قال الدبلوماسي الأمربكي السابق، فريدريك هوف، أن سوريا وإسرائيل، كانتا على وشك التوصل إلى اتفاق قبل عشر سنوات بفضل وساطة أمريكية.
وبحسب ما نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” لهوف، اليوم، الأحد، 28 من شباط، فإن الوسيط الأمريكي صاغ مسودته للاتفاق وتضمنت قطع الجانب السوري العلاقات العسكرية مع إيران و”حزب الله” اللبناني، مقابل استعادة مرتفعات الجولان السورية المحتلة من إسرائيل، حتى خط 4 من حزيران 1967.
أكد هوف، الذي عمل مبعوثًا دبلوماسيًا سابقًا إلى سوريا، أن الدبلوماسية الأمريكية بلغت نقطة حاسمة وواعدة في جهودها لتحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل.
وصرح رئيس النظام السوري، بشار الأسد، آنذاك أنه يعتزم قطع العلاقات العسكرية مع إيران و”حزب الله” وحركة “حماس”، مع تحييد جميع التهديدات الناشئة من سوريا والموجهة ضد إسرائيل، مقابل أن تلتزم إسرائيل بإعادة جميع الأراضي حتى خط 1967.
وبحسب الدبلوماسي الأمريكي وافق الأسد على الالتزام على تلك التعهدات كلها خلال اجتماع استغرق 50 دقيقة.
وفريدريك هوف سفير سابق، يحاضر في كلية بارد في نيويورك، وكان وسيطًا سياسيًا بين سوريا وإسرائيل من عام 2009 حتى آذار 2011.
عمل مستشارًا لدى وزارة الخارجية الأميركية بشأن الانتقال السياسي في سوريا حتى أيلول من عام 2012، وله كتاب قيد النشر حاليًا حول وساطات السلام بين سوريا وإسرائيل.
“ضياع الفرصة”
بعد مرور أيام من إبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتزامات الرئيس السوري المشروطة، أقر بجدية جهود الوساطة، ووجه الأوامر إلى فريقه باستكمال المعاهدة، استنادًا إلى مشروع المسودة الأميركية.
لكن بعد أسبوعين، وبرغم التقدم في العملة، بدأت تلك الفرصة تضيع عندما فتحت قوات النظام السوري على المتظاهرين، التي أثببت بعد أسابيع أن بشار الأسد لا يملك الحق في الحديث باسم كامل السوريين، بحسب الدبلوماسي فريدريك هوف.
وقال الدبلوماسي الأمريكي في مقالته، إن دمار النظام وروسيا وإيران لسوريا كان لا معنى له على الإطلاق، مضيفًا، أن بشار الأسد الذي يفترض التزامه باستعادة الأراضي المحتلة من إسرائيل في مقابل ترتيب الاستراتيجية السياسية السورية، أطاح بكل شيء، لأجل مواصلته، رفقة حاشيته، امتصاص ما تبقى من الدماء السورية لتغذية المنافع الشخصية المجردة.
ويرى هوف أن الأسد يمكن أن يكون قد تعمد اللجوء إلى العنف بهدف إلغاء التزامات السلام المشروطة من الوساطة الأمريكية الجدية، والتي لم من أحد على التقدم بتلك الالتزامات.
وهناك احتمال آخر، بجسب الدبلوماسي، بأن قادة الأمن طلبوا من بشار الأسد توجيه الأوامر بالعنف ضد السكان، أو أنه وجه الأوامر من تلقاء نفسه، إثر خشيته أن يوصف بالرئيس الضعيف في مواجهة شعبه.
ومع ذلك، فإن فكرة تفضيل الأسد لحالة “اللاعنف” بصفة خاصة تبدو متناقضة تمامًا مع تصرفاته الواضحة منذ ذلك الحين، إذ سمح باستخدام الأسلحة الكيماوية العسكرية ضد المدنيين، بما في ذلك الأطفال منهم.
ولا يوجد تعليق سوري رسمي على هذه المفاوضات، إذ تلتزم دمشق بالسرية الكاملة على مباحثات من هذا النوع.
الأسد متوهم
الآن، يحاول الأسد التوضيح أن التسوية السياسية للأزمة السورية ليست من الخيارات المطروحة على أجندة أعماله السياسية، ويأمل بعد مرور عشر سنوات أن تتفاعل الحكومة الأمريكية معه دبلوماسيًا، بل وأن تنفق عليه وعلى حاشيته بتعاقدات وأموال إعادة الإعمار السخية، وهذا بمثابة “الوهم”، بحسب السفير الأمريكي السابق.
ولذلك فإن الإدارة الأمريكية الجديدة ستدرس خياراتها بعناية فائقة، ومن المستبعد بصورة كبيرة أن يكرر الرئيس بايدن سلسلة الإخفاقات السياسية السابقة بالتخلي عن الانتقال السياسي السوري، الذي أقره مجلس الأمن الدولي، كأساس لسياسته المعتمدة حيال الأزمة السورية.
أعوام المفاوضات
في أيلول 2019، كشف وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، عن رسالة “سلام” مع إسرائيل كتبها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عام 2010 إلى الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما.
وجاء في مذكرات كيري، أن الأسد وافق على السلام مقابل استعادة هضبة الجولان المحتلة.
وذكر كيري في المذكرات، التي نشرتها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أنه عرض الرسالة على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي “فوجئ” بأن الأسد قدم تنازلات أكبر مقارنة مع المفاوضات السابقة.
وتحدث كيري عن زيارة أجراها إلى دمشق عام 2009، ضغط خلالها على الأسد بموضوع دعم “حزب الله” اللبناني، إذ رد الأسد بقوله “كل شيء يمكن التفاوض عليه”، ملمحًا إلى أن هذه السياسة يمكن أن تتغير بعد المفاوضات مع إسرائيل.
وشهدت تلك الفترة، التي يتحدث عنها كيري، محادثات أمريكية- سورية “غير مسبوقة”، لكن دون التوصل إلى أي اتفاق أو تفاهمات بموضوع الجولان المحتل.
وقال كيري إن بشار الأسد سأله عن متطلبات الدخول بمفاوضات جدية مع إسرائيل، فأجاب “أخبرته بأنه إذا كان جادًا، فعليه تقديم اقتراح خاص للرئيس أوباما، إذ أصدر الأسد التعليمات لكبير مساعديه بصياغة رسالة منه إلى الرئيس أوباما”.
وأشار إلى أن الرسالة جاء فيها أن “سوريا مستعدة لاتخاذ جملة من الخطوات مقابل إعادة الجولان من إسرائيل”.
لكن الإدارة الأمريكية حاولت اختبار الثقة مع الأسد الذي “خيب أملها”، حين طلبت منه إيقاف بعض شحنات الأسلحة إلى “حزب الله”، لكنه لم يلتزم، ما أدى إلى فشل المفاوضات.
ماذا طلب الأسد؟
كان كيري كشف في 2015 عن مقترح الخوض في محادثات سلام بين إسرائيل وسوريا.
وفي حديث مع مجلة “نيويوركر”، قال كيري إن الأسد اقترح أن يعترف بإسرائيل وأن تكون له سفارة هناك، وقال إن الجانب السوري طلب مساعدات اقتصادية تتضمن إنشاء خط أنابيب نفط يصل سوريا بالعراق، ودعمًا تكنولوجيًا وفي مجال الرعاية الصحية.
وحسب “نيويوركر”، فإن نتانياهو قال في زيارة لاحقة للولايات المتحدة إنه ليس بإمكانه الموافقة على مثل هذا المقترح.
بالمقابل طلبت واشنطن إجراءات بناء ثقة بين الجانبين لكن الأسد لم يلتزم بها.
الآن ومع توسع النفوذ الروسي في سوريا، ولعب دوري الوسيط عدة مرات بين الأسد وإسرائيل، عاد الحديث مجددًا إلى إمكانية أن تكون موسكو عرابة السلام بين النظام السوري وتل أبيب.