عنب بلدي – خولة حفظي
في 10 من آذار المقبل، ستنطلق أولى ناقلات البضائع الإيرانية من ميناء “بندر عباس” في محافظة هرمزكان جنوبي إيران باتجاه مرفأ “اللاذقية” على الساحل السوري، ضمن خطة لإعادة تفعيل الخط البحري المباشر من إيران إلى سوريا.
قال الرئيس المشترك لـ”غرفة التجارة السورية- الإيرانية المشتركة” عن الجانب السوري، فهد درويش، في 23 من شباط الحالي، إن تدشين خط بحري مباشر بين ميناءي “بندر عباس” و”اللاذقية”، سيؤدي إلى “انتظام شحن البضائع بين إيران وسوريا”، بحسب صحيفة “الوطن” المحلية.
وستبحر باخرة، في 10 من كل شهر، من الميناء الإيراني إلى سوريا، سواء امتلأت بالبضائع أم كانت فارغة، بعكس ما كان يحدث سابقًا من انتظار امتلاء الباخرة بالبضائع، إذ كان المستورد السوري ينتظر لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر لوصول بضاعته إلى ميناء “اللاذقية”، بحسب درويش.
وبحسب تصريحات المسؤولين السوريين والإيرانيين، فإن الخط البحري، الذي كان يعمل سابقًا بصورة غير منتظمة، يهدف إلى تعزيز الصادرات الإيرانية إلى السوق السورية، دون الإشارة إلى صادرات معاكسة، أي من سوريا إلى إيران، ما يثير تساؤلات حول الفائدة المتوقعة لكل طرف من الخط البحري.
إعلان موجّه إلى روسيا
تحدث الرئيس المشترك لـ”غرفة التجارة السورية- الإيرانية المشتركة” عن الجانب الإيراني، كيوان كاشفي، عن إمكانية “تحويل هذا الخط الملاحي (من إيران إلى سوريا) إلى خطين، أي مرة كل 15 يومًا، لإرسال البضائع إلى اللاذقية، إذا لزم الأمر”.
ويرى رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، أسامة قاضي، أن الإعلان عن إعادة تفعيل الخط البحري هو “إعلان دعائي وإعلامي أكثر من كونه تجاريًا”، لأنه “صعب التحقيق”، رغم أن السوق السورية “بحاجة إلى كل شيء الآن”.
وقال قاضي، لعنب بلدي، إن “الإعلان” الإيراني يقابل إعلان روسيا أنها لا تستطع أن تنهض بالاقتصاد السوري ولا تستطيع إنقاذه، فهو “رسالة” أن الروس لا يستطيعون دعم النظام السوري إلى ما لا نهاية، بعكس إيران.
وجاء الإعلان عن إعادة تفعيل الخط البحري الإيراني، بالتزامن مع إشارة ممثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دمشق، ألكسندر يفيموف، إلى أن مسألة تخصيص الأموال (الروسية) لدعم الاقتصاد السوري ليست سهلة للغاية، لأن روسيا اليوم نفسها تحت تأثير العقوبات، وتعاني من ركود اقتصادي بسبب جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
ووصف يفيموف، في حديث لوكالة “سبوتنيك” الروسية، في 11 من شباط الحالي، الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا اليوم بـ”الصعب للغاية”، وربما يكون الأصعب منذ 2011.
باب خلفي
تسعى إيران إلى تحصيل مكاسب أكبر من تدخلها في سوريا، ولكن وكالة “مهر” الإيرانية نقلت، في وقت سابق، عن خبراء إيرانيين قولهم، إن “الإيرانيين لم يتمكنوا من الاستحواذ على السوق السورية الجذابة والجاهزة إلى حد ما”.
واصطدمت طهران بالعديد من العقبات في طريقها إلى سوريا، ولكن موضوع الشحن والنقل يعتبر من “المشكلات الأساسية” في التجارة مع سوريا، بسبب عدم وجود حدود مشتركة، بحسب الرئيس المشترك لـ”غرفة التجارة السورية- الإيرانية المشتركة” عن الجانب الإيراني، كيوان كاشفي.
الباحث في الشأن الإيراني علاء السعيد، قال لعنب بلدي، إن العلاقات التجارية بين إيران وسوريا لم تنقطع منذ أمد بعيد، وكانت تعتمد بشكل أساسي على المرور عبر الأراضي العراقية.
وأضاف السعيد أن الطرق البرية شهدت مؤخرًا “ضغوطًا” من الجانب الأمريكي، لوقف هذه الميزة (النقل البري) عبر العراق، ما دفع إيران إلى العمل على إحياء النقل البحري، أملًا بأن يكون “الباب الخلفي” للهرب من العقوبات.
وكان كاشفي تحدث عن “تعذر نقل البضائع إلى سوريا حاليًا عبر العراق لأسباب عدة (لم يحددها)”.
وإضافة إلى الطريق عبر العراق، لدى إيران خيارات لنقل البضائع إلى سوريا، تتمثل في النقل الجوي المرتفع التكلفة والقيود التي رافقته مع انتشار فيروس “كورونا”، والمسار الثاني عبر ميناء “مرسين” التركي ومنه إلى سوريا، لكنه مرتفع التكلفة أيضًا ويواجه “مشكلات أخرى”، ولذا فإن إطلاق خط بحري لنقل البضائع من “بندر عباس” إلى “اللاذقية” يعد “الخيار الأمثل”.
الفوائد المحتملة
ينطلق الخط البحري الجديد بين إيران وسوريا باتجاه واحد فقط، ستكون إيران فيه مصدرة وسوريا مستوردة، وتأمل إيران أن “يؤدي هذا الطريق البحري إلى زيادة تصدير المنتجات الزراعية إلى سوريا”.
وقال الرئيس المشترك لـ”غرفة التجارة السورية- الإيرانية المشتركة” عن الجانب الإيراني، كيوان كاشفي، لوكالة “فارس” الإيرانية، “حاليًا ستصدر المزيد من البضائع الإيرانية إلى سوريا”، بينما “لا تصدر سوريا الكثير من البضائع إلى إيران”، الأمر الذي قد يحدث مع “التوسع في العلاقات التجارية”.
ولكن السوريين “ليسوا بوضع يسمح لهم بدفع ثمن بضائع مستوردة، لأنهم بالكاد يدفعون تكاليف الخبز والوقود”، بحسب رئيس “مجموعة عمل سوريا”، أسامة قاضي.
وتساءل قاضي، “هل ستصدّر إيران السجاد العجمي والمأكولات؟ لدينا مأكولات في سوريا”، مضيفًا أن “الناس بالكاد يشترون الخضار، فهم ليسوا بحاجة إلى شراء أغذية وأطعمة إيرانية”.
ويعاني 12.4 مليون شخص في سوريا، أي حوالي 60% من السكان، من انعدام الأمن الغذائي، في “أسوأ” حالة أمن غذائي شهدتها سوريا على الإطلاق، وفقًا لنتائج تقييم الأمن الغذائي على مستوى البلاد الذي أُجري في أواخر عام 2020، بحسب تقرير لبرنامج الأغذية العالمي، في 11 من شباط الحالي.
وبحسب رئيس “غرفة التجارة السورية- الإيرانية المشتركة” عن الجانب السوري، فهد درويش، فإن الخط الجديد يحتوي على “ميزة” شحن البضائع السائبة، وهي مواد خام غير مصنعة تُستخدم في الإنتاج والتصنيع.
مكاسب إيرانية
يتراوح حجم التجارة السنوية بين إيران وسوريا بين 170 و180 مليون دولار سنويًا، بحسب تقديرات إيرانية رسمية حديثة، ولكن طهران تأمل بأن “يتضاعف حجم التجارة بين البلدين ثلاث مرات بحلول العام المقبل مع الخطط الموضوعة”.
واعتبر الباحث في الشأن الإيراني علاء السعيد أن إحياء الخط البحري “غير المنتظم” في “غاية الأهمية” للجانب الإيراني فقط، حيث تستطيع إيران من خلاله الهروب من العقوبات عن طريق سوريا، سواء كانت المنتجات موجهة مباشرة إلى سوريا أو كانت بهدف تحويل اللاذقية إلى ميناء “ترانزيت” وانطلاق للنفط الإيراني.
ويرى السعيد أن النقل البحري “وسيلة لإثبات الحضور الفعلي الإيراني في سوريا، عسكريًا واقتصاديًا، وزيادة اعتماد النظام السوري على إيران حتى يصعب خروج قواتها فيما بعد من سوريا”.
ومن المحتمل أن يعود الخط البحري بفوائد “هامشية” على النظام السوري وليست فوائد “جوهرية”، تتمثل بـ”الظهور أمام العالم بأن هناك نظمًا دولية تتعامل مع النظام المنبوذ”، بحسب السعيد.
وقد تتحول سوريا إلى “مصدر للمنتجات الإيرانية من تحت الطاولة، خاصة النفط، ما يرفع أسهم النظام السوري في الأوساط الدولية، وكذلك يثبت النظام فكرة السيطرة على سوريا أمام الرأي العام العالمي”.
بوابة إيرانية جديدة لإدخال “الأسلحة”
أجمع الخبراء الاقتصاديون الذين التقت بهم عنب بلدي، على عدم وجود “جدوى اقتصادية” واضحة للخط البحري الجديد، ما يثير تساؤلًا عن إمكانية تحوله إلى “بوابة إيرانية جديدة لإدخال الأسلحة إلى سوريا”.
وتنقل إيران الأسلحة إلى سوريا و”حزب الله” في لبنان عن طريق البحر، لتجنب الهجمات التي تشنها إسرائيل على قوافلها البرية، حسبما نقلت صحيفة “هآرتس” عن مسؤول إسرائيلي في تموز 2019.
وقال رئيس “مجموعة عمل سوريا”، أسامة قاضي، إنه “لو قُدّر للإيرانيين استخدام هذا المرفأ (اللاذقية) بشكل كبير، فهذا نذير شؤم على سوريا”.
وفي حال أصبح مرفأ “اللاذقية” “بابًا لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى سوريا لدعم الميليشيات الإيرانية، فسيكون معرضًا للقصف، وبالتالي ستخسر سوريا هذا المرفأ”، بحسب قاضي.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن مرفأ “اللاذقية” “قد يتعرض للتدمير بحجة نقل بضائع غير تجارية، كعادة الإيرانيين في سوريا، الذين استخدموا مطار (دمشق الدولي) لنقل أسلحة ومواد مهربة أخرى، ومنذ عشر سنوات حتى اليوم هناك تدمير إسرائيلي لأي منشأة يُشتبه بأنها إيرانية”.
ويعتقد أنه “لا وزن اقتصاديًا للخط البحري الجديد، وأنه قد يتحول إلى باب لإدخال الآلة العسكرية التي أفنت الشعب السوري”.