عناصر “تسويات” درعا يخشون المستقبل في “الفرقة الرابعة”

  • 2021/02/28
  • 10:38 ص

مقاتل من المعارضة على جبهة القتال في درعا - 2018 (AFP)

درعا – حليم محمد

قضى مهند 11 عامًا في خدمته العسكرية، بداية مع التجنيد عام 2010 في صفوف الجيش السوري، الذي انشق عنه منتصف عام 2012، وانضم إلى قوات المعارضة السورية في ريف درعا الغربي، ثم وجد نفسه “مضطرًا” للخدمة في صفوف “الفرقة الرابعة”، منذ أن سيطرت قوات النظام على المحافظة الجنوبية، منتصف عام 2018.

“مللتُ الحياة العسكرية، متى أعود إلى حياتي المدنية دون سلاح أو ارتباط بنوبة حرس”، قال الشاب الثلاثيني مهند، الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لعنب بلدي لاعتبارات أمنية، بعد أن تزوج وصار لديه طفلان، مختارًا الانضمام إلى عناصر “الفرقة الرابعة” بدل التهجير أو الالتحاق بالخدمة النظامية عبر شعبة التجنيد، الذي يهدد بفرزه خارج محافظة درعا.

وفي غرفة مسبقة الصنع، أمامها براميل وسواتر ترابية، يقضي مهند وقته في الحراسة، “بعد التسوية وُضعتُ أمام ثلاثة خيارات، إما تسليم نفسي لقوات النظام السوري لأعود إلى خدمتي النظامية، وإما متابعة انشقاقي وهذا يعرضني للاعتقال في أي لحظة ويحرمني حرية المرور ضمن مناطق درعا، وإما الخدمة في (الفرقة الرابعة) ضمن درعا، واخترتُ الخيار الأخير رغم صعوبته النفسية”، حسبما قال.

المشكلة الأولى التي تمثلها الخدمة في صفوف “الفرقة الرابعة” بالنسبة لمهند وغيره من شباب “التسوية” الذين التقت بهم عنب بلدي في درعا، هي غياب الأفق بنهايتها، والخشية من عدم اعتبارها بديلًا عن الخدمة العسكرية الإلزامية رغم الوعود، بينما تعد الاستهدافات الأمنية ونقص الحوافز المادية مشكلات راهنة يحاولون التعامل معها يومًا تلو آخر.

ماذا تعني الخدمة بـ”الفرقة الرابعة”

بعد سيطرة النظام على المنطقة الجنوبية، قبل عامين ونصف، شكّلت قوات “الفرقة الرابعة”، التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مجموعات بقيادة قادة سابقين في “الجيش الحر”، وقادة مدنيين لم يكونوا من ضمن تشكيلات فصائل المعارضة.

وقدمت “الفرقة” إغراءات للشباب الذين قبلوا بـ”التسوية” التي ضمنتها روسيا بعد تسليمهم أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة، تمثلت بضمان الخدمة في محافظة درعا، ووعود باحتساب المدة التي يقضيها العنصر من فترة خدمته الإلزامية، إضافة إلى “تسوية” أوضاع المنشقين، مشترطة تسليم قطعة سلاح خفيف فقط لكل عنصر يرغب بالانضمام إلى صفوفها.

وقال مهند، إنه سلّم في بداية تسجيله بـ”الفرقة الرابعة” قطعة سلاح، وحصل على بطاقة تخوله المرور على الحواجز دون مخاطر التوقيف.

وأحدثت “الفرقة الرابعة” مركزي “دورات أغرار”، الأول في معسكر “طلائع زيزون”، والثاني في مركز “صاعقة المزيريب” بريف درعا الغربي.

بالنسبة للشاب محمد علي، الذي كان متخلفًا عن الخدمة العسكرية خلال سنوات الحرب، كان أفضل ما قدمته “الفرقة الرابعة” هو ضمان الخدمة في درعا، “تخوفتُ في حال الالتحاق بشكل نظامي من الزج في معارك لا ناقة لي فيها ولا جمل”، حسبما قال لعنب بلدي، مضيفًا أن دوره الآن يتمثل بنوبات الحراسة في المنطقة ذاتها التي كان منضمًا فيها إلى فصائل المعارضة.

وتخضع الخدمة الإلزامية لعناصر “التسوية” لأنظمة الخدمة الخاصة بالجيش السوري، ويرفض محمد، البالغ من العمر 26 عامًا، الزواج حتى ينهي خدمته العسكرية، ويعمل بأعمال المياومة الزراعية في الأيام التي لا يرتبط فيها بدوام عسكري بمقرات “الفرقة”.

ويتقاضى عناصر “التسويات” رواتب شهرية تختلف باختلاف نوع الخدمة والرتبة العسكرية،
ورصدت عنب بلدي قيمة رواتب المجندين والاحتفاظ والاحتياط والعقود المدنية، إذ يقبض المجند 27 ألف ليرة (7.7 دولار)، وعندما يدخل في مرحلة الاحتفاظ يصل راتبه إلى 65 ألفًا (18.5 دولار)، بما يساوي راتب العسكري الذي ينفذ الخدمة الاحتياطية، في حين يبلغ راتب المتعاقد المدني مع “الفرقة الرابعة” 50 ألف ليرة (14.2 دولار).

مخاطر لم تكن ضمن الاتفاقات

مع تمكّن قوات النظام السوري من السيطرة على المنطقة الجنوبية، الغوطة الشرقية ودرعا والقنيطرة، عام 2018، استمرت معاركه على جبهات أرياف حماة وإدلب وحلب، وفي حين كان عرض الخدمة في محافظة درعا يعني الأمان من المعارك، لكنه لم يخلُ من مخاطر الاستهداف المباشر وتنافس القوى التي تتنازع السيطرة في المنطقة.

تجاذب “اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس”، المدعوم روسيًا، و”الفرقة الرابعة”، الموالية لإيران، عناصر “التسويات” في درعا، بالإضافة إلى بعض التشكيلات الأمنية كـ”الأمن العسكري”، و”أمن الدولة”، و”المخابرات الجوية”.

إذ انتشرت مجموعات “اللواء الثامن” في ريف درعا الشرقي ومعقلها مدينة بصرى، بقيادة أحمد العودة، قائد فرقة “شباب السنة” سابقًا، وجرت مفاوضات عام 2018، من قبل الشرطة العسكرية الروسية، مع قادة سابقين بريف درعا الغربي، للانضمام إلى “الفيلق الخامس”، بشرط موافقة الفصائل على الذهاب إلى الشمال السوري والقتال إلى جانب النظام، الأمر الذي رفضه قادة المنطقة الغربية، ونتيجة تعثر الاتفاق، انتشرت سيطرة “الفرقة الرابعة” على المنطقة الغربية.

ولكن بعد تشكيل مجموعات “التسوية”، تعرضت نقاطها العسكرية لهجمات متعددة، نُسبت إلى “مجهولين”، مثل محاولات تفجير العبوات الناسفة، أو حتى إطلاق القذائف.

إذ استهدف “مجهولون”، في 7 من شباط الحالي، نقطة عسكرية تابعة لـ”الفرقة الرابعة” بقذيفة “آر بي جي” داخل مشتل “نهج الزراعي” بريف درعا الغربي، وأُصيب إثر ذلك عنصر بجروح.

وسبقه استهداف، في 3 من شباط الحالي، لمقر “تسوية” يتبع لـ”الفرقة” في بلدة المزيريب، أسفر عن إصابة عنصر بجروح، وفي 31 من كانون الأول 2020، قُتل المقدم فداء محفوظ وبرفقته خمسة عناصر “تسوية” في بلدة سحم بريف درعا الغربي، بعد استهداف السيارة التي كانت تقلهم من قبل “مجهولين”.

وفي تموز من عام 2019، انفجرت عبوة ناسفة على طريق اليادودة- درعا في باص مبيت يتبع لـ”الفرقة الرابعة”، ما أسفر عن مقتل خمسة عناصر بينهم ضباط.

“أتخوف من استهداف الحاجز في أثناء نوبة حراستي، فالحوادث التي استهدفت عناصر التسويات مرعبة”، قال مهند، مشيرًا إلى أن أكثر العناصر يخشون من الاغتيالات المجهولة.

خيار الانضمام إلى “الفرقة الرابعة” لم يكن مطروحًا لدى شباب آخرين ممن انشقوا عن صفوف الجيش السوري خلال الحرب، “إغراءات النظام كانت بطاقة أمنية أُشهرها عند مروري من حواجز النظام السوري، ولكنني فضلتُ عدم الالتحاق بـ(الفرقة الرابعة) لاعتبارات مبدئية، وهي قناعتي بعدم الخدمة بصفوف من ارتكب  مجازر بحق أهلنا في سوريا، ولن أكون جنديًا في صفوفه يومًا ما”، قال خالد، الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لعنب بلدي.

ورغم اضطرار خالد للالتزم بالمنطقة الغربية، وعدم قدرته على التجول في المحافظة، وخسارته القدرة على إتمام دراسته الجامعية، كما فعل عدد من الشباب الذين تمكنوا من ذلك بعد قبولهم بـ”التسوية”، فإنه متمسك بقراره، مضيفًا أن أغلب من انضموا إلى “الفرقة الرابعة” لا يحملون عقيدتها ولا أهدافها في الدفاع عن النظام، ولا مصالح إيران، ولكن منهم من خاف من سيطرة فعلية لقوات النظام على الأرض ومنهم من خشي الاعتقال.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع