لماذا تتلقى أمريكا الضربات في العراق وتردها في سوريا؟
عنب بلدي – جنى العيسى
أثار استهداف القوات الأمريكية ميليشيات إيرانية شرقي سوريا، تساؤلات عن سبب استهدافها في سوريا وليس في العراق، لا سيما أن وزارة الدفاع الأمريكية أوضحت أن الاستهداف أتى ردًا على الهجمات التي استهدفت قوات التحالف الدولي في العراق مؤخرًا.
وشنت القوات الأمريكية، فجر الجمعة 26 من شباط الحالي، غارات جوية على مواقع تابعة لميليشيات مدعومة من إيران شرقي سوريا، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، جون كيربي، في بيان له، إن الضربات جاءت بتوجيه من الرئيس الأمريكي، جو بايدن.
وفي 16 من شباط الحالي، أعلن المتحدث الرسمي باسم غرفة عمليات التحالف الدولي المعروفة بـ”العزم الصلب”، واين ماروتو، مقتل شخص، وإصابة خمسة مدنيين متعاقدين من بينهم جندي أمريكي، إثر صواريخ استهدفت أربيل، عاصمة إقليم كردستان، في شمالي العراق.
وتبنت جماعة مسلحة مقربة من إيران، تُعرف باسم “سرايا أولياء الدم”، الهجوم الذي ضرب مطار أربيل.
لماذا سوريا؟
الخارجية الأمريكية ردت على أسئلة وجهتها عنب بلدي، في مراسلة إلكترونية، حول سبب استهداف المواقع في سوريا وليس في العراق، وقالت إن “هذا الرد العسكري ترافق مع إجراءات دبلوماسية، بما في ذلك التشاور مع شركاء التحالف، ونحن على ثقة من أن أهداف البنية التحتية المختارة في شرقي سوريا قد استُخدمت من قبل نفس الجماعات المدعومة من إيران، والمسؤولة عن هذه الهجمات الأخيرة، فضلًا عن التخطيط لهجمات مستقبلية ضد أفرادنا”.
ويعتقد الخبير في العلاقات الدولية الدكتور العراقي عمر عبد الستار، في حديث إلى عنب بلدي، أن الضربات الأمريكية تزامنت مع تصريحٍ لافت هو الأول من نوعه، لوزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في 25 من شباط الحالي، وصف فيه مطلقي الصواريخ بأنهم “إرهابيون”، والواضح من خلال هذا التصريح، أن الحكومة العراقية استعانت بدعم أمريكي، لمواجهة الميليشيات الإيرانية التي ضربت مطار أربيل، تلاه تشاور بين “البنتاغون” والحكومة العراقية بكونها حليفة له، لتحديد مكان الهجمات.
هذا التحليل يتقاطع مع تصريحات لوزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، عقب الضربات، قال فيها، “واثق من أن الهدف الذي استهدفناه في سوريا كانت تستخدمه نفس الميليشيات التي نفذت الهجمات الصاروخية في العراق، نحن نعرف ما ضربناه”، بحسب ما نقلته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية.
وأوضح أوستن أن قوات بلاده نفذت الضربة استنادًا إلى معلومات استخباراتية وفّرها الجانب العراقي، وقال، “سمحنا وشجعنا العراقيين على التحقيق وجمع المعلومات الاستخباراتية، وكان ذلك مفيدًا لنا في تحديد الهدف”.
لكن وزارة الدفاع العراقية أبدت، في بيانٍ لها، استغرابها مما ورد في تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، حول تبادل للمعلومات الاستخباراتية مع الحكومة العراقية، قبل استهدافها مواقع إيرانية في سوريا، مؤكدة أن تعاونها مع قوات التحالف الدولي محصور بمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
من جهته، يرى المحلل السياسي حسن النيفي، في حديث إلى عنب بلدي، أن هدف أمريكا من هذه الضربة هو استهداف جهة محددة، تتمثل بالميليشيات الإيرانية الموجودة على الحدود السورية- العراقية، معتقدًا أن تكون الضربات ذات هدف مزدوج، وهدفها المبطّن هو توجيه رسالة لإيران تحذرها أمريكا فيها من ازدياد ميليشياتها الموجودة على الأراضي السورية.
هدف صغير للغاية.. لكن قد يستمر
نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أمريكيين، أن الضربات جاءت كرد فعل “صغير للغاية” تمثل في “إلقاء سبع قنابل على مجموعة صغيرة من المباني على الحدود السورية- العراقية، تُستخدم لعبور مقاتلي الميليشيات والأسلحة داخل وخارج البلاد”.
وبحسب المسؤولين، فقد عرض “البنتاغون” مجموعات أكبر من الأهداف، لكن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أعطى الضوء الأخضر لضرب “أصغر” هذه الأهداف.
يرى المحلل حسن النيفي أن إدارة بايدن تتبع حاليًا سياسة العصا والجزرة مع إيران ومشتقاتها في المنطقة، ولم تبلور سياسة واضحة حتى الآن، خاصة بوجود أخذ ورد حول موضوع الملف النووي الإيراني بين الجانبين.
بينما قال الدكتور عمر عبد الستار، إن الضربة كانت مفاجِئة بغض النظر عن حجم الهدف، وجاءت برأيه لإثبات وجود بايدن و”البنتاغون” من جهة، ولإثبات وجود العمل مع الشركاء داخل أمريكا وخارجها من جهة أخرى.
وأضاف عمر عبد الستار أن سياسة بايدن بدأت تتضح تجاه إيران، فهي تعاند وترفع سقف مطالبها بالملف النووي، لكن بايدن لم يرفع العقوبات عنها، وضرب مواقعها في سوريا، وبالتالي فمن الممكن أن تكون ضربة اليوم سلسلة لضربات مقبلة ضد إيران.
وأضاف المحلل السياسي حسن النيفي أن الضربات الأمريكية تأتي غالبًا بهيئة رد على هجمات تتعرض لها قواعدها، وطالما أن الهجمات لن تتوقف، سيرد الجانب الأمريكي بغض النظر عن حجم الرد.
رسائل أمريكية في أكثر من اتجاه
في تقرير بعنوان “في رسالة إلى إيران.. بايدن يقصف سوريا”، ترى مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن بايدن بقصفه سوريا يسير بعد أسابيع من توليه الرئاسة على خطى سلفه دونالد ترامب، الذي شن هجومًا صاروخيًا بعد 77 يومًا من تسلم منصبه، ردًا على هجوم كيماوي للنظام السوري.
وأضافت المجلة أن القاسم المشترك بين الضربات هو أنها تأتي بحيث لا تُفسر على أنها عمل حربي، بل كرسالة، وفي حالة بايدن هي محاولة لوضع حدود لميليشيات إيران في المنطقة.
عضو البرلمان الروسي أليكسي بوشكوف، اعتبر أن الضربة الجوية الأمريكية يمكن اعتبارها إشارة إلى روسيا وعدد من القوى العالمية الأخرى حول طبيعة مسار السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي، جو بايدن.
وأضاف أن رسالة بايدن موجهة إلى موسكو وطهران ودمشق والصين وتل أبيب والرياض، بأهداف مختلفة، لا سيما أنها تأتي بعد أقل من 40 يومًا من وصول “الديمقراطيين” إلى البيت الأبيض.
وقال مسؤول أمريكي لموقع “VOX“، بشرط عدم الكشف عن هويته للتحدث بحرية عن المناقشات الحساسة، إن فكرة الإدارة من وراء الضربات الجوية هي أنها بحاجة إلى “توصيل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لن تغض الطرف عن هجمات الميليشيات التي ترعاها إيران ضد قواتنا”.
أما بايدن، وهو من أمر بالضربة، فتكلم صراحة أنها موجهة لإيران، وهي بمثابة تحذير بعدم تكرار مهاجمة المصالح الأمريكية في المنطقة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :