مليون وثيقة إدانة لا تكفي

  • 2021/02/28
  • 8:10 ص

إبراهيم العلوش

أعلنت لجنة العدل والمساءلة الدولية عن جمعها أكثر من 900 ألف وثيقة إدانة لنظام بشار الأسد، وهذا العدد، كما تقول حلقة “60 دقيقة” في قناة “سي بي اس” الأمريكية، يزيد على عدد الوثائق التي أدانت النازية بعد الحرب العالمية الثانية، ويزيد على عدد الوثائق التي ساقت الرئيس الصربي ميلوسوفيتش إلى المحاكم الدولية، لكن هل لا يزال هذا العدد لا يكفي لإدانة بشار الأسد ونظامه!

لا تقل الوثائق حتمًا عن مليون وثيقة تدين نظام الأسد ما دامت منظمة واحدة قد جمعت كل هذا العدد، ولا يقل عدد النازحين اليوم في الخيام عن مليون نازح، ناهيك عن ستة ملايين نازح في المدن والقرى السورية، ولا يقل عدد المهاجرين عن ستة ملايين سوري في مشارق الأرض ومغاربها، وكل ذلك لا يكفي لإقناع العالم بمأساة السوريين، ولا لإيقاف معاناتهم بالخلاص من النظام النازي في سوريا.

الروس والإيرانيون لا يزالون متمسكين بنظام الأسد حتى آخر سوري على قيد الحياة، وأوباما تغاضى عن هدر الدم السوري من أجل الاتفاق النووي مع إيران، وأعطى للطائرات الروسية حقًا مطلقًا بقصف السوريين في المستشفيات والمدارس والأسواق، وأطلق يد إيران و”حزب الله” بحرب ثأرية تسترجع مستنقعات التاريخ من أجل تهجير نصف الشعب السوري وتدمير المدن السورية، بحجة هيمنة محور الممانعة الفاشي على البلاد!

أوروبا تصمت أمام وحشية الأسد، وتنتظر إعادة انتخابه إرضاء لإيران، وللحصول على الصفقات المقبلة منها، بعد أن يقوم بايدن، وهو نائب أوباما سابقًا، بالعودة إلى الاتفاق النووي، فشركات الأسلحة والطيران والسيارات وشركات البترول الأوربية لا تزال تنتظر إعادة الحياة للعقود التي أوقفها انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران!

الصين لا تستغرب أبدًا قتل السوريين ولا تعذيبهم، وتعتبر ذلك أمرًا مألوفًا ومشروعًا في سبيل مصالحها وخططها التي تعيد هيكلة المنطقة بمشروع الساحل والطريق، الذي يعتبر أن إيران تشكل مفصلًا مهمًا فيه، بالإضافة إلى أن التهجير والاعتقال نهج صيني مألوف، وسجون المسلمين الإيغور التي تضم مليونًا منهم صارت فلكلورًا صينيًا يعكس قوة دكتاتوريتها التي تحلم بالسيطرة على العالم وتعزيز عبادة الفرد!

وبدوره، يزيّن النظام العالمي سمعته بعدد من المحاكم الدولية التي تطارد المجرمين والقتلة، ولكن هذه المحاكم تتذرع بحجج واهية وترفض النظر في الوثائق التي وفّرتها السوريات والسوريون الشجعان، أمثال “قيصر” وغيره من الذين غامروا بحياتهم من أجل إدانة الظلم وانتزاع حق السوريين بالتخلص من العذاب الأبدي الذي تفرضه دولة الأسد عليهم!

مليون وثيقة إدانة ولا تزال حملة إعادة انتخاب بشار الأسد شيئًا مألوفًا لدى السياسيين والقادة والدول ومنظمات حقوق الإنسان، ولا يزال السوريون يتلقون حصتهم من العذاب اليومي في المعتقلات وفي المخيمات وفي الشتات الذي امتد إلى آخر الأرض.

هل يحتاج العالم إلى مليون وثيقة أخرى من أجل التحرك ضد نظام بشار الأسد، أم أنه لن يتحرك أبدًا، بل ربما سيتحرك بعد أن تعقد إسرائيل اتفاقية سلام مع نظام الأسد وعقب تسلّمها جثة كوهين منه خلال السنوات المقبلة من العذاب السوري!

فالاتفاق الأخير بين نظام الأسد وإسرائيل فاجأ الجميع، وقد عُقد في مستعمرة “حميميم” وأعاد فتاة إسرائيلية ضائعة مقابل إطلاق معتقلين في إسرائيل، والاتفاق على شراء إسرائيل لقاحات روسية لتلقيح قادة النظام من أجل ضمان استمرارهم في الحكم، قبل أن يفتك بهم فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) الذي أودى بأحد رموز النظام قبل أيام، وهو بهجت سليمان مربي بشار الأسد ورئيس الفرع “251”، المشهور باسم فرع “الخطيب” سيئ السمعة.

وقد يشير ذلك إلى احتمالية عقد اتفاقات أوسع بين إسرائيل ونظام الأسد علّه يتعاون معها في تنظيم الوجود الإيراني في سوريا، ووضع حدود له بحيث تتجنب إسرائيل المواجهة مع “الحرس الثوري الإيراني” الذي صار يرسم خرائطه بعيدًا عن حدودها، في البوكمال والجزيرة السورية وحلب وغيرها من المدن المصرح له بانتهاكها بعيدًا عن الجولان!

مليون وثيقة إدانة ولا يزال النظام القضائي العالمي يتصنع العمى أمامها، ولا يزال يمارس التجاهل والتسويف، ولم يقم حتى بمحاكمة سطحية على الأقل مثل محاكمة قتلة رفيق الحريري، رغم أن نتائجها تثير اليأس من هذا العدل الدولي المسيّس والمرتبط بمصالح الدول التي تؤسسه بعيدًا عن الحق والعدل!

لكن مع محاكمات “كوبلنز” الألمانية ضد ضباط مخابرات النظام التي أسهم المحامي السوري أنور البني وطاقمه بقيامها، ومع قانون “قيصر” الذي اعترف بالظلم الذي وقع على السوريين، واعتبر وثائق التعذيب التي قدمها “قيصر” دليلًا قاطعًا، عاد بعض الأمل للسوريين في محاكمة رموز النظام مستقبلًا، وضمان عدم إفلاتهم من المساءلة عن الجرائم التي ارتكبوها ضد السوريين. وتُعتبر هاتان العلامتان نقاطًا مضيئة في الطريق إلى التخلص من نظام الأسد وإدانة جرائمه.

ولن يتوقف السوريون عن جمع الوثائق، ولن ييأسوا رغم الصمم الذي أصاب قضاة المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المحاكم الدولية ومحاكم حقوق الإنسان الأوروبية والدولية، فالسوريون قاموا من أجل الخلاص ومن أجل الحرية، ولن يتوقفوا في منتصف الطريق، فدماء أكثر من نصف مليون شهيد تمنعهم من اليأس، وتمنعهم من قبول استمرار نظام الأسد الذي تسبب بكل مآسيهم!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي