تشكيل مجلس عسكري سوري انتقالي.. قفزة في المجهول
أسامة آغي
الدعوة إلى تشكيل مجلس عسكري سوري انتقالي هي دعوة تبني مسارًا جديدًا، وتطيح بمسار دولي، تمّ التوافق عليه بالإجماع عبر القرار الدولي “2254”.
ولتوضيح الفكرة أكثر، ينبغي التمييز هنا بين مجلسين عسكريين انتقاليين، الأول مجلس عسكري انتقالي حاكم، وهذا يعني انتقال صلاحيات الحكم الرئاسية والحكومية والتشريعية والقضائية إليه، أي بمعنى آخر، هو استبدال مسار آخر بمسار الحل السياسي الدولي وفق القرارات الدولية.
أما الثاني فهو تشكيل مجلس عسكري انتقالي يكون ذراعًا عسكرية وأمنية لهيئة حاكمة انتقالية، يتمّ تشكيلها وفق القرار “2254” وبيان “جنيف 1″، وهذا يعني أن تكون صلاحيات الرئاسة والحكومة والتشريع والقضاء منوطة بهذه الهيئة.
الفرق بين المجلسين العسكريين الانتقاليين واضح، فالأول، أي المجلس العسكري الانتقالي الحاكم، هو مخالفة وانتهاك صريح لجوهر القرار الدولي، وبالتالي تهديم للأساس القانوني الدولي، الذي يقوم عليه الحل السياسي في سوريا، أما الثاني، فهو استجابة جزئية من ضمن الاستجابة الكلية لتنفيذ جوهر القرار الدولي المذكور.
وفق هذه الرؤية، تبدو دعوة المعارض السوري جمال سليمان، المنشق عن منصة “القاهرة”، إلى تشكيل مجلس عسكري انتقالي حاكم في سوريا، وكأنها دعوة صريحة لاستبدال مسار آخر لا أحد يتبناه دوليًا بمسار سياسي عليه توافق دولي.
الدعوة هذه دعوة فردية، خرجت عن رؤية مؤسسات المعارضة للحل السياسي، القائمة على الإصرار على تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالصراع السوري، وأولها القرار “2254” بسلاله الأربع وبشكل متزامن.
الدعوة أتت كما يقول صاحبها جمال سليمان، بعد فشل الدورة الخامسة من عمل اللجنة الدستورية في جنيف، وهذا يعني تقديم خدمة مجانية لنظام الأسد، تتمثل بلفت الانتباه إلى صيغة سياسية إشكالية، لا أحد يتحدث بها دوليًا، بدلًا من الإصرار على اتهام النظام السوري بأنه سبب الفشل، وهذا يستدعي حملة مناصرة للقرار الدولي، وضرورة تنفيذه، والضغط على معطليه الرئيسين (الروس)، باعتبارهم حليف النظام، ومن استخدم القوة العسكرية المتوحشة للدفاع عنه، باعتبارهم المستثمر الرئيس للصراع السوري.
نسي صاحب الدعوة عدد المرات التي استخدم الروس خلالها حق النقض (الفيتو)، من أجل حماية ودعم النظام، فكيف يتجاهل سليمان هذه الحقيقة، ويطلب من أعداء الشعب السوري أن يشتغلوا على حل وفق هذه الطريقة، وهي طريقة مسدودة الأفق سلفًا، لأنها تتعارض مع مصالح الشعب السوري، وتتناقض مع موقف المجموعة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، ولا يقبل بها الروس ما دامت تُبعد الأسد ومجموعته عن الحكم.
إن الدعوة إلى تشكيل مجلس عسكري انتقالي حاكم، تحتاج بالضرورة إلى وجود توافقات دولية للقوى الفاعلة على هذه الدعوة، هذه التوافقات ليست واردة في مربع زمن الحل بالمرحلة الحالية، فلا يزال الروس يعطلون تنفيذ جوهر القرار الدولي “2254”، لأنهم باختصار لم يحصلوا على ثمن استثمارهم في الصراع السوري، ولن يحصلوا عليه في المدى المنظور، بسبب إصرار الولايات المتحدة ومجموعتها الدولية على استنزاف الروس في الصراع السوري.
وهذه الدعوة من جهة أخرى، تنسف الأساس القانوني الدولي للحل السياسي، لأنها تستبدل بمسار سياسي اتفقت عليه المجموعة الأممية، عبر قرار صدر بالإجماع، مسارًا لا أفق له، لأنه يضع أمور الحل السياسي في كفة المجموعة العسكرية، هذه المجموعة المكونة من ضباط قدامى خارج الجيش لهم دور “مرموق”، ومن ضباط منشقين، لم يشاركوا بأي نشاط عسكري، ومن ضباط لا يزالون في جيش النظام، لم يشاركوا بالصراع السوري.
وفق هذه الرؤية، تظهر الدعوة إلى تشكيل مجلس عسكري انتقالي حاكم، وكأنها مبادرة لتقديم زمن إضافي لمصلحة النظام، كي يتهرب من الاستحقاقات الدولية التي تطالبه بالسير في العملية السياسية وفق القرار “2254”.
هذه الدعوة هي تجاوز سياسي لمؤسسات قوى الثورة والمعارضة، وتحديدًا لـ”هيئة التفاوض السورية”، واللجنة الدستورية، وبالتالي، هي تخريب صريح لجهد هذه المؤسسات، التي يعترف بها المجتمع الدولي وهيئة أممه المتحدة، بأنها التمثيل السياسي المعبّر عن مطالب الثورة السورية، ولهذا يجب تسمية الأمور بأسمائها، فالدعوة إلى تشكيل مجلس عسكري حاكم، هي دعوة للالتفاف على الشرعية الدولية، وهي دعوة تتلاقى مع مصالح موسكو التي سارعت إلى القول إن هذه الدعوة ليست مطروحة للنقاش والعمل عليها.
موقف موسكو يكشف أن هناك غايات من طرح فكرة مجلس عسكري انتقالي حاكم، فهو يبعد النظر عن تعطيل النظام ومن خلفهم الروس أعمال اللجنة الدستورية من جهة، ويشتري في الآن ذاته الزمن من أجل تمرير انتخابات النظام السوري، باعتبارها سدّ فراغ سياسي في ظل غياب توافق دولي على الحل في سوريا.
إن القول بمجلس عسكري انتقالي هو قول يرتكز على قاعدة القرار “2254”، فوجود مثل هذه الذراع العسكرية بيد هيئة حكم انتقالية، يعني إعادة هيكلة الجيش وقوى الأمن، بما يخدم الانتقال من دولة الاستبداد إلى دولة المؤسسات الديمقراطية.
إن الصراع السياسي الدامي في سوريا، لن يجد طريقًا سالكًا بصورة حقيقية من دون تنفيذ محتوى القرارات الدولية، وتحديدًا القرار رقم “2254” الصادر في 18 من كانون الأول عام 2015، فهذا القرار نصّ في فقرته الرابعة على “عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية”.
فهل المجلس العسكري الانتقالي الحاكم، الذي طلب جمال سليمان من الروس العمل عليه، هو ضمن نصوص هذا القرار؟ أم أن هذه الدعوة هي لمنح الروس والنظام مزيدًا من الوقت، للتهرب من استحقاقاتهما الدولية، التي يجمع المجتمع الدولي على أنهما من يعطّل الحل السياسي الأممي.
إن إحاطة غير بيدرسون الأخيرة لمجلس الأمن، بعد فشل الدورة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية، بيّنت وسمّت المعطل الأساسي للمفاوضات، حيث سمّى بيدرسون وفد النظام بأنه المعطّل للجلسات وجدول أعمالها.
إن طرح مقولات حول مجلس عسكري تنتقل إليه صلاحيات الحكم، هي بصراحة، قفز في المجهول، بسبب مغادرة الحل الدولي، وبسبب عدم وجود أي أرضية سياسية لهذا المقترح، ولذلك تبدو دعوة من يدعو إلى مجلس عسكري حاكم، وكأنها صرخة ميتة في فضاء الصراع على سوريا وفيها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :