“الازدحام على الطوابير رهيب. يقف الناس أحيانًا لخمس وست وساعات، عدا أن الأرغفة سميكة وقوامها أقرب للعجين، ورائحتها حمضية. يقولون في كل مرة إن الأزمة ستُحل، لكنها تزيد!”.
بهذه الكلمات علّقت شابة قاطنة في حي الزاهرة بدمشق (تحفظت على نشر اسمها لأسباب أمنية) على وضع الأفران في العاصمة، وتابعت، “الوقفة على الفرن بهدلة وتشبيح وخناق”.
فعلى الرغم من استمرار حديث حكومة النظام عن حل أزمة القمح وتوفير مادة الطحين، ما زالت الطوابير موجودة، مع عدم قدرة الحكومة على تأمين أدنى مستويات المعيشة للسكان.
ويكثر الحديث عن أزمة الخبز ودور حكومة النظام بتفاقمها، إذ عمدت إلى تحديد عدد ربطات الخبز المباعة عبر “البطاقة الذكية” بناء على عدد أفراد العائلة الواحدة.
تحصل العائلة المؤلفة من شخص أو شخصين على ربطة خبز واحدة، والعائلة المؤلفة من ثلاثة أو أربعة أشخاص تحصل على ربطتين، والعائلة المؤلفة من خمسة أو ستة أشخاص تحصل على ثلاث ربطات، ومن سبعة أشخاص وأكثر تحصل على أربع ربطات، وتحتوي الربطة الواحدة على سبعة أرغفة.
ولا تسمح وزارة التجارة للمخابز ببيع الخبز خارج “البطاقة الذكية”، باستثناء كمية 5% من مبيعات أي مخبز تُخصص للحالات الخاصة التي لا تملك بطاقة، بمعدل ربطة واحدة بشكل يومي، ومنها طلاب الجامعات أو الموظفون في محافظات أخرى غير محافظاتهم أو غيرهم.
وفي منطقة الكسوة بريف دمشق، قال أحد أهالي المنطقة لعنب بلدي (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، إن أغلب أفران المنطقة توقفت عن العمل، وأصبح الخبز يُباع عند “المعتمد” بمبلغ 150 ليرة سورية، بينما في الأفران كان يتم الحصول على الربطة بمبلغ 100 ليرة.
ويلجأ بعض المواطنين للحصول على الخبز “الحر” (السياحي) الذي ببلغ سعر الربطة الواحدة منه حوالي 1500 ليرة سوريّة، رغم شحّه أيضًا، وبيعه بالدور.
وفي حمص، لم تدخل مخصصات الخبز على “البطاقة الذكية” بعد، حسبما أفاد مراسل عنب بلدي.
وأوضح المراسل أن آلية توزيع الخبز تتم حصرًا عبر “المعتمد”، إذ يوزع الخبز بعد تسجيل أهالي المناطق في المراكز المعتمدة للتوزيع، بإدراج أسماء العوائل، وتقوم المراكز بإنشاء مجموعات “واتساب” وإرسال رسائل للمُسجلين لتسلّم الخبز.
وأفاد المراسل أنه لا يوجد وقت مُحدد لتسلّم، ولكل فرد رغيف وربع يوميًا.
وفي حلب، تداول ناشطون أمس، الخميس 4 من آذار، صورًا لاصطفاف المواطنين على أفران الخبز في المدينة.
وأفاد مراسل عنب بلدي في حلب أن الطوابير دائمة بسبب قلة الطحين، كما يخفض أصحاب أفران الخبز عدد الربطات المباعة للمدنيين، مع استمرار بيعها بأسعار غير مدعومة.
كما انتشر، في شباط الماضي، باعة خبز جوالون في الساحات العامة وقرب الأفران بشكل ملحوظ في مدينة حلب، ما تسبب بتناقص المخصصات المدعومة، رغم وجود دوريات بجانب الأفران لتنظيم الدور في حال حدوث مشاجرات.
وقال أحد العاملين في فرن “الوحدة” بحي الميسر بمدينة حلب في تصريح سابق لعنب بلدي، إن أصحاب الأفران يتلاعبون بالمخصصات، “لبيع جزء من ربطات الخبز للباعة الجوالين، وجزء لأصحاب الوجبات السريعة، وقسم يترك لمخصصات الأفرع الأمنية في مدينة حلب”.
أما في محافظة السويداء، فعقد فرع المؤسسة السورية للمخابز اجتماعًا للمجلس الإنتاجي، في 2 من آذار الحالي، بمقر فرع المؤسسة، إذ أكد الاجتماع على أمور تتعلق بجودة إنتاج رغيف الخبز ضمن المواصفات المطلوبة، كوزن الربطة وتحديث خطوط الإنتاج.
إلّا أن جودة الخبز ما زالت سيئة، إذ قال باسل معروف من أبناء مدينة صلخد جنوبي السويداء لعنب بلدي، “أصبح الخبز في مخبز صلخد الآلي أقرب إلى علف للحيوان، من أن يكون مادة غذائية بشرية. يتذرعون دائمًا بسوء مادة الطحين أو فساد الخميرة”
وأوضح باسل أنه يفترض عند رفع سعر الخبز إلى 100 ليرة سورية أن تنتج الأفران خبزًا ممتازًا وبجودة مقبولة، و”عند زيارة الإعلام أو أحد المسؤولين، يتحسن وضع الخبز ليوم أو اثنين وبعد ذلك يعود إلى سوئه”.
وعود وزيادة توريدات.. لكن أين؟
قال سفير حكومة النظام السوري لدى روسيا، رياض حداد، إن جزءًا من توريدات القمح الروسية بدأت بالوصول إلى سوريا، تنفيذًا للاتفاقيات التي وُقعت مؤخرًا بين البلدين، وستستمر التوريدات بالوصول بانتظام خلال الفترة المقبلة.
وأضاف في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية نقلته في 1 من آذار الحالي، أن توريدات روسية، منها القمح، هي توريدات طويلة الأمد اُتفق عليها مع الجانب الروسي تضمن تلبية حاجة الشعب السوري شهريًا من المواد الأساسية والمهمة والمطلوبة له.
من جهته، قال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام، طلال البرازي، إنه اعتبارًا من أول آذار الحالي، سيُوزع الطحين على الأفران حسب عدد البطاقات لكل منطقة وعدد أفراد الأسر فيها لتغطي الاحتياجات.
وأضاف أن التوزيع سيكون بزيادة 3% على الكميات الأولى، بدءًا من محافظات ريف دمشق وحمص وحماة.
وأرجع البرازي سبب نقص الخبز في بعض المناطق إلى تهريب الطحين لعدم استثمار كامل الكميات في الإنتاج، ما سبّب نقصًا على حساب المواطن، بحسب تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن“.
وفي 6 من تشرين الأول 2020، وعد وزير الزراعة في حكومة النظام السوري، محمد حسان قطنا، بأن يكون عام 2021 عامًا للقمح.
هذه الوعود قابلها تصريح رئيس “اتحاد الفلاحين”، أحمد صالح إبراهيم، الذي أعرب، في 12 من كانون الثاني الماضي، عن تخوف الحكومة من تأثر محصول القمح بشكل سلبي خلال الموسم الحالي، مبررًا ذلك باعتماد قسم كبير من المساحات المزروعة بالقمح على السقاية.
وأوضح إبراهيم لصحيفة “الوطن” المحلية، أن المحصول سيتأثر سلبًا ما لم تتوفر مادة المازوت والهطولات المطرية.
يأتي ذلك بعد عام عاشت خلاله مناطق سيطرة النظام السوري أزمة قمح انعكست سلبيًا على تزويد المخابز بحاجتها من الطحين، ما سبب بدوره أزمة خبز واسعة النطاق.
كما شهدت أفران في العاصمة السورية دمشق وضع أقفاص حديدية لتنظيم طوابير المواطنين المزدحمة للحصول على الخبز، لتُزال لاحقًا بعد انتقادات مواطنين وناشطين سوريين.
ونقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن وزير الاقتصاد في حكومة النظام، محمد سامر الخليل، أن سوريا بحاجة إلى استيراد ما بين 180 ألفًا و200 ألف طن من القمح شهريًا، بتكلفة 400 مليون دولار أمريكي.
–