجند الأطفال وتغسل أدمغتهم لإشراكهم في القتال، ولتزويج القاصرات، خاصة أن الميليشيات الإيرانية قد خفضت سن الزواج للفتيات لتجعله تسع سنوات وفق مبادئ ولاية الفقيه، وهذا ما يعد كارثة أخلاقية وإنسانية على مستقبل الإناث في سوريا، بالإضافة إلى تزويج الطفلات من رجال مسنين يستغلون ظروف الجوع والعوَز في الداخل وفي دول اللجوء التي تحرمهن من الحماية.
والمهمة الكبرى هي كيف نصون ثقافة الأطفال وهويتهم خارج الاستغلال الجنسي والاستغلال الاقتصادي، وإعادة تعليمهم اللغة العربية بالإضافة إلى اللغات الأخرى، وتعليمهم العلوم الأساسية التي تضمن مواصلتهم العيش ضمن العصر والاستفادة من معطياته، وعدم الاستسلام لضياع الهوية والضياع النفسي الذي تسببت به هذه الحرب ضدهم!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :