عنب بلدي – زينب مصري
بعد دفعه نحو 2000 دولار أمريكي وحصوله على “بطاقة تاجر” تخوله الدخول إلى تركيا، تفاجأ إبراهيم، وهو تاجر من ريف إدلب، بمنع السلطات التركية له إدخال حقيبة كان يحملها تحتوي على “هدايا”، في أثناء عبوره الجانب التركي من معبر “باب السلامة”.
ضمت الحقيبة ملابس وعدة زجاجات عطر كان إبراهيم (طلب عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية) يحملها لعائلته المقيمة في تركيا، أي لم تكن سلعًا يدخلها بهدف التجارة، بحسب ما قاله لعنب بلدي، ومع ذلك طلب منه موظف الحدود التركي التخلص منها.
ولكن بعد محاولات عديدة، استطاع إبراهيم إقناع الموظف بأن ما حملته حقيبته عبارة عن “هدايا” وليس بضاعة تجارية، ليتساءل عن أسباب منع تركيا التجار السوريين من إدخال ما يريدونه، من مواد أو سلع غير ممنوعة، عبر الحدود بصفة تجارية أو مدنية.
يثير الموقف الذي تعرض له التاجر السوري على الجانب التركي من الحدود التساؤلات حول الآلية المتبعة في تنظيم التبادل التجاري، والآليات الاقتصادية بين تركيا ومناطق الشمال.
تسلّط عنب بلدي في هذا الملف الضوء على الإسهام الاقتصادي التركي في مناطق الشمال السوري، وتناقش العائد الاقتصادي من ذلك على كلا الجانبين.
ما آلية الاستيراد والتصدير؟
“بطاقة تاجر” تحكم التبادل التجاري بين تركيا والشمال السوري
“إخراج البضائع من مناطق الشمال السوري إلى تركيا أمر صعب جدًا وضيّق، واعتماد التجار في عملهم يكون في الغالب على إدخال البضائع من تركيا وليس العكس”، بحسب ما قاله التاجر إبراهيم، و”بطاقة التاجر” وُجدت على أساس “إدخال البضائع إلى الشمال من تركيا، لا العكس”.
وأشار التاجر إلى أن التجار يستطيعون فقط إدخال مواد كالملابس والشاي، والدخان الذي تعد أسعاره في الشمال السوري أرخص من أسعاره في تركيا، بالإضافة إلى أجهزة الهاتف الجوال، التي مُنعت لاحقًا، إلى الأراضي التركية.
دفع إبراهيم مبلغًا قدره 2150 دولارًا أمريكيًا لاستخراج “إذن تجاري”، 2000 دولار منها دُفعت للجانب التركي، و150 دولارًا رسوم استصدار سجل تجاري من غرفة التجارة في مدينة اعزاز، شمال غربي مدينة حلب، مع تجديد سنوي بقيمة 1500 دولار.
“الإذن التجاري”
تُنظم غرف التجارة المنتشرة في مناطق الشمال السوري آلية الحصول على “الإذن التجاري” أو “بطاقة التاجر”.
و”بطاقة التاجر” ليست بطاقة بمعناها الحرفي، وإنما هي “إذن تجاري” يسمح، بعد موافقة السلطات التركية على منحه، لحامله بالعبور إلى تركيا والتسوّق منها وإدخال البضائع إلى مناطق الشمال.
ويُشترط للحصول على “الإذن التجاري” وجود ترخيص مزاولة مهنة صادر عن المجلس المحلي، ووجود عمل تجاري يتم الترخيص على أساسه، ويُمنح التاجر سجلًا تجاريًا بعد الحصول على الرخصة، بحسب رئيس غرفة الصناعة والتجارة في مدينة الباب، زين العابدين درويش.
وبعد استيفاء هذه الشروط، يقدم التاجر طلب انتساب ليكسب صفة عضوية غرفة التجارة، ويصبح عضوًا فيها، وعلى أساس ذلك يقدم المجلس طلب إذن للسلطات التركية إما لمدة ستة أشهر برسم قيمته ألف دولار، وإما لمدة سنة برسم قيمته 2000 دولار أمريكي، بحسب ما شرحه درويش لعنب بلدي.
تقدم غرفة التجارة بدورها البيانات إلى تركيا وتدفع الرسوم لها، وتمنح الأخيرة الإذن التجاري للتجار السوريين لممارسة أعمالهم التجارية.
تجارة حرة في الشمال
أكد درويش عدم وجود أي مشكلات في التجارة الخارجية بين الشمال السوري وتركيا، مشيرًا إلى إمكانية التبادل التجاري بينهما، وإمكانية عبور البضائع المصدّرة من الشمال عبر تركيا إلى العراق أو دول الخليج، مع منع استيراد كل البضائع “الأمنية” أو المواد الكيماوية إلى مناطق الشمال.
وقال إن تركيا تطلب استيراد بضائع محددة عند حاجتها إليها، “أما إذا كان لديها فائض، ماذا ستسورد من الشمال؟”.
وأضاف درويش أن المتقدمين يعتقدون أنهم بمجرد دفعهم ألف دولار أمريكي يصبح بمقدورهم الحصول على الإذن التجاري، مؤكدًا أن الإذن أساسه متابعة الأعمال التجارية داخل تركيا، سواء إدخال البضائع منها إلى سوريا أو العكس، ويمنح للأشخاص بصفتهم تجارًا لا أشخاصًا عاديين، ولا يُمنح “للسياحة” في تركيا.
وتُعتمد سياسة التجارة الحرة في مناطق الشمال الغربي السوري، وتنظمها شروط للتبادل التجاري، بحسب وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري.
والتجارة الحرة، هي سياسة بيع وشراء دون قيود، ولا تمنع الدولة التي تتبعها مواطنيها من بيع السلع المنتجة في بلاد أخرى.
ويتبع هذا النمط من التجارة إلى “نظام الحماية”، وهي سياسة حماية الصناعات المحلية من المنافسة الخارجية عن طريق فرض تعرفة جمركية أو ضرائب معيّنة على السلع الأجنبية، وعن طريق تحديد كميات السلع المستوردة إلى البلاد. |
نفى المصري، في حديث إلى عنب بلدي، وجود اتفاقيات تجارية موقّعة بين الحكومة والسلطات التركية، مشيرًا إلى وجود اتفاقيات بين تركيا والتجار السوريين.
وقال إن دخول جميع المواد من تركيا مسموح مع وجود بعض الاستثناءات، كما يُسمح بتصدير جميع المواد باتجاه تركيا، باستثناء بعض المواد التي لها “وضع خاص”، أو التي تمنع تركيا استيرادها بشكل طبيعي لحماية صناعاتها، ليس فقط من الشمال السوري وإنما من جميع دول العالم.
ولا تُدفع رسوم جمركية إطلاقًا على المواد التي تُصدر من سوريا إلى تركيا أو عبر تركيا إلى مناطق أخرى، بحسب ما أضافه الوزير، إذ اتُفق على الرسوم من خلال لجنة مشتركة، بطريقة لا تؤثر على المنتجين والمستهلكين.
تركيا تشتري المحاصيل الزراعية
يشمل التصدير من مناطق الشمال السوري إلى الأسواق التركية، بحسب المصري، مواد كزيت الزيتون وفائض القمح والشعير والقطن والذرة والبطاطا، وهي مواد تدخل إلى تركيا بشكل مباشر وتُباع في أسواقها.
وكانت البداية بإعادة فتح ثلاثة معابر بين تركيا وريف حلب على مدار سنتين، لتبادر تركيا إلى شراء محصول البطاطا من الفلاحين بشكل كامل عام 2018، لمساعدتهم على التسويق، ولسد جزء من النقص الذي تعاني منه، ما يخفض الأسعار في أسواقها المحلية.
وافتتح معبر “باب السلامة” في 2016، ومعبر “جرابلس” في أيلول 2016، ومعبر “الراعي” الذي افتتح رسميًا في كانون الأول 2017، ليكون أوّل معبر مدني تجاري مع تركيا شمال حلب.
وانطلاقًا من محاصيل البطاطا، تُرك اختيار تصدير بقية المحاصيل الزراعية بحسب أسعارها في سوق المنطقة للفلاحين ونيتهم بيعها إلى الجانب التركي بالأسعار المحددة مسبقًا.
وتشتري تركيا الحبوب من الفلاحين السوريين عن طريق مكتب المحاصيل الزراعية (TMO) التابع لوزارة الزراعة التركية، الذي يُعد المسؤول عن دفع أموال المحاصيل لهم.
وتتيح المجالس المحلية للمزارعين الحصول على حساب مصرفي في مؤسسة البريد والشحن التركية (PTT) لتمكنهم من تسلّم ثمن محاصيلهم الزراعية.
وتمنح المجالس المحلية “شهادة منشأ” للمحاصيل مصدقة منها، وتشترط تحديد الفلاحين للمقدار المُراد بيعه من المحصول، وهوية شخصية صادرة عن المجلس، وبطاقة حساب مصرفي من “PTT”.
وأوضح وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، أن الاتفاق مع الجانب التركي فيما يخص القمح، ينص على شراء تركيا لـ”الفائض” منه فقط.
وأعفت تركيا محاصيل الحبوب من رسم الدخول إلى أراضيها في الفترة الأخيرة، بحسب المصري، وذلك لتحسين الأسعار عند الفلاحين في مناطق الشمال السوري.
فإذا لم يبع الفلاح محصوله لن يستطيع البيع في السنة المقبلة، ويسد ذلك احتياجات السوق التركية، بحسب المصري، وبالتالي فهي منفعة متبادلة للطرفين، “ولا توجد منفعة من طرف واحد فقط”.
ويرى الوزير أن فوائد التجارة الخارجية لا تقتصر على تركيا فقط، والكل مستفيد، واستدل على ذلك بوجود المواد كافة في أسواق الشمال السوري، 90% منها قادم عن طريق تركيا، إما سلع من أراضيها مباشرة وإما مواد تأتي “ترانزيت” (عبور) من دول أخرى عن طريقها، كالمواد النفطية، وهي حالة لا تستفيد منها تركيا أبدًا، لأنها لا تُحصّل رسومًا من مواد العبور.
مؤسسة مالية حكومية تركية على أراضٍ سورية
بعد سيطرة فصائل المعارضة السورية على ريف حلب الغربي ومدينتي تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سوريا بدعم من تركيا، بدأت المجالس المحلية بإعادة تأهيل المنطقة على عدة أصعدة، أبرزها الصعيد الاقتصادي والخدمي بإشراف وتمويل تركي.
وبُعيد انتهاء العملية العسكرية التي أطلقتها فصائل المعارضة السورية العسكرية في مدن جرابلس والباب واعزاز، بإدارة تركية تحت مسمى “درع الفرات”، لطرد تنظيم “الدولة” منها، افتتحت تركيا فرعها الأول لمؤسسة البريد والشحن التركية، المعروفة اختصارًا بـ”PTT”، في مدينة جرابلس شمال شرقي حلب.
وعملت تركيا بعد ذلك على إنشاء فروع أخرى للمؤسسة، وإمداد مناطق في ريف حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية بدعم منها، ومدينتي تل أبيض ورأس العين، تباعًا بصرافات آلية (ATM) تابعة للمؤسسة.
ويشمل التعامل بموجب “PTT” في الشمال السوري التعاملات الخاصة بالمحاصيل الزراعية التي تُسوّق من المنطقة إلى تركيا، إذ يُعتبر الحساب البنكي في المؤسسة شرطًا أساسيًا لتسلّم ثمن موسم القمح والشعير بعد التسويق.
وكانت السلطات التركية أجبرت المنظمات العاملة في ريف حلب، المحلية والأجنبية، على تحويل الأموال إلى الداخل السوري عبر أفرع البريد الموجودة في سوريا.
ويُشكّل وجود بعض أجهزة الدولة التركية، كمؤسسة البريد التي تعمل كنظام مصرفي في الشمال السوري في ظل غياب المصارف، “شريان حيان” أو بديلًا للمؤسسات المصرفية، بحسب ما قاله الباحث والأكاديمي الاقتصادي فراس شعبو لعنب بلدي.
وتعتمد كثير من المنظمات العاملة في تركيا على تلك المؤسسة في إدخال الأموال إلى الشمال السوري، كما يعتمدها التجار في التحويلات المالية بشكل سليم وآمن.
وإلى جانب البريد التركي، فرضت العديد من الشركات التركية الخاصة نفسها في ريف حلب الشمالي، ودخلت في مشاريع خدمية موجهة للسكان، كشركة “AK ENERGY” التي تمد المنطقة بالكهرباء، بعد توقيع عقود مع المجالس المحلية في مناطق سيطرة المعارضة السورية.
الخدمات التي تقدمها مراكز “PTT” في الشمال السوري
· تسليم معاشات الموظفين من معلمين وشرطة وموظفي مجالس وأطباء وخطباء، من خلال بطاقات مصرفية. · فتح حسابات شخصية بنكية، بالليرة التركية أو الدولار الأمريكي، يمكن للمواطن إيداع أمواله فيها أو سحب المبالغ المودعة في أي وقت. · حوالات نقدية من وإلى جميع المحافظات التركية، وتنقسم إلى قسمين، حوالات اسمية تتم بين أي شخصين دون الحاجة إلى فتح حساب، وحوالات تتم بين الحسابات الشخصية في “PTT” بأجور رمزية. · حوالات خارجية من وإلى جميع دول العالم عن طريق شركة وحيدة هي “UPT”. · تصريف عملات من الليرة التركية إلى الدولار الأمريكي واليورو وبالعكس. · خدمة الشحن عبر بعض المراكز من وإلى المحافظات التركية. |
الليرة التركية في سلة عملات متداولة
هل تستفيد تركيا من طرح عملتها للتداول في الشمال؟
مع بدء تدهور الليرة السورية مجددًا في حزيران 2020، بدأت السلطات المحلية في ريف حلب ومدينة إدلب (الحكومة السورية المؤقتة وحكومة الإنقاذ) بالبحث عن بدائل لحل مشكلة التضخم وارتفاع الأسعار.
واعتمدت كلتا الحكومتين تداول الليرة التركية في المناطق التابعة لها إلى جانب تداول الدولار الأمريكي والليرة السورية، حتى اعتمدتها “الإنقاذ” بشكل كامل مع منع تداول الليرة السورية، على عكس “المؤقتة” التي تسمح بتداول الليرة السورية حتى وقت إعداد التقرير.
وبعدما يقارب تسعة أشهر من ضخ تركيا عملتها الوطنية للتداول في الشمال السوري، لم تفلح هذه الخطوة في حل مشكلة ارتفاع الأسعار في أسواقه، وأربك استخدامها السكان لوجودها مع عملتين أخريين.
أما على صعيد الاقتصاد التركي، فمن الممكن أنه حقق بعض الفوائد من انتشار الليرة التركية في الشمال السوري، إلا أنها فوائد ضئيلة للغاية، بحسب الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر.
فالاقتصاد التركي كبير جدًا مقارنة بنظيره في الشمال السوري، وتركيا إحدى دول “مجموعة العشرين”، كما أن سياستها الاقتصادية تتجه نحو بناء علاقات مع دول كبرى كألمانيا والصين وغيرهما، لذلك يتضاءل دور اقتصاد الشمال السوري أمام التركي.
ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي التركي، وفقًا لبيانات البنك الدولي، 750 مليار دولار، وعلى الرغم من عدم وجود بيانات رسمية حول ناتج الشمال السوري، فإن من غير المتوقع أن يتجاوز عدة ملايين من الدولارات، لذلك هو “زهيد” للغاية أمام التركي، ولا مصلحة اقتصادية حقيقية لتركيا من عقد شراكة معه، فالمصلحة تميل وبشكل كبير لمصلحة الشمال السوري، وفقًا لما قاله الباحث في حديثه إلى عنب بلدي.
وأضاف السيد عمر أن انتشار الليرة التركية في الشمال السوري قد يقلل من عرضها في السوق التركية، وهذا ما يدعم قيمة الليرة التركية، ولكن هذا الدعم منخفض للغاية، ويكاد يكون غير محسوس، فصغر حجم اقتصاد الشمال السوري يجعل حاجته إلى كميات منخفضة من الليرة التركية، ولا يمكن التعويل عليه لناحية تقليل معروضها.
كما يسهم انتشار الليرة التركية في الشمال السوري بتسهيل عملية انتقال المنتجات التركية إليه، الأمر الذي يدعم التجارة التركية الخارجية، وكما هي الحال في النقاط السابقة، لا يمكن التعويل على هذا الدعم، فتركيا لديها أسواق خارجية تصدّر إليها بضائع بمليارات الدولارات، فلن تعوّل على سوق تحتاج إلى بضعة ملايين.
وأشار الباحث إلى أنه لا يمكن إغفال الأثر الإيجابي لتداول الليرة التركية على الاقتصاد التركي، إلا أنه أثر ضئيل، بينما الأثر الإيجابي الأكبر كان من نصيب الشمال السوري الذي استفاد من الاستقرار النسبي لليرة التركية وحاليًا من تحسنها، كما استفاد لناحية سهولة تدفق البضائع من تركيا بما يغطي حاجة السوق المحلية.
وبلغ سعر مبيع الليرة التركية 476 ليرة سورية، وسعر شرائها 469 ليرة سورية، في 26 من شباط الحالي، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار صرف الليرة السورية والعملات الأجنبية.
منفعة اقتصادية متبادلة
الشمال السوري الحلقة الأضعف فيها
فراس شعبو- باحث وأكاديمي اقتصادي
تُعتبر تركيا المنفذ الوحيد الذي تدخل منه البضائع ويجري التصدير عن طريقه من الشمال إلى المناطق الأخرى، مع وجود بعض المنافذ مع مناطق النظام السوري أو مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، غير الفاعلة بشكل كبير وغير المؤثرة.
ويُعد غياب مؤسسات تُنظم الأعمال أو تُنشئ اقتصادًا في الشمال السوري، أو تتحكم على الصعيد المالي أو الاقتصادي أو التجاري أو الصناعي أو حتى الزراعي، المشكلة الأبرز في اقتصاد الشمال السوري، و جميع الموجود عبارة عن بعض البلديات أو المجالس المحلية بأحسن الأحوال.
وتُعد الوزارات والمؤسسات الموجودة في الشمال السوري “مكاتب ليس أكثر، وأسماء أكبر من حجمها” كقيمة مضافة للوضع في الشمال السوري، ولذلك ضخت تركيا حجمًا هائلًا من العملة، وأسهمت في بناء بنية تحتية أو بنية هيكلية، لتنمية الاقتصاد في الشمال السوري نوعًا ما.
ومن مصلحة تركيا أن تنظم الأمور في المناطق التي تشرف عليها حتى يكون هناك نوع من الاستقرار الأمني والاقتصادي، يهيئ بيئة جيدة للتخفيف من حدة الهجرة والاحتقان باتجاه أراضيها.
وضخ الليرة التركية في مناطق الشمال السوري مسألة مبالغ بها، لأن الليرة السورية ما زالت قيد التداول، وهي العملة الأضعف، والجميع يحاول التخلص منها، مع وجود “دولرة” بشكل كبير، فالليرة التركية موجودة كعملة ثانية يتم تداولها بعد الدولار، مع وجود مشكلة عدم توفر الفئات الصغيرة منها، وهو ما يشكل عائقًا تجاه تداولها.
“الدولرة”، استبدال العملة الأجنبية بالعملة المحلية، أي أن يستخدم مواطنو بلد ما العملة الأجنبية، ومنها الدولار، بالتوازي مع العملة المحلية أو عوضًا عنها للحفاظ على قيمة أموالهم، أو وسيلة للدفع والتعاملات داخل الاقتصاد المحلي.
ويلجأ المواطنون لاستخدام الدولار في التعاملات المالية وفي عمليات الادخار عبر استبدال عملة أخرى عالمية ثابتة القيمة بالعملة المحلية، عندما تتهاوى الأخيرة ويفقد المواطنون الثقة فيها بسبب تدهور قدرتها الشرائية أمام الدولار وسلة العملات الرئيسة. |
وتسعى تركيا للاستفادة من الوفورات في الشمال السوري، وتحاول تبادل تلك الوفورات مع مده بما يمكنها من البضائع، ما يعني أنها مصلحة متبادلة.
ويدرك الطرفان أنها مصلحة تبادلية، ولكن الطرف الأضعف في هذه العلاقة هو الجانب السوري، بحكم أن تركيا تفرض شروطها وتتحكم بالمعابر، وهي تستطيع تحديد نوع البضائع التي تخرج والتي تدخل، وبالتالي هي تتحكم فعليًا باقتصاد الشمال.
ويأتي ذلك لأن علاقة “المحرر” بمعابر النظام السوري و”الإدارة الذاتية” ليست سويّة نوعًا ما، ما يمنع حصول المعارضة على احتياجاتها كافة من تلك المناطق، وذلك لأن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام و”الإدارة الذاتية” تعاني من بعض النقص في الكثير من المواد، ولذلك يتم الرضوخ لشروط تركيا بشكل كامل بما يخص المواضيع الاقتصادية والتجارية والصناعية.
ولا توجد اليوم شركات أو بنى تحتية أو إنتاج صناعي كبير في مناطق الشمال يمكن الاعتماد عليه، وبأحسن الأحوال هو إنتاج زراعي، أو منتجات بسيطة ليست بذلك الحجم أو الزخم، وهي عبارة عن بعض المهن أو بعض الصناعات اليدوية، ومن الممكن أن تكون صناعات نصف متطورة، لذلك فإن الاستفادة لتركيا ليست كما يشاع.
والاقتصاد التركي أكبر من هذه البقعة الجغرافية التي تسيطر عليها ومدى قدرة هذه البقعة على النهوض بالاقتصاد التركي أو رفده بموارد كبيرة.
وتشكل هذه البقعة أسواق تصريف للبضائع التركية ليس إلا، ولا يمكن القول إن الاقتصاد التركي سوف ينتعش منها، لكنها تسهم بشكل أو بآخر برفد الخزينة التركية ببعض الموارد، وتحل مشكلة السكان في تلك المناطق.
وهي علاقة تبادلية لتصريف بعض السلع التي في الغالب هي سلع غذائية، واستيراد تركيا بعض السلع التي تحتاج إليها، وإذا استمر الأمر على ذلك النحو لفترات طويلة ولم يتدخل المسؤولون، سنصل إلى مرحلة الاعتماد المطلق على تركيا دون إيجاد حلول بديلة، وهذه ستكون كارثة تؤدي إلى مستويات بطالة مرتفعة وتبعية اقتصادية بالمطلق.