طالبت الولايات المتحدة بالكشف عن وضع عشرات الآلاف من المدنيين المحتجزين في سوريا منذ عام 2011، مؤكدة ضرورة إعادة جثث القتلى إلى ذويهم، وفق وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية.
وقدمت السفيرة الأمريكية، ليندا توماس جرينفيلد، مساء الثلاثاء 2 من آذار، هذا الطلب في اجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في سوريا، حيث نددت بـ”الوحشية” و”المعاناة التي لا توصف” و”الفظائع المروعة”، متهمة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بالتسبب بها.
وقالت جرينفيلد، “يواصل نظام الأسد سجن عشرات الآلاف من السوريين الأبرياء، من نساء وأطفال وكبار السن وأطباء ومقدمي خدمات وصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان”، موضحة أنه “بحسب ما ورد، تعرض ما لا يقل عن 14 ألف سوري للتعذيب واختفاء عشرات الآلاف قسرًا”.
وطالبت بتبيان وضع المعتقلين الذين توفوا ووقت ومكان وسبب الوفاة، وذلك بعد صدور تقرير جديد من قبل لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا، في 1 من آذار الحالي، قالت فيه إن “الحكومة السورية اعتقلت تعسفيًا واحتجزت أفرادًا، وارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سياق الاحتجاز”.
وفي اليوم ذاته، نشرت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا” تقريرها حول انتهاكات وتجاوزات وصفتها بـ”التاريخية والمستمرة”، خاصة بحق آلاف المدنيين الذين اُعتقلوا تعسفيًا في سوريا.
وتحدثت اللجنة في تقريرها المؤلف مما يزيد على 30 صفحة، عن النطاق الهائل للاعتقال والاختفاء وأنماط الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها حكومة النظام السوري، والفصائل المعارضة المسلحة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بالإضافة إلى انتهاكات من قبل فصائل مسلحة مصنفة إرهابية من قبل الأمم المتحدة، مثل “هيئة تحرير الشام” وتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأوضحت اللجنة في التقرير كيف كان الحبس والاعتقال التعسفي سببًا جذريًا للنزاع، ومحفزًا له، وأنه سمة دائمة للصراع في سوريا.
وقالت المفوضة الأممية كارين كونينج أبو زيد، في سياق التقرير، إن “غزارة الأدلة التي جُمعت على مدى عقد من الزمان مذهلة، ومع ذلك، فإن أطراف النزاع قد فشلوا في التحقيق مع قواتهم باستثناء حالات قليلة جدًا” فيما يخص قضايا الاعتقال التعسفي، لأنه “يبدو أن التركيز ينصب على إخفاء الجرائم المرتكبة في مراكز الاحتجاز، وليس التحقيق فيها”، وفق المفوضة.
ويوضح التقرير كيف عمدت حكومة النظام، وبدرجة أقل الأطراف المسلحة الأخرى، إلى إطالة معاناة أفراد أسر المعتقلين وعائلاتهم، وأشار رئيس لجنة التحقيق، باولو بينيرو، إلى أن “مئات الآلاف من أفراد الأسر لهم الحق في معرفة الحقيقة بشأن مصير أحبائهم (…)، وهذا الوضع يشكّل حالة من الصدمة الوطنية التي ينبغي للأطراف المعنية والمجتمع الدولي معالجتها فورًا”.
وبحسب الأمم المتحدة، أسفر الصراع السوري عن مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص، وتشريد نصف سكان البلاد، بما في ذلك خمسة ملايين لاجئ في الخارج.
كما دمّرت الحرب أجزاء كبيرة من سوريا، وما زال عشرات الآلاف يعيشون نازحين في المخيمات.
الحل من خلال “2254”
وأكدت جرينفيلد وقوف “الولايات المتحدة إلى جانب الشعب السوري، والمجتمع المدني السوري، ومجموعة واسعة من الشركاء الدوليين في المطالبة بالمساءلة ودعم الحل السياسي” المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن “2254“.
بدوره، قال سفير ألمانيا لدى الأمم المتحدة، كريستوف هيوسجن، إن القرار السياسي يجب أن يتماشى مع قرار عام 2015 ، “لكن هذا الحل السياسي لا يمكن التوصل إليه إلا إذا مارست روسيا على وجه الخصوص ضغوطًا على النظام للموافقة على حل سياسي حقيقي”.
ووصف هيوسجن استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد قرار الأمم المتحدة لإبقاء أكثر من نقطة عبور حدودية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا بأنه “غير إنساني”.
وتابع، “لا يزال من المحبط للغاية أن روسيا منعت المحكمة الجنائية الدولية من التحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية محتملة في سوريا”، مؤكدًا أن المساءلة هي مفتاح المصالحة.
رئيس “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، مازن درويش، دعا إلى وقف إطلاق نار شامل في البلاد، وعقد اجتماع عاجل برعاية الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مع جميع البلدان المعنية بالصراع السوري، لوضع خارطة طريق لتنفيذ قرار مجلس الأمن لعام 2015 “برمته”.
وقال درويش أمام التجمع عبر الفيديو، إنه يجب أيضًا وضع حد لعقوبة الإعدام، وقائمة بالمعتقلين وتفتيش جميع مواقع الاحتجاز، والإفراج عن جميع المحتجزين تعسفًا، “أولًا وقبل كل شيء، النساء والأطفال والمرضى وكبار السن”.
وشدد درويش على أنه “لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم في سوريا دون عدالة انتقالية”، محذرًا من أن “أي محاولة للتوصل إلى اتفاق سياسي يضمن مصلحة أمراء الحرب، وتجاهل مظالم الضحايا الذين يريدون ببساطة العدالة، لن يؤدي في النهاية إلا إلى حرب جديدة من أجل الانتقام”.
روسيا وأسطوانة “الجماعات الإرهابية”
في المقابل، رفض السفير الروسي في الأمم المتحدة، ستيبان كوزمينكوف، ما جاء على لسان المندوبين المذكورين سابقًا، وقال، “الاتهامات والأكاذيب والتخمينات التي لم يتم التحقق منها” بشأن حقوق الإنسان في سوريا.
وأوضح أنه “من المؤسف” أن المتحدثين لم يتحدثوا عن المشكلات الحقيقية التي تتعامل معها سوريا وحكومتها في محاربة “الجماعات الإرهابية (…) خاصة في شمال غرب إدلب (…) الاحتلال غير الشرعي لأراضيها من قبل الولايات المتحدة، وانتهاك مواردها الطبيعية”، وفق تعبيره.
كما جاء على لسان كوزمينكوف أن، “اجتماع اليوم ليست له علاقة بالتعاون الدولي في تعزيز وحماية حقوق الإنسان (…) وبناء على ذلك، فإن المناقشة المفروضة علينا لا يمكن أن تساعد في استقرار الوضع في سوريا أو الجهود الدولية لإيجاد تسوية في ذلك البلد”، وفق قوله.
–