سلاح المدنيين في إدلب.. حق مضمون لا يخلو من الخطر
إدلب – يوسف غريبي
“يا ريت تموت أمل قبل ما موت”، قالت ابتسام مشيرة إلى طفلتها ذات الأعوام الخمسة، التي تتكفل برعايتها والعناية بها منذ أن تلقت رصاصة طائشة تركتها عاجزة عن الإحساس والتحكم بقدميها، اللتين كانت أتقنت المشي عليهما توًا.
بأقل من دقيقة بعد سماع دوي الرصاص الآتي من العرس البعيد سقطت أمل أرضًا، وحاولت والدتها رفعها لتقف على قدميها لكنها لم تستطع، حسبما قالت ابتسام علي باشا وهي تتحدث بصعوبة عن ذكرى يوم إصابة ابنتها قبل سنتين لعنب بلدي.
تغيرت حياة العائلة بأكملها، وتغيرت خطط الأم وتصوّرها لمستقبل ابنتها الكبرى، إذ أصبحت فكرة تركها تحيا بلا رعاية مناسبة مخيفة أكثر من الموت، وحين يسمع صوت الرصاص الطائش “كعادته” في إدلب، في شمال غربي سوريا، “آخد أطفالي وأركض للداخل، وأمل تبكي وتضرب نفسها وتقول لي (أمي في عرس الله لا يوفقهن)”.
لم تلجأ العائلة إلى القضاء ولا لمحاولة المحاسبة، حسبما قالت ابتسام، مع إيمانها أن لا فائدة ترجى من ذلك، ولا نتيجة سوى المعاناة بين أروقة “حكومة” تصدر قوانين لا أثر يذكر لها على الأرض.
السلاح مباح في الحرب
في شمال غربي سوريا، بقي الجيب الأخير لفصائل المعارضة الذي يواجه حربًا من النظام السوري وقواته الحليفة بشكل مباشر، وفي إدلب التي تسيطر عليها هيئة “تحرير الشام”، تهيمن حكومة “الإنقاذ” على مفاصل الإدارة المدنية، مصدرة قوانين لا ضير في اختراقها حسب الضرورة.
تشهد المنطقة “حالة حرب”، حسبما قال وزير الداخلية في حكومة “الإنقاذ”، أحمد لطوف، لعنب بلدي، ولا بد من وجود السلاح بين المدنيين، حسب رأيه، مشيرًا إلى أن السلاح يحمل منافع وأضرارًا معًا.
ارتكاب الجرائم الجنائية من أضرار حمل السلاح، ولكن نسبة من يفعل ذلك تعد “ضئيلة” في المجتمع، حسب رأي لطوف، وأما منافعه فهي ما يقدمه من حماية لـ”النفس والعرض والمال”.
وأضاف لطوف أن حمل السلاح بأيدي المدنيين ليس جديدًا بل هو موجود في كل المجتمعات حول العالم، إذ يوجد السلاح لكن لفئات معيّنة من المجتمع، أما ممارساتها المرفوضة، مثل ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي في الأفراح والأعياد، فـ”تعتبر شبه انقضى عليها في المنطقة”، بسبب الإجراءات الإدارية، على حد تعبيره.
وسبق أن أصدرت وزارة الداخلية في “الحكومة” تعميمًا، في 12 من أيار عام 2018، يمنع إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس والمناسبات، لكن لم يلتزم به أحد، ولم ينفذ القرار بشكل فعلي، ولا تزال حالات إطلاق الرصاص منتشرة في أغلب مدن وبلدات محافظة إدلب.
ورصدت عنب بلدي، عبر مراسليها في محافظة إدلب، حادثتي إطلاق رصاص عشوائي في مدينة سرمدا على الحدود السورية- التركية، في 22 من تشرين الأول 2020، وكانت الأولى في أثناء أحد الأفراح، ورافقها اشتباك بين مجهولين في المدينة.
السلاح بيد مَن؟
بيع السلاح “ليس عملية عشوائية”، حسبما قال “أبو أحمد الحموي”، أحد أصحاب محال السلاح في مدينة إدلب، الذي تحفظ على ذكر اسمه، لعنب بلدي، مشيرًا إلى وجود سجلات بيع وشراء، ورفض بيع السلاح للأعمار الصغيرة، مع وجود كاميرات مراقبة تكشف عمليات البيع.
وأكد “أبو أحمد” وجود إقبال على شراء السلاح الفردي من قبل المدنيين، مثل “الروسية والمسدسات والذخائر”. وبرأيه فإن وجود السلاح في الأسواق المدنية “مرفوض”، ويجب أن يكون مقتصرًا على أماكن معيّنة.
ويعتبر “أبو أحمد” قرار حكومة “الإنقاذ” “مجحفًا” بحق أصحاب محال السلاح، ويؤثر على رزق الكثير من العوائل إن كانوا تجارًا أو من يدعمونهم ماليًا للاستفادة بهدف الربح، والحل حسبما يرى هو بملاحقة المواد المتوقع انفجارها ومنعها في الأسواق.
واستطلعت عنب بلدي آراء بعض السكان في مدينة إدلب حول وجود السلاح بيد المدنيين، وأجمعت الآراء على أن السلاح لا يخلو من الإيجابيات، مع وجود “استهتار” وقلة وعي لدى المجتمع.
وقال الشاب معاوية آغا، إن موضوع انتشار السلاح من إيجابياته سماحه للشخص بالدفاع عن نفسه، ويسبب بذات الوقت انتشاره بين المدنيين مشكلات كثيرة، “أي شخص يتشاجر مع آخر بيسحب عليه سلاح بيقتله أو بهدده”.
ويرى معاوية أن الحل هو الرادع لدى الإنسان وتوعية المجتمع وانضباطه، وعدم انتشار السلاح بين الأطفال، مطالبًا السلطات المحلية والأهالي بالتوعية، ومشيرًا إلى أن انتهاء الظاهرة تكون عند “إسقاط النظام” وانتهاء الحرب.
من جهته، قال صادق شحود، أحد سكان مدينة إدلب، إن ظاهرة انتشار السلاح في أيدي المدنيين “خطيرة”، وكانت مصدرًا للمعاناة في السنوات الأخيرة، وخاصة في المخيمات، حسب رأيه، مع استخدام السلاح من قبل أشخاص غير مسؤولين.
ومع غياب الإحصائيات الدقيقة عن أعداد المتضررين بالرصاص العشوائي، من المدنيين أو المنتمين إلى فصائل عسكرية، رصدت عنب بلدي بعض التسجيلات المصوّرة لمشاجرات في مناطق مختلفة بمحافظة إدلب تسببت بمقتل وإصابة مدنيين.
إذ سقط ضحايا مدنيون نتيجة شجار في مخيم “الكويتي” بريف إدلب الشمالي، تضمن استخدام قنبلة يدوية، تلاه إطلاق رصاص عشوائي في مدينة سلقين إثر مشاجرة بين أهالي مدينتي معرة النعمان وسلقين.
أين الجهود الحكومية؟
أصدرت حكومة “الإنقاذ” المسيطرة على الإدارة المدنية في محافظة إدلب، في 25 من كانون الثاني الماضي، قرارًا بإغلاق جميع محال بيع السلاح في المناطق المحررة وتجميد رخصها.
ونشرت “وكالة أنباء الشام” التابعة لحكومة “الإنقاذ”، بعد انتهاء المهلة الممنوحة للتنفيذ، في 15 من شباط الحالي، صورًا توضح انتشار عناصر الشرطة في مناطق مختلفة بإدلب، للتأكد من إغلاق محال بيع السلاح وتنفيذ القرار.
لكن صاحب محل لبيع السلاح في مدينة إدلب، فضل عدم ذكر اسمه، قال لعنب بلدي، إن “الحكومة” لم تطبق قرار إغلاق محال السلاح، وهناك مرحلة ثانية خلال الأيام المقبلة للتفاهم مع أصحاب المحال والسماح لهم بالإبقاء على محالهم وفق شروط.
وفرضت حكومة “الإنقاذ”، في 27 من آب 2018، رخصًا على محال بيع وتخزين السلاح، بعد انفجار مستودع للذخيرة في سرمدا قُتل إثره 67 مدنيًا.
وقال وزير الداخلية في حكومة “الإنقاذ، أحمد لطوف، إن سبب قرار إغلاق محال السلاح هو انتشارها بين التجمعات السكنية، ما يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار بسبب التفجيرات التي قد تحصل فيها.
ونشطت تجارة السلاح في إدلب خلال السنوات الماضية، منذ سيطرة فصائل المعارضة عليها في 2015، إذ انتشرت “سوق سوداء” لبيع السلاح، وتركزت أغلبية المحال في الأحياء السكنية والأسواق المدنية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :