خطيب بدلة
مثقفون، ثوريون، أوادم، محترمون، معظمهم من أصدقائك، لا تدري ما يحصل لهم، بين الحين والآخر، فتراهم يغيرون بروفايلاتهم مضيفين إلى صورهم الشخصية عبارات شعاراتية تبدو نبيلة، ولكنها تثير لديك سؤالًا بدهيًا، هو: ماذا يعني هذا الكلام؟
لا ضرورة لأن أذكركم، وأنتم العارفون، بأن ثورة 2011 قد تحولت إلى مذبحة دائمة، وعلنية، ترافقت مع حملات تهجير بالغة القسوة، تهجير داخلي نَقَلوا بموجبه سوريين كانوا آمنين في بيوتهم إلى أماكن أخرى، وتهجير إلى المخيمات حيث الزمهرير والغبار والمياه التي تجري تحت المفارش، وتهجير إلى البلاد الديمقراطية والعلمانية التي لا تعجبنا أساسًا، ولكننا نستوطنها من مبدأ “الضرورات تبيح المحظورات”. هذا عدا عن الرجال والنساء والأطفال الذين قُتلوا بالكيماوي، أو بالبراميل، أو بالاقتتال بين الفصائل الإسلامية، والذين ماتوا تحت التعذيب، أو اكتسبوا عاهات دائمة، أو انفصلت أدمغتهم عن أجسادهم فدخلوا في عداد المهابيل.
يحتفل الأصدقاء الذين أعنيهم بكلامي، اليوم، بمرور عشر سنوات على الثورة، مع أن الحري بنا أن نبكي لأن مقتلتنا جارية منذ عشر سنوات، لا أن نحتفل، وإذا كان لا بد من شعار يعبر عن الثورة، فبرأيي المتواضع أن الشعار الذي اختاروه مبهم، غليظ، إذ ما معنى القول إننا تجرأنا على الحلم؟ إذا كانوا يقصدون “الحلم بالتغيير”، فهل يعقل أننا لم نتجرأ عليه قبل سنة 2011؟ يا سيدي، “الإخوان المسلمون” الذين شاركوا في ثورة 2011 تجرأوا على حلم التغيير منذ السبعينيات، طليعتهم المقاتلة بدأت أعمالها العسكرية سنة 1979، والتغيير الذي حلموا به معروف، ومعلَن، دولة إسلامية لا يشترط أن تكون داعشية، ولكنها شيء من هذا القبيل. والرفاق الشيوعيون حلموا بالتغيير، وناضلوا سلميًا من أجل حصوله، منذ السبعينيات أيضًا، وفي مطلع الثمانينيات كان جماعة المكتب السياسي الشيوعي يستطلعون رأي الشارع حول إمكانية حمل السلاح!
نظام حافظ الأسد الفاشستي، بدوره، حارب “الإخوان المسلمون”، والشيوعيين، والناصريين، وبعثيي العراق، وارتكب مختلف أنواع الجرائم والمجازر بغية احتكار السلطة، وإخراج المجتمع من السياسة، وحينما قام حافظ بتوريث الدولة المزرعة لولده المهزوز، سنة 2000، زادت أحلام السوريين بالتغيير اتساعًا، وشُكّلت تنظيمات سياسية ونقابية ووطنية كثيرة، منها “إعلان دمشق”، و”المجتمع المدني”، و”إعلان دمشق بيروت”، وكلها تعرضت للبطش والتنكيل، كما تعلمون.
البند الثاني، لو تدري، أكثر غرابة من سابقه، وهو قولهم “لن نندم على الكرامة”، كرامة إيه يا راجل؟ هل يوجد إنسان سوري لم تتمرغ كرامته بالزبل؟ الذين دخلوا السجون لم يبقَ ضابط أو صف ضابط (أو حتى الخدمتجي الذي يلقبونه: بلدية) إلا وجرب حقارته بكرامتهم، وإن كان الواحد منهم قبل السجن مستعدًا لأن يدخل في معركة إذا تكلم أحدٌ كلمة زاحلة بحق واحدة من نسائه، ففي تدمر يتلقى التحاشيك على نسائه ويتظاهر بأنه لم يسمع! لا توجد ثورة، في التاريخ، أعزائي، قامت من أجل “الكرامة”، الثورات قامت من أجل فصل الدين عن الدولة، أو تحرير العبيد، أو التخلص من النظام الإقطاعي، أو الانتقال إلى نظام اشتراكي.