د. أكرم خولاني
داء غريفز (Graves’ disease) أو الدُّرَاق الجحوظِي هو السبب الأكثر شيوعًا لفرط نشاط الغدة الدرقية وتضخمها في جميع أنحاء العالم، إذ يشكل 50- 80% من الحالات، وترجع تسميته نسبة إلى الطبيب الأيرلندي روبرت جريف الذي قام بوصف المرض قبل أكثر من 100 عام.
وهو مرض مناعي ذاتي ينتج عن تكوين جهاز المناعة أجسامًا مضادة تدعى الأجسام المضادة للهرمون المنبه للغدة الدرقية، هذه المضادات تحاكي عمل وفاعلية الهرمون منبه الدرقية (TSH) على مستقبلاته، فترتبط بمستقبلات الغدة الدرقية وتحفزها لإنتاج كميات كبيرة من هرمونات الغدة الدرقية (التيروكسين T4، وثلاثي اليودوثيرونين T3) بشكل مستمر ودون توقف، ما يؤدي إلى فرط نشاط الغدة الدرقية، وتؤدي زيادة إفراز هرمونات الغدة الدرقية إلى تنشيط العديد من وظائف الجسم، أبرزها زيادة عمليات الاستقلاب، وسرعة نبضات القلب، ونشاط الجهاز العصبي، وغيرها من وظائف الجسم الأخرى.
ومع أن داء غريفز قد يصيب أي شخص، لكنه أكثر شيوعًا بين النساء والأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عامًا.
ما أعراض وعلامات داء غريفز؟
تقسم الأعراض والعلامات السريرية لداء غريفز إلى مجموعتين:
- أعراض وعلامات عامة قد تظهر في الأمراض الأخرى المسببة لفرط نشاط الدرقية، أبرزها: القلق وسهولة الاستثارة، الإرهاق والتعب وآلام العضلات، اضطراب النوم، لامبالاة، اكتئاب، سرعة ضربات القلب أو عدم انتظامها (الخفقان)، رعشة خفيفة في اليدين أو الأصابع (رعاش ناعم)، عدم تحمل الحرارة، زيادة التعرق أو دفء الجلد ورطوبته، فقدان الوزن على الرغم من عادات الأكل الطبيعية، زيادة تبول، إسهال، تغير في دورات الطمث عند النساء، ضعف الانتصاب أو انخفاض الرغبة الجنسية عند الرجال.
- أعراض وعلامات خاصة بداء غريفز تميزه عن غيره من الأمراض المسببة لفرط نشاط الغدة الدرقية، وهي:
تضخم الغدة الدرقية المنتشر في جميع أنحاء الغدة غير المؤلم (الدراق).
اعتلالات العين المرافقة لداء غريفز، تظهر على حوالي 30% من المصابين به، وتشمل:
- جحوظ العينين (بروز لكرة العين إلى الأمام نتيجة تضخم العضلات الموجودة خلف العين في الحجاج) الذي يحدث على وجه التحديد وبشكل فريد في فرط نشاط وتضخم الغدة الدرقية غير المؤلم (الدراق) الناجم عن داء غريفز، فعندما يوجد الجحوظ مع فرط نشاط الغدة الدرقية يكون علامة مؤكدة لتشخيص داء غريفز، علمًا أن إحدى أو كلتا العينين قد تبرز للأمام.
- الإحساس بوجود حبيبات رملية صغيرة خشنة في العينين.
- الشعور بالضغط أو الألم في العينين.
- جفون منكمشة أو ما يعرف بالتحديق (تتراجع الأجفان إلى أعلى أكثر من الوضع العادي).
- عيون حمر أو ملتهبة.
- الحساسية تجاه الضوء.
- ازدواج الرؤية نتيجة ضعف عضلات العين الخارجية.
- ضعف وحتى فقدان البصر.
اعتلال غريفز الجلدي، وهو من العلامات غير الشائعة، ويحدث فيه احمرار الجلد وسماكته وتكوّن طبقة مخاطية تحت الجلد أمام عظمة الساق (الوذمة المخاطية أمام الطنبوب) وتسببها المناعة الذاتية للمرض.
ما أسباب الإصابة بداء غريفز؟
باعتبار مرض غريفز ذاتي المناعة، ما زال من الصعب تحديد السبب الأساسي وراء حدوث المرض، لكن هناك العديد من العوامل قد تزيد من خطر الإصابة بالمرض، بما في ذلك:
التاريخ العائلي (عوامل جينية):
يعتبر وجود سيرة مرضية تضم أفرادًا آخرين من العائلة يعانون من مرض غريفز مؤشرًا على زيادة فرص الشخص نفسه للتعرض لمرض غريفز ، ولذلك فمن المحتمل وجود جين أو جينات قد تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب.
الجنس:
النساء أكثر عرضة للإصابة بداء غريفز من الرجال، ويمكن تفسير ذلك نتيجة لاختلاف توزيع الهرمونات عند كلا الجنسين.
وجود اضطراب مناعي ذاتي آخر:
الأشخاص المصابون باضطرابات أخرى في الجهاز المناعي، مثل مرض السكري من النوع الأول أو التهاب المفاصل الرثواني أو الذئبة الحمامية الجهازية أو فقر الدم الوبيل أو داء أديسون أو الداء البطني، أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض.
الضغط النفسي أو الإجهاد الجسدي:
قد تكون أحداث الحياة المسببة للتوتر أو المرض من العوامل المحفزة لظهور داء غريفز بين الأشخاص الذين لديهم جينات تزيد من خطر الإصابة، وقد يؤدي عند الأشخاص المصابين مسبقًا إلى زيادة حدة المرض وتطوره.
الحمل:
قد يؤدي الحمل أو الولادة الحديثة إلى زيادة خطر الإصابة بهذا الاضطراب، خاصة بين النساء اللاتي لديهن جينات تزيد من خطر الإصابة.
التدخين:
يزيد تدخين السجائر، الذي يمكن أن يؤثر في جهاز المناعة، من خطر الإصابة بداء غريفز. يتعرض المدخنون المصابون بداء غريفز أيضًا لخطر متزايد للإصابة باعتلال العين المرافق لداء غريفز.
الالتهابات:
يعتقد العلماء أن الإصابة بعدوى ما قد تكون سببًا في تطور الإصابة بمرض غريفز، خاصة جراثيم القولون يرسينيا، على الرغم من أن الأدلة لوجود تشابه في التركيب بين البكتيريا ومستقبلات الثيروتروبين البشري محدودة.
كيف يشخَّص المرض؟
يشتبه الطبيب بوجود داء غريفز بعد أخذ السيرة المرضية ومعرفة الأعراض التي يعاني منها المريض، ويتم إثبات التشخيص عن طريق بعض الفحوصات المخبرية.
اختبارات الدم:
يتم قياس مستويات كل من الهرمون المحفز للدرقية (TSH)، والثيروكسن (T4)، وثلاثي اليودوثيرونين (T3)، ويتم التشخيص بناء على القراءات، ويمكن للطبيب طلب بعض فحوصات الدم الأخرى في حال عدم قدرته على تشخيص مرض غريفز بناء على فحوصات سابقة، إذ يمكن قياس مستويات الغلوبيولينات المناعية المحفزة للدرقية، ولا تكون هناك عادة حاجة لتشخيص المرض، ولكن النتائج التي لا تظهر الأجسام المضادة قد تشير إلى سبب آخر لفرط الدرقية.
امتصاص اليود المُشع ومسح الدرق:
يقوم هذا الفحص على قياس كمية اليود المُشع الذي تقوم الغدة الدرقية بامتصاصه، ويمكن من خلاله تحديد زيادة نشاط جزء من الغدة على حساب الآخر، ويتم اختبار اليود المُشع كما يلي:
يتم الفحص بتناول حبة يود قبل 4 إلى 6 ساعات من موعد إجراء تصوير الغدة الدرقية باستخدام كاميرا مسح ضوئي متخصصة، ثم يتم إعادة إجراء تصوير للغدة بعد 24 ساعة، ويتم اعتماد النتائج بناء على نسبة امتصاص الغدة الدرقية لليود المُشع، إذ يعتبر امتصاص كميات عالية من اليود المُشع دليلًا على وجود فرط نشاط الدرقية أو مرض غريفز.
التصوير بالأمواج فوق الصوتية (إيكو):
يمكن أن يظهر هذا الفحص إذا ما كانت الغدة الدرقية متضخمة، وهو مفيد للغاية للأشخاص الذين لا يستطيعون الخضوع لامتصاص اليود المُشع، مثل النساء الحوامل.
كيف يمكن علاج داء غريفز؟
تتمثل أهداف علاج داء غريفز في وقف إنتاج الهرمونات الدرقية ومنع تأثير الهرمونات على الجسم، و تشمل العلاجات الأدوية ضد الغدة الدرقية التي تقلل إنتاج هرمون الغدة الدرقية، كحاصرات بيتا، واليود المُشع، والاستئصال الجراحي للغدة.
العلاج باليود المُشع:
في هذا العلاج يتم تناول اليود المُشع عن طريق الفم، فتمتصه الغدة الدرقية داخل خلاياها، ويدمر الإشعاع الخلايا المفرطة النشاط بمرور الوقت، ويؤدي هذا إلى تقلص الغدة الدرقية، وتقل الأعراض تدريجيًا على مدار عدة أسابيع إلى عدة أشهر.
قد يزيد العلاج باليود المُشع من خطر الإصابة بأعراض اعتلال العين المصاحب لداء غريفز، ويكون هذا التأثير الجانبي عادة خفيفًا ومؤقتًا، ولكن قد لا ينصح بالعلاج إذا كان المريض يعاني بالفعل من مشكلات متوسطة إلى شديدة في العين.
ولا يستخدم العلاج باليود المُشع في علاج النساء الحوامل أو المرضعات.
الأدوية المضادة للدرقية:
تتضمن هذه الأدوية دواء بروبيل ثيوراسيل وميثيمازول (تابازول)، ونظرًا إلى أن احتمالية الإصابة بمرض الكبد أكثر شيوعًا نتيجة لاستعمال دواء بروبيل ثيوراسيل، فإن دواء ميثيمازول يعتبر الخيار الأول عندما يصف الأطباء الأدوية لعلاج هذه الحالة، ومع ذلك فإن دواء بروبيل ثيوراسيل هو الدواء المفضل المضاد للدرقية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، حيث ينطوي دواء ميثيمازول على مخاطر خفيفة من العيوب الخلقية، وتعود النساء الحوامل إلى تناول دواء ميثيمازول بعد الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.
يؤدي تناول أي من العقارين لمدة تزيد على عام إلى نتائج أفضل على المدى الطويل، ويمكن استخدام الأدوية المضادة للغدة الدرقية قبل أو بعد العلاج باليود المُشع كعلاج تكميلي.
حاصرات مستقبلات بيتا:
مثل بروبرانولول (أنديرال) وأتينولول (تينورمين)، ولا تثبط هذه الأدوية إفراز الهرمونات الدرقية، لكنها تمنع تأثير الهرمونات على الجسم، فهي قد تخفف بشكل سريع نسبيًا من عدم انتظام ضربات القلب، والرعاش، والقلق، أو سهولة الاستثارة، وعدم تحمل الحرارة، والتعرق، والإسهال، وضعف العضلات.
الجراحة:
جراحة استئصال الغدة الدرقية بالكامل أو جزء منها (استئصال الغدة الدرقية التام أو دون التام)، ومن المرجح أن يحتاج المريض بعد الجراحة إلى علاج لإمداد الجسم بالكميات الطبيعية من الهرمونات الدرقية.
علاج اعتلال العين المرافق لداء غريفز
يمكن السيطرة على الأعراض الخفيفة لاعتلال العين المصاحب لداء غريفز باستخدام الدموع الصناعية في أثناء النهار والهلام المزلق في الليل.
ولكن إذا كانت الأعراض أكثر حدة، يمكن استخدام الكورتيزونات مثل بريدنيزون، وقد يقلل العلاج بها من التورم خلف مقلة العين.
- الموشورات: قد تصحح الموشورات الموجودة في النظارة من ازدواجية الرؤية.
- جراحة تخفيف ضغط الحجاج: في هذه الجراحة يزيل الطبيب العظم الموجود بين تجويف العين (الحجاج) والجيوب الأنفية، وهذا يعطي العينين مساحة للعودة إلى وضعها الأصلي. يستخدم هذا العلاج عادة إذا كان الضغط على العصب البصري يهدد فقدان البصر.
- العلاج الإشعاعي للحجاج: كان هذا العلاج في السابق شائعًا لهذه الحالة، وهو يستخدم الأشعة السينية الاستهدافية على مدار عدة أيام لتدمير بعض الأنسجة خلف العينين، ويوصى بهذا العلاج إذا كانت المشكلات العينية تزداد سوءًا ولم تكن الكورتيزونات فعالة بمفردها أو لا يتم تحملها بشكل جيد.
- وفي جميع الحالات، يعتبر الإقلاع عن التدخين أمرًا ضروريًا، ويُنصح بتجنب بعض الأطعمة مثل:
- الكافيين: الأطعمة والأشربة التي تحتوي على مادة الكافيين، كالقهوة والمشروبات الغازية والشاي والشوكولا وغيرها، قادرة على زيادة شدة داء غريفز.
- الأطعمة التي تسبب الحساسية: مثل مشتقات الحليب والأطعمة الحاوية على القمح (الغلوتين) والذرة والبندق وغيرها، إذ تساعد هذه الأطعمة على تحفيز جهاز المناعة وقد تصل في النهاية إلى الإصابة بمرض غريفز.