عنب بلدي – السويداء
“كنتُ أخرج بشكل يومي منذ الصباح الباكر سائرًا بين حارات السويداء بحثاً عن منزل، لم أترك أحدًا من المارة إلا وسألته إن كان يعرف منزلًا معروضًا للإيجار، ومعظم المباني كنتُ أدخلها لأطرق أبواب منازلها وأسأل ساكنيها إن كان في المبنى منزل غير مسكون معروض للإيجار، ولا أعود إلى منزلي قبل الساعة التاسعة ليلاً”، قال فارس الهادي واصفًا رحلته التي امتدت لعشرة أيام في البحث عن منزل يسكنه في السويداء.
تمكن فارس في النهاية من الحصول على منزل إيجاره الشهري 35 ألف ليرة سورية (8.7 دولار)، يتألف من غرفتين وملحقاتهما (مطبخ وحمام)، ليسكنه مع زوجته وأطفاله الثلاثة، في حارة بعيدة عن مركز المدينة، ليكون أحد السكان “المحظوظين” في المحافظة الجنوبية.
رائد الباروكي شاب أعزب من السويداء، لم يكن من أولئك “المحظوظين”، إذ لم يستطع استئجار منزل في مدينته، رغم بحثه الطويل، لأن معظم مالكي العقارات السكنية لا يؤجّرون الشباب في الأحياء العائلية، خوفًا من احتمال ضلوعهم بعمليات خارجة عن القانون، كالخطف والسرقة التي تنتشر في المحافظة، كما قال لعنب بلدي.
بقي رائد عند أقربائه، وهو مستمر في البحث عن منزل يناسب دخله الشهري، الذي لا يتجاوز 60 ألف ليرة سورية، حسبما قال.
أما فارس الهادي، وهو مدرّس في المرحلة الابتدائية، فاضطر للقبول ببيت وجده بعد أيام من البحث، بسبب إنذار بالإخلاء وجهه له صاحب المنزل لأنه رفض رفع مبلغ الإيجار.
المدرّس يعمل الآن بعد دوامه بائعًا في “سوبر ماركت”، ليؤمّن مبلغ الإيجار الجديد، الذي يزيد على نصف راتبه، كما قال.
هل نلوم المؤجر؟
قصد حسام سعيد، من أبناء الريف الجنوبي للسويداء، مكتبًا عقاريًا لاستئجار منزل، لكنه صُدم بالأسعار، حسبما قال لعنب بلدي، “لا يمكن وصف ما يقوم به الكثير من أصحاب المنازل المؤجرة إلا بالاستغلال البشع وبالظلم، ونستطيع القول عنه إنه إجرام، 50 ألفًا، 100 ألف، 150 ألفًا، هذه إيجارات شهرية يطلبها بعض أصحاب المنازل من أشخاص لا يعرفونهم ولا يهمهم ما هي أعمالهم وكم هي وارداتهم الشهرية أو السنوية”.
ارتفاع الإيجار وحده لم يكن ما أثار استياء حسام، بل “الفخ” الذي سمع عنه من بعض المستأجرين الذين انتهت مدة عقودهم، وهو أن صاحب المنزل يطلب زيادة مبلغ الإيجار “وإلا إلى الشارع”.
عمران حسان، هو مالك لأحد المباني السكنية وسط مدينة السويداء ويؤجّر أربعة من منازله، يرى أن رفع الإيجارات أمر مبرر، “ليتناسب مع تكاليف الحياة الجديدة”، حسبما قال لعنب بلدي، واصفًا تلك الزيادة بـأنها “طبيعية”.
“يجب ألا نلوم المؤجر، وخاصة من يعتمد في حياته ومصاريفه على إيجار منزله”، قال عمران، مضيفًا أنه يحاول تقدير ظرف المواطن في بعض الأشهر ومسامحته بإيجار المنزل، وخاصة عند انتشار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في المحافظة، والإعلان عن حظر تجول من قبل الحكومة السورية، نتج عنه تعطيل أعمال الكثير من المواطنين والبقاء في منازلهم.
بينما قال سعيد الأشقر وهو صاحب مكتب عقاري، إن المبالغ المطلوبة من قبل المؤجرين تعتبر “كبيرة جدًا وظالمة ولا تراعي أوضاع الناس”، مع استثناءات قليلة جدًا لأصحاب منازل يؤجرون بمبالغ معقولة، ولا يزيدونها عند تجديد عقد الإيجار.
وأرجع سعيد سبب صعوبة إيجاد المنازل المناسبة إلى النقص في عددها، مع امتناع قسم من مالكي العقارات السكنية عن التأجير، “إذ يفضلون تركها فارغة على دفع مبالغ كبيرة لصيانتها بسبب الأعطال التي ستتركها خلفها العائلة المستأجرة للمنزل”، حسبما قال لعنب بلدي.
وبرأيه، فإن سبب ارتفاع الإيجارات هو “الارتفاع الكبير” الذي طرأ على أسعار العقارات و”الغلاء الفاحش لأسعار الحديد والأسمنت”، بالإضافة إلى أن مالك العقار يبرر زيادة إيجار عقاره السكني بارتفاع المواد الغذائية، بعد أن تدهورت قيمة العملة المحلية وتدنت قدرتها الشرائية، إذ تجاوزت حد 4000 ليرة مقابل الدولار بداية آذار الحالي، خاصة من يعتمد من مالكي العقارات على الإيجارات كمصدر دخل وحيد.
مهجرون كثر ومنازل قليلة
سنوات الحرب العشر التي مرت على سوريا أسهمت في زيادة عدد سكان مدينة السويداء، حسبما قال عضو “الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني” مؤيد فياض، لعنب بلدي، “بعد بدء الثورة السورية في عام 2011، وتهجير سكان المناطق الثائرة، نزح ما يزيد على 300 ألف نسمة إلى محافظة السويداء”.
احتاجت العائلات المهجرة إلى أماكن تؤويها، ورغم “ترحيب” أهالي المنطقة بهم، تعرضوا لـ”الاستغلال والجشع” من قبل بعض مالكي العقارات السكنية في المدينة، حسب تعبير فياض.
وأوضح فادي الجوماني لعنب بلدي، وهو صاحب أحد المكاتب العقارية في السويداء، أن العائلات التي أتت من خارج المحافظة قبلت باستئجار المنازل بغض النظر عن مقدار الإيجار أو حالة البناء، وهو ما زاد الاستغلال والطمع، وسبّب ارتفاع الإيجارات “إلى قرابة الضعف”، وبالتالي بدأت أزمة إيجاد منازل للإيجار من قبل أبناء المحافظة، “أولًا بسبب نقص المنازل الفارغة، وثانيًا بسبب ارتفاع الإيجار”.
وبلغت نسبة مالكي العقارات الذين رفعوا إيجاراتهم، حسب تقدير فادي، أكثر من 50%، ويتراوح متوسط الإيجار الشهري في المدينة بين 35 ألفًا و100 ألف ليرة للشقة غير المفروشة، أما المفروشة فيتراوح إيجارها بين 100 ألف و250 ألف ليرة سورية، ويطلب أغلبية أصحاب المنازل من المستأجرين دفع إيجار شهر بالإضافة إلى تأمين لا يقل عن 20 ألف ليرة، قبل توقيع العقد.