قال تقرير لموقع “تنسيق الشؤون الإغاثة الإنسانية في سوريا” (Syria Relief)، إن 99% من النازحين داخليًا في إدلب شمال غربي سوريا يعانون من أعراض “اضطراب ما بعد الصدمة” (PTSD).
وذكر التقرير، المنشور الاثنين 1 من آذار، أن 74% من اللاجئين السوريين في لبنان، و76% من اللاجئين السوريين في تركيا، يعانون أيضًا من أعراض الاضطراب.
وذكر التقرير المعنوَن بـ”الدمار الذي لا يمكنك رؤيته“، أن 88% من المستجيبين للدراسة الاستقصائية الذين بلغوا 721 من مواقع مختلفة في إدلب (سوريا)، وسهل البقاع (لبنان)، واسطنبول وهاتاي وغازي عينتاب وكلّس (تركيا)، لديهم أعراض متوافقة مع “اضطراب ما بعد الصدمة”.
ففي إدلب، شملت الدراسة 393 شخصًا ظهرت عليهم أعراض “اضطراب ما بعد الصدمة”، باستنثاء اثنين، أي بنسبة 99%.
ومن بين الأعراض الـ15 المحتملة لـ”اضطراب ما بعد الصدمة”، عانى 42% من الأشخاص المشمولين بالدراسة من حادثة واحدة على الأقل تهدد حياتهم، إذ ظهرت لديهم عشرة أو أكثر من أعراض الاضطراب الأخرى.
وحول إمكانية وجود دعم صحي نفسي، ذكر التقرير أنه عندما يتعلق الأمر بتحليل النسبة المئوية للأشخاص الذين يعتقدون أن هناك دعمًا للصحة العقلية متاحًا لهم، أفاد اللاجئون في تركيا بأنهم يتمتعون بوصول أفضل إلى خدمات الصحة العقلية، حيث قال 64% من الأشخاص، إن هناك بعض خدمات الصحة العقلية متاحة لهم.
أما في لبنان، فيعتقد 15% فقط من اللاجئين أن هناك دعمًا متاحًا في مجال الصحة النفسية، بينما خلصت الدراسة إلى أن 1% فقط من النازحين في الداخل السوري يعتقدون أن هناك دعمًا صحيًا متاحًا لهم.
وتعاني الإناث المستجيبات للدراسة من أعراض “اضطراب ما بعد الصدمة” أكثر من الذكور، إذ بلغت نسبة الإناث اللواتي تعرضن لحادثة واحدة تهدد حياتهن نسبة 52%، إذ جرى تشخيصهن بأكثر من عشرة أعراض لـ”اضطراب ما بعد الصدمة”.
بينما بلغت نسبة الذكور 37% ممن لديهم عشرة أعراض أو أكثر.
وأوضح التقرير أن الأطفال تحت 18 عامًا الذين ما زالوا يعيشون منذ ولادتهم في منطقة حرب نشطة، هم أكثر عُرضة للإصابة بأعراض “اضطراب ما بعد الصدمة” من الأطفال اللاجئين والبعيدين عن الحرب.
إذ بلغت نسبة 100% ممن هم دون سن 18 عامًا في إدلب ممن يعانون من أعراض الاضطراب، وذلك مقارنة بـ60% في لبنان و69% في تركيا.
وقال مؤلف التقرير ورئيس الاتصالات والمناصرة في “سوريا للإغاثة”، تشارلز لولي، إنه “عندما طُلب منك تخيل الأضرار التي سببتها الحرب، فإن الصور التي تتبادر إلى الذهن عادة ما تكون مباني مدمرة، وجدرانًا مغطاة بثقوب الرصاص، وأشخاصًا يفرون من البلدات والمدن المحترقة”.
وأضاف أنه على مدى السنوات العشر الماضية، كانت سوريا مرادفة لهذه الأمثلة والأضرار الملموسة، ومع ذلك، بعد صمت البنادق والقنابل وترميم المباني، لا يزال هناك ضرر دائم من الصراع الذي نادرًا ما يجري إصلاحه بشكل مناسب لأنه غير مرئي، وهو الندوب العقلية للحرب في أذهان الأشخاص الذين تحملوا القتال الوحشي.
ما هو “اضطراب ما بعد الصدمة”؟
ويعرف “اضطراب ما بعد الصدمة” تقليديًا بأنه حالة مرتبطة بالجنود الذين يكافحون للتعامل مع تجاربهم في أهوال الحرب، وهي حالة صحية عقلية ونوع من اضطرابات القلق ناجمة عن حدث مؤلم، فإما أن يكون الشخص عاش هذه الحادثة وإما شاهدها.
وقد تشمل الأعراض ذكريات الماضي وكوابيس وقلقًا شديدًا، إضافة إلى أفكار لا يمكن السيطرة عليها حول الحدث، بحسب “الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين“.
وبحسب مؤسسة “MIND” الخيرية البريطانية الرائدة في مجال الصحة العقلية، هناك أنواع مختلفة من “اضطراب ما بعد الصدمة” من حيث الشدة والاختلافات، مثل:
“delayed-onset PTSD”، أي “اضطراب ما بعد الصدمة المتأخر”، إذ تظهر الأعراض بعد أكثر من ستة أشهر من الحدث الصادم.
“complex PTSD”، وهو “اضطراب ما بعد الصدمة المعقد”، ويحدث في سن مبكرة ويستمر لفترة طويلة.
كما أن هناك “صدمة الولادة” (الناتجة عن تجربة مؤلمة للولادة)، و”صدمة ثانوية” (جرت ملاحظتها عند الأشخاص الذين يعتنون بشخص تعرض لحادث مؤلم).
كما أن “اضطرابات ما بعد الصدمة” غالبًا تصاحبها اضطرابات نفسية أخرى، كـ”الاضطراب الاكتئابي الحاد”، إذ يترافق بشكل كبير مع “اضطراب ما بعد الصدمة”، وهذا يمكن أن يجعل النتيجة أسوأ والعلاج المحتمل أكثر تعقيدًا.
و”اضطراب ما بعد الصدمة” هو حالة يجب تشخيصها من قبل الطبيب.
وأشارت “الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين” إلى أن معظم الأشخاص الذين يمرون بأحداث صادمة قد يواجهون صعوبة مؤقتة في التكيف والتأقلم، لكن مع مرور الوقت والرعاية الذاتية الجيدة، يتحسنون عادة.
أما إذا ساءت الأعراض، واستمرت لأشهر أو حتى سنوات، وتداخلت مع الأداء اليومي، فقد يكون الشخص مصابًا بـ”اضطراب ما بعد الصدمة”.
وذكرت الجمعية أن الحصول على علاج فعال بعد ظهور أعراض “اضطراب ما بعد الصدمة” أمر بالغ الأهمية لتقليل الأعراض وتحسين الوظيفة.
تبدأ أعراض “اضطراب ما بعد الصدمة” في غضون شهر واحد من الحادث الصادم، لكن في بعض الأحيان قد لا تظهر الأعراض إلا بعد سنوات من الحدث.
تسبب هذه الأعراض مشكلات كبيرة في المواقف الاجتماعية أو العمل وفي العلاقات، ويمكن أن تتداخل أيضًا مع القدرة على القيام بالمهام اليومية العادية.
وتصنف أعراض “اضطراب ما بعد الصدمة” عمومًا إلى أربعة أنواع:
- الذكريات المتطفلة والمؤلمة المتكررة غير المرغوب فيها للحادثة الصادمة، أو إحياء ذكرى الحادثة (ذكريات الماضي) كما لو أنها تحدث مرّة أخرى، ووجود أحلام وكوابيس مزعجة حول نفس الحادثة، إضافة إلى ضائقة عاطفية شديدة أو ردود فعل جسدية على أي شيء يذكّر بالحادثة السيئة.
- محاولة تجنب التفكير أو الحديث عن الحادثة الصادمة، وتجنب الأماكن أو الأنشطة أو الأشخاص الذين يذكّرونك بالحادثة نفسها.
- التغيرات السلبية في التفكير والمزاج، وتشمل أفكارًا سلبية عن الشخص المصاب أو الآخرين، وكذلك اليأس من المستقبل، ووجود مشكلات في الذاكرة، بما في ذلك عدم تذكر الجوانب المهمة للحدث الصادم، وصعوبة الحفاظ على العلاقات الوثيقة والشعور بالانفصال عن العائلة والأصدقاء، وعدم الاهتمام بالأنشطة السابقة، وصعوبة تجربة المشاعر الإيجابية، والشعور بالخدر العاطفي.
- التغيرات في ردود الفعل الجسدية والعاطفية (وتسمى أيضًا أعراض الاستثارة)، وتشمل هذه الأعراض: الفزع أو الخوف بسهولة، الاستعداد الدائم لأي خطر محدق، السلوك المدمر للذات، مثل الإفراط في الشرب أو القيادة بسرعة كبيرة، إضافة إلى مشكلات في النوم، وصعوبة في التركيز والعصبية أو نوبات الغضب أو السلوك العدواني والشعور بالذنب والخجل الشديدين.
أما بالنسبة للأطفال بعمر ست سنوات وأصغر، فقد تشمل العلامات والأعراض أيضًا إعادة تمثيل الحدث الصادم أو جوانب الحدث من خلال اللعب وأحلام مخيفة قد تتضمن أو لا تتضمن جوانب من الحدث الصادم.
ويمكن أن تختلف أعراض “اضطراب ما بعد الصدمة” في شدتها بمرور الوقت، وقد يكون لدى الشخص المزيد من الأعراض عندما يكون في حالة توتر بشكل عام، أو عندما يصادف شيئًا يُذكّر بما مر به الشخص.
–